كل يوم يمر تثبت حكومة المهندس شريف إسماعيل أنها حكومة «الناس اللى فوق» لا تسعى إلا لمصالح الأغنياء فقط، ولا تعير غيرهم أى اهتمام. فمنذ أيام قليلة أعلنت الحكومة عن نيتها لتعويض المقاولين المتعاملين معها عن ارتفاع أسعار الخامات الناتج عن تحرير سعر الصرف، رضوخاً لطلب اتحاد المقاولين الذى حدد التعويض ب 15% من قيمة العقود، فى حين تركت باقى المواطنين على اختلاف مستوى دخولهم يعانون الأمرين بسبب ارتفاع أسعار كل شىء. ورغم وعودها برفع المعاناة الناتجة عن تحرير سعر الصرف عنهم، وايجاد برامج لحماية الفقراء ومحدودى الدخل من هذا السيل الجارف للأسعار، إلا أنها لم تفعل لهم شيئاً سوى زيادة دعم المقررات التموينية بمقدار 3 جنيهات للفرد، فى حين اهتمت بالأغنياء ولم تحملهم أى أعباء، هذا الإجراء وغيره جعل كثيرين يطلقون على الحكومة لقب حكومة الأغنياء. عام وثلاثة أشهر قضتها حكومة المهندس شريف إسماعيل فى الحكم. خلالها لم يشعر المصريون بأى تحسن فى الأحوال وإنما ساءت أحوالهم أكثر وأكثر. فرغم وعودها بالعدالة الاجتماعية والاهتمام بالفقراء، إلا أن أفعالها كانت دائماً عكس ذلك. فمنذ توليها الحكم ولا هم للحكومة سوى الأغنياء.. لا تعمل إلا لصالحهم، وجاء القرار الأخير بتعويض المقاولين عن قرار تحرير سعر الصرف ورفع أسعار المحروقات وقانون القيمة المضافة ليؤكد أن هذه الحكومة لا تعمل إلا لمصلحة رجال الأعمال سواء كانوا صغاراً أم كباراً. وكانت لجنة التعويضات التابعة لوزارة الإسكان والتى تتعامل مع 10 وزارات وهيئات قد بدأت دراسة كيفية تعويض المقاولين المتعاملين معها عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بعد تحرير سعر الصرف، إذ بلغ عدد عقود الاسكان التى أسندتها الوزارة للشركات حوالى 600 عقد، بخلاف العقود الأخرى التى وقعتها جهات أخرى منها الجهاز المركزى للتعمير، وعقود تنفيذ شبكات الطرق وغيرها من المشروعات. هذا القرار لم يكن الأول من نوعه الذى تتخذه حكومة شريف إسماعيل فى ظل المعاناة التى يعيشها المصريون جميعاً جراء تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات، لكن اكتفت الحكومة بمنح المواطنين المستفيدين من الدعم السلعى 3 جنيهات كاملة وتركتهم يعانون من ارتفاع الأسعار الذى وصل لأكثر من 100% لعدد كبير من السلع منها العدس والزيوت والمسلى والأدوية وغيرها. وقد أصرت الحكومة على دعمها للأغنياء. ففى حين رفعت أسعار الكهرباء والغاز الطبيعى للمنازل ما زالت الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة ومنها الحديد والسيراميك تتمتع بالدعم. ومن يتتبع خطوات الحكومة تجاه الأغنياء طوال فترة حكمها يكتشف أنها لا تعمل إلا من أجلهم. فرغم عجز الموازنة الذى يصل لأكثر من 300 مليار جنيه إلا أنها رفضت فكرة فرض ضرائب على الأغنياء أو فرض ضرائب تصاعدية على الدخل كما هو معمول به فى معظم دول أوربا الرأسمالية. كما رفضت فرض ضريبة أرباح البورصة، فى حين قامت دون تفكير بفرض ضريبة القيمة المضافة لزيادة مواردها بمقدار 32 مليار جنيه، وعانى ملايين المواطنين الكادحين من آثار هذه الضريبة التى أشعلت أسعار السلع بما لا تقدر الدخول الثابتة على مواجهته. بل رفضت الحكومة مقترحاً بفرض ضريبة على الأغنياء تقدر ب500 فقط، تحت مسمى ضريبة ثراء، يتم تحصيلها لمدة محددة حتى تتخطى البلاد الأزمة الاقتصادية التى تواجهها، وقررت الحكومة الاكتفاء بضريبة القيمة المضافة التى أرهقت جيوب الفقراء ومحدودى الدخل وأبناء الطبقة الوسطى الذين انحدرت شريحة كبيرة منهم تحت خط الفقر بسبب إجراءات حكومة شريف إسماعيل التى لم تراع الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى. بل إنه بعد رفض الحكومة لضريبة الثراء بأقل من 5 أيام، قامت بتحرير سعر الصرف صباحاً، ثم قررت رفع الدعم جزئياً عن المحروقات. وانهارت قيمة الجنيه أمام الدولار، كما انهارت القوة الشرائية للجنيه مع الارتفاعات غير المبررة فى الأسعار، وبالتالى زادت معاناة المواطنين. وأمام صبرهم وسكوتهم، تغاضت الحكومة عن كل وعودها بالعمل على تخفيف المعاناة عن محدودى الدخل وتركتهم فريسة للجشع وانعدام الرقابة وتهاوى الجنيه. وحينما قررت الحكومة تعويض أحد فكرت فى تعويض المقاولين المتعاملين معها وتناست المواطنين. ويرى ناجى الشهابى، رئيس حزب الجيل أن الحكومة الحالية لا تسعى إلا لإرضاء أصحاب الأموال مخالفة بذلك كل توجيهات الرئيس السيسى لها فى خطاب التكليف بمراعاة البعد الاجتماعى وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأضاف أن ما يحدث الآن هو نتاج زواج المال والسياسة مثلما كان يحدث فى مصر قبل الثورة، مشيراً إلى أن معظم وزراء المجموعة الاقتصادية كانوا يعملون لدى رجال الأعمال، وبالتالى فولاؤهم لرجال الأعمال وليس للشعب المصرى.. وبالتالى كل قرارات الحكومة لا تخدم سوى الأغنياء ورجال الأعمال، مثلما حدث فى قرار إلغاء الجمارك على الدواجن المستوردة والذى صدر لصالح عدد محدود من رجال الأعمال وتم إلغاؤه بعد أن حققوا مصالحهم. كذلك وجدنا الحكومة تفرض ضريبة القيمة المضافة من أجل 32 مليار جنيه، وهو مبلغ ضئيل لن يسد العجز الكبير فى الموازنة، ولكن تأثير هذه الضريبة أضر بالمصريين جميعاً خاصة الفقراء ومحدودى الدخل، فى حين أنها رفعت الدعم الموجه للصادرات إلى 16 مليار جنيه، أى أنها دعمت الأغنياء بنصف المبلغ الذى حصلت عليه من الفقراء. ووصف الشهابى، حكومة شريف إسماعيل بأنها مصابة بعمى ألوان، ولا تستطيع التمييز بين الفئات الأكثر احتياجاً من أبناء الشعب، فهى لا ترى سوى الأغنياء، الذين تؤكد بياناتها أنهم متهربون من دفع حوالى 500 مليار جنيه ضرائب. وأضاف أن قرار الحكومة بتعويض المقاولين ليس غريبا لأنها لا تعرف إلا مصالح رجال الأعمال، وطلباتهم أوامر بالنسبة إليها.. أما باقى الشعب فلا قيمة له عندها. حكومة أزمات ومنذ توليها المسئولية والأزمات الطاحنة هى الصفة السائدة لحكومة المهندس شريف اسماعيل، فللمرة الأولى خلال أشهر يمر الشعب المصرى بأزمة لم يشهدها منذ سنوات، فلأول مرة منذ ما يقرب من 40 عاماً يشهد السوق أزمة طاحنة فى السكر لم تنفك حتى الآن، سبقتها أزمات أخرى فى الزيت والأرز، ومع ذلك لم تفكر الحكومة فى وضع حلول ايجابية لمنع تكرار هذه الأزمات، بل انها استغلتها لرفع سعر السكر التموينى من 5 إلى 7 جنيهات للكيلو، وتحريك سعر الأرز والزيت، فى حين تركت الأسعار فى السوق حكرا لجشع بعض التجار ليصل سعر كيلو السكر فى الأسواق إلى 15 جنيهاً. ولم تتحرك الحكومة لرفع المعاناة عن مواطنيها إنما فكرت فى رفع المعاناة عن رجال الأعمال. الدكتور طارق زيدان رئيس حزب الثورة المصرية يرى أن ما قامت به حكومة شريف إسماعيل ما هو إلا اتجاه عام للدولة منذ سنوات، وهو تفضيل مصالح رجال الأعمال على باقى الشعب المصرى. فضريبة أرباح البورصة تم إلغاؤها، والحكومة الحالية كسابقتها لم تفكر فى اللجوء إليها لسد عجز الموازنة، إنما فرضت ضريبة القيمة المضافة التى تحملتها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولم يتحمل رجال الأعمال أى شىء من هذه الأعباء، حتى الضرائب المتأخرة عليهم ترفض الحكومة تحصيلها. وأضاف: فى قضايا التصالح، راعت الحكومة مصالح رجال الأعمال أكثر من مصالح الوطن، فمثلاً فى قضية رشيد محمد رشيد قضت المحكمة بتغريمه مليارا و500 مليون جنيه، لنجد الحكومة بعد ذلك تتصالح معه مقابل 500 مليون جنيه فقط. وأكد زيدان، أن الحكومة تنحاز لرجال الأعمال لأنهم أصحاب الصوت العالى والعلاقات المتشابكة بينهم وبين السلطة، أما باقى الشعب المصرى فله الله بعد أن تخلت الحكومة عنه. فبدلاً من أن تقوم الحكومة بمعالجة الأوضاع الاقتصادية السيئة بالتدريج حتى لا يضار الشعب المصرى، وتوزيع الأعباء بينهم وبين الأغنياء، اختارت الحكومة القرار الأصعب على الشعب ولم تحمل الأغنياء أى أعباء، بينما تركت باقى الشعب يعانى من تأثيرات قراراتها. ويتفق أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام لحزب مصر الاشتراكى مع كل ما قيل، مشيرا إلى أن الحكومة منذ حلفها لليمين وهى مستمرة فى تدليل الطبقات الغنية وتلبية رغباتها وسن القوانين التى تساعد الأغنياء على مضاعفة ثرواتهم، وتعلن يوميا انحيازها المطلق لهم على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب. فإذا نظرنا لمسلسل القوانين والاجراءات الاقتصادية منذ مؤتمر شرم الشيخ 2015 وحتى قانون تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016، وما تبعه من رفع الدعم عن المحروقات وتأثير هذه القرارات على أسعار كافة السلع والخدمات، نجد أن الحكومة منحازة انحيازاً مطلقاً للطبقة الغنية على حساب 90% أو 95 % من الشعب. وأشار «شعبان» إلى أن الحكومة تجاهلت تأثير هذه القرارات على الشعب رغم أن النظم الرأسمالية نفسها لديها برامج لتخفيف آثار التطورات العاصفة للقرارات الاقتصادية ومساندة المواطنين فى مواجهة تغول السوق، فكل النظم الرأسمالية لديها من الحكمة والرشد ما يجعلها تحاول تقسيم الأعباء بين المواطنين من الأغنياء والفقراء كل حسب قدرته.. لكن الحكومة المصرية لا تفعل ذلك. وأوضح أن النظم الرأسمالية لا تفعل ذلك رحمة منها بشعوبها ولكنها تعلم عواقب هذا الإهمال وهذه التفرقة والتى تؤدى إلى الثورات التى تطيح بأركان النظام الرأسمالى كله. ووصف شعبان، الإدارة الاقتصادية للدولة بأنها خرقاء لا تليق بثورتين قامتا للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وتدفع الأمور إلى الاحتقان خصوصاً فى ظل الفشل الأمنى والتعثر فى حل أبسط الأزمات كأزمة السكر، ورفض الحكومة تحميل الأغنياء أى أعباء فى فاتورة الإصلاح الاقتصادى، فقد فشلت فى تطبيق الحد الأدنى للأجور، ورفضت الضريبة التصاعدية وضريبة أرباح البورصة وضريبة الثروات، حتى دعم الطاقة الذى تتغنى به الدولة يذهب 65% منه للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ومنها الحديد والأسمنت والسيراميك، بل حينما فكرت فى خفض الدعم، خفضته على المواطنين ولم تقترب من هذه الصناعات.. إذن فالحكومة تثبت كل يوم أنها حكومة الأغنياء فقط أو «حكومة الناس اللى فوق».