واشنطن تُطالب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بوقف إطلاق النار دون شروط    تريزيجيه: سنواجه الجيش الملكي كأننا في ملعبنا    بتروجت يفوز علي دجلة ويتأهل لدور ال16 في كأس مصر .. فيديو    غدا غلق كلي لشارع الأهرام في الاتجاه القادم من ميدان الجيزة لمدة 3 أشهر    غرفة عمليات مركز كفر الشيخ تحذر من شبورة مائية كثيفة    الموسم الثاني من بودكاست كلام في الثقافة.. على شاشة الوثائقية قريبًا    دنيا الطفل / سهرة الأسبوع ..... حفل موسيقى على المسرح الصغير وكورال الأطفال بالإسكندرية    حازم المنوفي: استعدادات مبكرة لضبط الأسواق قبل رمضان    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    الزمالك يعين الدكتور مصطفى عبدالخالق مستشارًا لمجلس الإدارة لشؤون المتابعة    الأهلي يشكر مسئولي الجيش الملكي    هالة الصفتي.. حسناء سيف الدين تُشوق الجمهور لمسلسل 2 قهوة    رئيس الوزراء اللبناني: المرحلة الأولى من حصر سلاح حزب الله يفترض أن تنتهي مع نهاية العام الجاري    قومي حقوق الإنسان يستقبل الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لبحث آفاق التعاون المستقبلي    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    قفلوا عليها.. سقوط طفلة من الطابق الثاني في مدرسه بالمحلة    اتحاد اليد يقرر تعيين محمد جمال هليل قائمًا بأعمال أمين الصندوق    «رجال يد الأهلي» يفوز على البنك الأهلي في دوري المحترفين    جامعة كفر الشيخ تحصد برونزيتين في بطولة دوري الجامعات|صور    بعد ترشيح معزوفة اليوم السابع لجائزة الشيخ زايد.. جلال برجس ل الشروق: سعيد بالتواجد وسط كتاب مبدعين    أبى انطلق إلى العالم ببركات السيدة زينب    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    هيئة الرعاية الصحية تمنح الدكتور محمد نشأت جائزة التميز الإداري خلال ملتقاها السنوي    هيئة الرعاية الصحية تمنح رئيس قطاع إقليم الصعيد جائزة التميز الإدارى    علا الشافعي: لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لم تعقد منذ فترة ولا توجد قرارات ملزمة    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    «فاكسيرا» تضع خارطة طريق لمواجهة فصل الشتاء    الاتحاد الأفريقي يدعو الى الإفراج الفوري دون شروط عن رئيس غينيا بيساو    وزير قطاع الأعمال: مصر شريك أساسي في بناء صناعة دوائية متكاملة    مريم نعوم تعلّق على توجيهات منسوبة للجنة الدراما بشأن مسلسلات رمضان: لو الخبر صحيح سأعلن إضرابي عن العمل    توزيع آلاف الطرود الغذائية والمساعدات الشتوية من مصر لقطاع غزة    رئيس لجنة مراجعة المصحف بالأزهر: دولة التلاوة ثمرة الكتاتيب في القرى    رئيس جامعة بنها : اعتماد 11 برنامجا أكاديميا من هيئة ضمان جودة التعليم    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    أوقاف الغربية تنظّم ندوة علمية بالمدارس بعنوان «حُسن الجوار في الإسلام»    منظمات حقوقية: مقتل 374 فلسطينيا منهم 136 بهجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار    التحقيق مع 5 عناصر جنائية حاولوا غسل 50 مليون جنيه حصيلة النصب على المواطنين    إصابة شخص في انفجار أنبوبة غاز بقرية ترسا بالفيوم    مقتل أكثر من 30 وفقدان 14 آخرين بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية في سريلانكا    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    السعودية: 4.8% من سكان المملكة أكبر من 60 عاما    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    سلطات هونج كونج: ارتفاع عدد قتلى حريق اندلع بمجمع سكني إلى 55    حقيقة فسخ بيراميدز تعاقده مع رمضان صبحي بسبب المنشطات    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    جامعة بنها ضمن الأفضل عربيًّا في تصنيف التايمز البريطاني    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    وسائل الإعلام العالمية تشيد بشراكة مصر و "Jet2" البريطانية    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    مندوب سوريا يكشف عن دور قطر في التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمير طاهري يكتب : 2016: أهو عام حلب؟
نشر في الوفد يوم 30 - 12 - 2016

في الثقافات الكلاسيكية، فإن كل عام، بدلاً من أن يحمل رقمًا، يمنح اسمًا
مكانه. ويمكن أن يكون اسمًا لمعركة كبرى مثل «عام الفيل» عندما غزا الأحباش
شبه الجزيرة العربية، أو مسمى لكارثة طبيعية استثنائية، مثل عام «الجراد»
الذي ميز بداية النهاية لحضارة سومر القديمة، أو حتى اسمًا لنهر غامض في
شمال روما، وهو نهر روبيكون، والذي تسبب عبور قيصر له في اندلاع الحرب
الأهلية التي أسفرت عن وفاة الجمهورية الرومانية وظهور الإمبراطورية مكانها.
وكما أن مختلف الثقافات أنشأت مختلف التقويمات السنوية وتعلمت كيفية
استخدامها، فإن ممارسة إلحاق اسم معين ببداية كل عام قد انزوت إلى غياهب
التاريخ بمرور الوقت.
وفي عام 1937، أحيا الكاتب الفرنسي، والسياسي اللاحق، أندريه مالرو،
التقليد القديم الذي يشير إلى مطلع العام الجديد بمسمى «غرنيكا»، وهي
البلدة الصغيرة في إقليم الباسك إلى الشمال الشرقي من إسبانيا والتي تعرضت
إلى أول حادثة من القصف البساطي في تاريخ الحروب على أيدي سلاح الجو
الألماني النازي والإيطالي الفاشي.
وفي سياق الحرب الأهلية الإسبانية، ثم وفي عامها التالي، كانت الإبادة
الجوية لبلدة غرنيكا من دون قيمة عسكرية تذكر. ولكن من الناحية الرمزية،
رغم كل شيء، فإنها كانت بمثابة نقطة التحول البارزة في الصراع والتي، كما
أثبتت الأحداث اللاحقة، كانت مثار أهمية قصوى لدى كافة ربوع أوروبا وبأكثر
من حالة العزلة الإسبانية وقتذاك.
وبعض من المفكرين الغربيين، ومن بينهم الكاتب الفرنسي مالرو والكاتب
البريطاني جورج أورويل، قد عرفوا الحادثة باعتبارها نهاية حالة السلام
المؤقتة التي تأسست في القارة العتيقة مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
اختتمت غرنيكا مصير عصبة الأمم إلى غير رجعة، وهي المنظمة السابقة على
الأمم المتحدة كضامن أمين لبعض من آثار القانون الدولي.
وبمزيد من الأهمية، ربما، كانت غرنيكا سابقة على مقدمات الحرب العالمية
الثانية باعتبارها الحرب الكبرى ما بين معسكر الديكتاتورية والديمقراطية في
تاريخ القارة الغارقة في الدماء.
ولقد استحدث ذلك الهجوم شكلاً جديدًا من أشكال الحرب التي لم يكن الهدف منها
إضعاف أو تدمير الخصم المسلح ولكن إبادة أكبر عدد ممكن من المدنيين غير
المقاتلين بقدر الإمكان. ولقد كان هذا بمثابة بروفة مسبقة لما سوف يأتي
لاحقًا، وإن كانت بروفة على نطاق ضيق للغاية، للقصف البساطي لمدن لندن، ثم
دريسدن وبرلين، الذي تجاوز كافة مبررات الحرب من الناحية العسكرية المحضة.
وعلى مدار التاريخ كانت الحرب تعني الصدام بين قوتين مسلحتين مع حفنة من
المدنيين المطلوب منهم الإذعان للمنتصر في نهاية الصراع. ولكن في غرنيكا،
رغم ذلك، كان الهدف هو ترويع السكان المدنيين بدرجة غير مسبوقة حتى قبل
انتهاء الصراع. ولقد غسلت الديمقراطيات الغربية، وعلى رأسها بريطانيا
وفرنسا، أيديها تمامًا من الأمر وراقبوا المأساة في هدوء عجيب وفي إشارة غير
معلنة ومفهومة إلى دول المحور المعادية بأن أحلام غزو العالم لديهم قد لا
تلقى أي درجة من المقاومة تذكر.
مع كل ذلك في الاعتبار، هل سيكون من قبيل التجاوز الشديد أن نتساءل عما إذا
كان يمكن إطلاق مسمى حلب على عام 2016؟
المدينة السورية، التي استوت بالأرض إثر القصف البساطي العنيف من مقاتلات
سلاح الجو الروسي والقصف المدفعي غير المتناهي من فلول جيش بشار الأسد
المدعوم من الجيش الإيراني والمرتزقة اللبنانيين، والأفغان، والباكستانيين،
هي مدينة أكبر من حيث المساحة وعدد السكان من بلدة غرنيكا الإسبانية
الصغيرة. وهناك، كان عدد الضحايا أيضًا أكبر وأضخم. ولكننا نعيش في عصر كل
ما فيه كبير وعظيم، وفي كثير من الأحيان، مروع ورهيب.
ولما وراء ذلك، فإن التشابه ما بين الحادثتين حقًا مريع.
ففي غرنيكا، استهدفت القاذفات الألمانية والإيطالية عن عمد المدارس
والمستشفيات وحتى الأسواق والبازارات، تمامًا كما صنعت روسيا وحلفاؤها في
حلب السورية.
وفي كلتا الحالتين، لم تسمح القوات المهاجمة لجماعات الإغاثة الإنسانية
بالوصول إلى الناس المحاصرين في الجحيم المستعر داخل المدينة المستهدفة.
هاجمت الطائرات الألمانية والإيطالية في غرنيكا قافلة إغاثية صغيرة مكونة
من بعض المتطوعين من فرنسا وبريطانيا، أما في حلب، فدمرت المقاتلات الروسية
قافلة إغاثة مماثلة على الرغم من حقيقة حصول تلك القافلة على الموافقة من
الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولي.
وقبل غرنيكا، كان الصراع الذي شهدته إسبانيا عبارة عن الحرب الأهلية بين
مختلف الفصائل المتناحرة التي تتمتع بقدر من الدعم من قوى خارجية. ولقد
حولت غرنيكا ذلك إلى قتال على نطاق موسع حول من سوف يهيمن على القارة
الأوروبية، وبالتالي العالم بأسره.
ومن شأن حلب أن تشير إلى تحول مماثل في الأحداث مع الحرب الأهلية التي
تتمدد لتكون صراعًا واسعًا من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط، ومنطقة البحر
الأبيض المتوسط، وما وراءه.
تبدو حلب كمثل سطر النهاية للكثير من الأشياء في هذه المنطقة.
وقد يتساءل المرء ما إذا كانت الأمم المتحدة لن تلقى نفس مصير عصبة الأمم.
وبعد كل شيء، ما جدوى المنظمة التي لا تستطيع مجرد السماح بالإدانة اللفظية
لعمليات القتل الجماعي للمدنيين على أيدي واحدة من الدول المالكة لحق النقض
(الفيتو)؟
والأسوأ من ذلك، أن الأعضاء الآخرين المالكين لنفس الحق قد تمسكوا بكل
عناية بالكليشيهات الرصينة ذاتها أو لزموا الصمت المطبق على الدوام.
اعترضت كل من روسيا والصين على خطة السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى
حلب، وأراقت بريطانيا وفرنسا دموع التماسيح على المأساة ولكنهما رفضتا حتى
التفكير في إسقاط شحنات الإغاثة من الغذاء والدواء على السكان المحاصرين
أثناء انطلاق روسيا في عمليات الإبادة المنظمة. أما الولايات المتحدة، في
عهد الرئيس أوباما الحائز جائزة نوبل للسلام، فقد صنعت ما هو أسوأ بالعزف
على قيثارة «مشورة الشركاء الروس للوصول إلى حل سياسي».
فضحت حلب المزاعم الوقحة لما يسمى بالتحالف المناهض للحرب الذي هو على
استعداد دائم لتنظيم المسيرات في شوارع لندن، وباريس، ونيويورك ضد مجرد
التهديد بأي إجراء يُتخذ ضد الأنظمة الاستبدادية مثل الجمهورية الإسلامية في
إيران، أو نظام فيدل كاسترو في كوبا، ولكنه لم يكترث كثيرًا بالمذابح
المروعة الجارية في حلب.
كما كشفت حلب أيضًا عن الوجه الحقيقي للنظام الخميني في طهران، وفضحت النزعة
الانتهازية القميئة والتعطش السافر للسلطة لدى المافيا الحاكمة هناك، على
الرغم من الاستخدام الزائف للمفردات الإسلامية الرنانة، وهو النظام الأكثر
من مستعد لأن يلعب الدور الثاني القذر في مواجهة القوة «الكافرة» الطموحة
لذبح المزيد من المسلمين العزل.
وفي الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال، يكون محور موسكو - طهران يحتفل بالفعل
ب«الانتصار العظيم» في حلب كمثل ما احتفلت برلين وروما قديمًا بدمار غرنيكا
ووفاتها. ولكن كما أن حادثة غرنيكا لم تحقق النصر الاستراتيجي للمحور
النازي الفاشي من قبل، فإن إبادة حلب من غير المرجح أن تخدم طموحات بناء
الإمبراطوريات التي تتيه بأحلام وعقول موسكو وطهران.
ولا يعني ذلك أن اليوم، على الرغم من مروقهما دوليًا، يمكن اعتبار روسيا
وإيران كمثل ألمانيا وإيطاليا في عام 1937، والواضح في هذا الأمر، رغم كل
شيء، أنهما تطبقان نفس التكتيكات التي لا ينبغي السكوت عنها وعلى استخدامها
في مرحلة ما بعد الشيوعية وعالم ما بعد الفاشية.
وبصرف النظر عما سوف يحدث لاحقًا في هذه الحرب المريرة، فهناك أمر واحد
أكيد: سوف يتذكر العالم بأسره عام 2016 بأنه عام مدينة حلب، مدينة شهداء
سوريا الأبطال.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.