الكرة الأرضية.. عند البعض..هى بطيخة صغيرة يقطّعونها شرائح وينهشونها بأسنانهم. وعند آخرين..هى كرة قدم يمسكون بها، يعانقونها ثم يركلونها فيما بينهم. عندي.. الأرض ليست بطيخة.. وليست كرة قدم. الكرة الأرضية.. وجه حبيب أمسح عنه الدم إذا نزف والدمع إذا انهمر. (رسول حمزاتوف) *** كان «الهنود الحمر» يجمعون الذهب ويقدمونه للغزاة البيض قائلين: «خذوا إلهكم»، على أمل أن تقنع عيونهم ببريق المعدن الأصفر ويتركوهم أحياء، لكن هؤلاء الغرباء «ذوو الوجوه الشاحبة» كما يسميهم الهنود، كانوا يأخذون الذهب ويقتلونهم، إذ إنه لا يكتمل شبعهم إلا بوليمة من صنفين: «المال والدم»! حدث ذلك من قرون بعيدة، فهل تغير الحال، هل شبعوا، اكتفوا؟ لا. أبيد «الهنود الحمر» عن آخرهم، ولا يزال الغزاة البيض يسدّون جوعهم من لحم شعوب جديدة، حتى لم تعد أجساد ملايين البشر فى العالم سوى جلد على عظام. *** منذ انهيار سور برلين عام 1989 وانفراد أمريكا بقيادة الدنيا، سقطت البشرية ضحية جريمة سياسية وثقافية واقتصادية، نسج خيوطها «الغزاة البيض» أنفسهم، تحت اسم «العولمة». «إنسان كونى واحد ينعم بالحرية والديمقراطية».. هذا هو الشعار المسموم الذى انبرى لترويجه سماسرة أفكار وأنصاف فلاسفة وخبراء مدفوعو الأجر وإمبراطوريات إعلامية مشبوهة ورجال أعمال فاسدون، حتى تمزقت الكرة الأرضية برمّتها، ولم تعد تحتمل «ركلة» واحدة! ربع قرن من الرعب، تلك هى المحصّلة. ملايين الجوعى والمشردين والقتلى فى كافة بقاع العالم، لنا منها هنا - نحن العرب- حصة دامية تمثلت فى تدمير أوطان وتشريد مواطنين ونهب ثروات وتمزيق هويّات وإبادة ذاكرة. لكن يبدو أن «عجلة القيادة» اختلت فى يد السائق وحان الوقت لأن يرسل «العربة» إلى «الصيانة»، بعد أن دهست كل ما يقابلها، وتهدده هو نفسه بالسقوط فى الهاوية. لقد كشفت معركة الانتخابات الأمريكية الأخيرة عن حجم خراب هائل داخل الولاياتالمتحدة، يتمثل فى تعفن المؤسسة الحاكمة وسيطرة نخبة فاسدة على الثروة بالتواطؤ مع مافيا الإعلام، فيما تعانى فئات واسعة من البطالة وتوحش الضرائب وتراكم الديون وتدنى الخدمات. ليس دونالد ترامب «مجنونا» كما تحاول تصويره الآلة الإعلامية الأمريكيةوالغربية. إنه «الابن البار» لأمريكا «الحقيقية» التى صارت «عجوزا»، ولم تعد تفلح «أدوات الماكياج» داخل ستوديوهات هوليود فى إخفاء «التجاعيد» من وجهها. إنه «الأبيض» الذى سيعيد أمريكا «بيضاء» كما خلقها الله أول مرة، قبل أن «تتلوث» بلون «أوباما» فى «غلطة» تاريخية أتاحتها حبكة العولمة. إنه «الضمير الصريح» لملايين الأمريكيين الذين التفوا حوله لتوجيه صفعة مؤلمة لثالوث «السياسة والإعلام والبيزنس» بعد أن نشب مخالبه طويلا فى رقابهم. «أنا أفهم هذا المستنقع جيدًا وسأقوم بتنظيفه»، هكذا خاطب «ترامب» الناخبين، مؤكدا أنه مرشح «من خارج دوائر واشنطن ونخبتها الفاسدة»، أى أنه طاهر وعادل ك«مسيح»، فانتخبوه أو «اتّبعوه» للخلاص من «طريق الآلام». *** MAKE AMERICA GREAT AGAIN أو «لنجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية»، هذا هو شعار دونالد ترامب أثناء حملة ترشحه للرئاسة، والذى استقطب به أصوات شرائح كبيرة. اعتراف «موارب» إذن بأن أمريكا فقدت «عظمتها» ولم تعد قادرة على قيادة العالم، وستسلك طريقها وحدها مع «سائقها» الجديد، فيما يتشكل نظام عالمى وليد على أنقاض العولمة، تتركز أبرز ملامحه فى غياب الأيديولوجيات الكبرى وتفكيك خرافة الديمقراطية الغربية وإفلاس النيوليبرالية وصعود النزعات العنصرية وتشديد قبضة الدولة القومية. *** «إجازة مؤقتة» أم «إحالة على المعاش»، تلك التى أعلن عنها «شرطى العالم»؟ كيف ستتصرف أوروبا بعد أن تركها «الأب الروحي» يتيمة فى مصير مجهول؟ ماذا عن روسيا، «الضائعة» بين مجد غابر وغد غائم؟ أى طريق تراهن عليه الصين، التى صارت بين بين، لا هى شيوعية صرفة ولا ليبرالية صرفة؟.. أليس صعبا (ومضحكا) أن يحل «بوذا» محل «الكاوبوي»؟ وهل تستطيع الشعوب المستضعفة- ونحن فى مقدمة صفوفها- لملمة أشلائها فى هذه «الثغرة التاريخية»؟ لا إجابات يقينية وسط هذا الجنون فلنتأمّل.. ونأمل.