رأى مراقبون فلسطينيون أن جولة رئيس الحكومة المقالة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية والتي جاءت في ظل "ربيع الثورات العربية" بعد أربعة أعوام من إقالته من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إثر سيطرة حركته على القطاع بالقوة، تصب في إطار دعم حركته معنويا وماديا من قبل العديد من الدول. واعتبر المراقبون أن الجولة التي بدأت في 24 ديسمبر الجاري وشملت مصر والسودان وستشمل تركيا والبحرين وتونس وقطر ووصفها مسئولون في الحكومة المقالة بأنها ناجحة، جاءت بالدرجة الأولى بسبب متغيرات الوضع العربي في ظل الثورات التي شهدها عام 2011. وقال الناطق باسم الحكومة المقالة طاهر النونو، في تصريح لصحيفة "فلسطين" التي تصدر في قطاع غزة اليوم (السبت)، إن جولة هنية الخارجية ناجحة، وماضية كما هو مخطط لها من قطاع غزة، مشيرا إلى أنه والوفد المرافق لقوا حفاوة في مصر والسودان. ولم يسبق لهنية القيام بأي زيارة خارج قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس على الأوضاع فيه بالقوة في يونيو عام 2007 وإقالته من قبل الرئيس عباس من منصب رئيس حكومة الوحدة التي كان يرأسها آنذاك وبعد فوز حركته بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 ردا على ذلك. ويرى المحلل السياسي في قطاع غزة إبراهيم أبراش أن توقيت جولة هنية يتعلق "بالثورات العربية" وتغيير المحيط العربي الذي أصبح أكثر تأييدا للإسلام السياسي، وبالتالي فإنه أصبح أكثر قربا من حركة حماس، الأمر الذي يساعد قادة الحركة بمن فيهم هنية على التحرك وأن يستقبل في تلك الدول بشكل جيد. ويضيف أبراش لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن السبب الثاني لتوقيت الزيارة جاء بسبب تخفيف الحصار عن قطاع غزة وسهولة حركة قادة حماس بعد تغيير النظام السياسي في مصر، فيما يكمن السبب الثالث بتوقيع اتفاق المصالحة مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) برعاية مصرية وإن كان لم يطبق فعليا على الأرض. وحول أهداف الجولة التي يقوم بها هنية، أعلن يوسف رزقة المستشار السياسي له في بيان صحفي سابق، أن جولته ستناقش ملفات إعادة الإعمار لقطاع غزة والتنمية والبطالة. واعتبر رزقة أنه سيكون لهذه الجولة أهمية كبيرة "كونها تأتي في ظروف دقيقة وحساسة وستنعكس إيجابيا على الساحة الفلسطينية من حيث تفكيك الحصار السياسي ومعالجة الحصار الاقتصادي والمالي المفروض على قطاع غزة". ويرى المحلل السياسي من غزة هاني حبيب أن هدف جولة هنية "هو فك الحصار السياسي عن حماس وحكومتها". ويضيف حبيب ل"شينخوا" أن الزيارة تهدف كذلك إلى "الحصول على دعم مادي لإعادة اعمار قطاع غزة، والاعتراف بحركة حماس كشريك بالعملية السياسية على الصعيد الفلسطيني والعربي نتيجة للتطورات القائمة الآن". ويؤيد حبيب أبراش الذي يقول" ستكون هناك مكاسب سياسية ومعنوية من جولة هنية". ويرى أن "المكاسب المادية ربما تكون من خلال جماعات أو أحزاب"، لكنه يشكك بأن تحصل حركة حماس على دعم مباشر من الدول التي تشملها جولة هنية، معربا عن اعتقاده بأنها ستكون عن طريق الرئيس عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية. ونشب خلاف بين حركتي فتح وحماس حول الصفة البروتوكولية لهنية خلال جولته الخارجية، حيث اتهم النونو (فتح) بأنها "تبذل جهودا من أجل إفشالها" من دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض ملف الحوار الوطني فيها عزام الأحمد لوكالة أنباء "شينخوا"، إن هنية سيستقبل في الدول التي سيزورها كأحد قادة حركة حماس وليس كرئيس لحكومة. وأضاف الأحمد أن الدول التي يزورها هنية "تحترم نفسها ومواقفها"، مشددا على أنه "لا يوجد دولة في العالم تتعامل مع قطاع غزة على أنه كيان سلطوي منفصل". في المقابل، قال القيادي في حركة حماس صلاح البردويل ل"شينخوا"، إن هنية سيقوم بجولته بصفته "رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب"، مضيفا أنه تلقى دعوة رسمية من الدول التي سيزورها بهذه الصفة. وانتقد البردويل تصريحات الأحمد، معتبرا أنها "خطأ ولا يجوز لحركة فتح التحدث باسم الدول التي دعت هنية لاستقباله". ويرى أبراش أنه إلى حد الآن من جولة هنية، فإن استقباله لم يخرج عن إطار أنه أحد قيادات حركة حماس أكثر مما هو رئيس وزراء، مشيرا إلى أن ذلك ظهر في مصر حيث تم استقباله على المستوى الرسمي من قبل مدير المخابرات المصرية مراد موافي. ويقول أبراش " معني ذلك أن مصر ما زالت تتعامل مع السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس باعتباره هو الذي يمثل رأس الهرم الفلسطيني وحكومة تصريف الأعمال التي كلف سلام فياض بتشكيلها ". كما عبرت إسرائيل عن قلقها إزاء جولة هنية حيث قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أخيرا، إن الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق من قيام هنية بزيارة الدول العربية والإسلامية، باعتبار أن هذه الزيارة تعزز المخاوف الإسرائيلية من النتائج السلبية لثورات "الربيع العربي". لكن حبيب يرى أن إسرائيل بالغت وضخمت من جولة هنية، معتبرا أنها "لا تشكل أي خطر لا من قريب ولا من بعيد على إسرائيل". ويقول حبيب إن ما يهدد إسرائيل "هو وحدة الفلسطينيين واستجابة قدراتهم وإمكانياتهم على كافة الصعد الثقافية والعسكرية والأمنية في مواجهة العدو". ووقعت حركتا فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية اتفاقا للمصالحة مطلع مايو الماضي سعيا لإنهاء الانقسام الداخلي المستمر منذ يونيو 2007 إلا أن خلافاتهما بشأن تشكيل حكومة التوافق عطلت المضي في تنفيذ الاتفاق. ووضع التحاق رئيس المكتب السياسي حركة حماس خالد مشعل بهنية خلال اجتماعه مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير علامات استفهام لدى بعض المراقبين الذين فسروه على أنه يأتي ضمن خلافات بين قيادة الحركة في الأراضي الفلسطينية والخارج. لكن أبراش يرى عكس ذلك، معتبرا أن اللقاء يدحض هذه الرواية ويؤكد على وحدة قيادة حماس في الداخل والخارج. ويقول أبراش " لا يوجد ما يستشف بأن هناك أي انقسامات ولكن ربما وجود هنية ومشعل يعني المراد منه هو تبديد الأقوال بأن هناك خلافات داخل حركة حماس حول بعض قضايا المصالحة الوطنية ". بدوره، يفسر المحلل السياسي من قطاع غزة أكرم عطالله ما حدث في الخرطوم، بأن هناك اجتماعا لقيادة حركة حماس فيها "لبحث التغيرات سياسية تجريها حماس وكذلك الانتخابات وحكومة الوحدة التي سيتم تشكيلها بناء على اتفاق المصالحة وانضمام الحركة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وكثير من القضايا التي تستدعي أن يتواجد كل أعضاء حماس في الاجتماع". ويقول عطالله إن اجتماع مشعل وهنية لا يزيد من شعبية أحدهما أو ينقص من شعبية الآخر لأن الشارع الفلسطيني الآن بنظر باحترام لكل فصائلة خصوصا بعد توقيع المصالحة.