وصل الدين العام المحلى والخارجى إلى مستويات غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، وزاد قرار تحرير سعر الصرف من قيمة الديون الخارجية المقومة بالدولار أو العملات الأجنبية الأخرى لتتجاوز قيمتها الضعف نتيجة لقفزات سعر الصرف فى السوق المحلى، وتعد الديون السبب الرئيسى لضغوط الأسعار ومستويات التضخم والأزمة الاقتصادية التى تشهدها البلاد حاليًا كما أن تراكم هذه الديون وزيادة أعبائها أدى إلى ضغوط كبيرة على الموازنة العامة لتراجع قيمة المخصصات المالية بها الموجهة لتحسين خدمات المواطنين ورفع مستوياتهم المعيشية كالتعليم والصحة والمشروعات المولدة لفرص العمل، والحقيقة أن تاريخ هذه الديون ليست من زمن بعيد، فما هى جذور أزمة الديون وكيف كانت خزانة مصر المالية منذ سنوات قريبة تحقق فائضًا، وكيف وصلت إلى تركة ثقيلة وخزانة غارقة تتطلب الإنقاذ العاجل؟! كيف كنا وكيف أصبحنا فى حكاية الديون بالأرقام خلال فترة زمنية مدتها لا تتجاوز 64 عامًا فقط منذ عام 1952 وحتى عام 2016 نلخصها فى الآتى: فى عهد الملك فاروق 1936-1952 كان حجم الدين الخارجى صفرًا وبلغ فائض الاحتياطى الأجنبى 450 ألف جنيه استرلينى ما يعادل 600 مليون دولار بسعر الصرف الحالى، وكان احتياطى الذهب يبلغ 179 طنًا. وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر 1954-1970 بدأ الاقتراض الخارجى، لبناء الجيش الحديث عام 1956 ووصلت الديون الخارجية فى آخر عهده فى 28 سبتمبر 1970 إلى 1.7 مليار دولار. وفى عهد الرئيس السادات 1970-1981 بلغ الدين الخارجى 2.6 مليار دولار نتيجة للاقتراض لخوض حرب أكتوبر، ووصل إلى 22 مليار دولار قبل وفاته فى 6 أكتوبر 1981. وترك نظام الرئيس السابق حسنى مبارك الذى تولى حكم البلاد لمدة ثلاثين عامًا من 1981-2011 الاقتصاد المصرى منهكًا ومثقلًا بتركة ديون محلية وخارجية ثقيلة، ووصلت قبل ثورة يناير 2011 إلى نحو 36.5 مليار دولار. أما الدين العام المحلى فى عهد المجلس العسكرى 2011-2012، فقد تخطى 2 تريليون جنيه لأول مرة فى تاريخه، حيث تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم فى الحادى عشر من فبراير لعام 2011، وترك الحكم فى 30 يونية 2013، وبلغت ديون مصر فى نهاية حكمه تريليونًا و506 مليارات جنيه، بما يعنى أن ديون مصر زادت فى عهد المجلس العسكرى بنحو 332 مليار جنيه. وفى عهد حكم الإخوان محمد مرسى 2012-2013 تحديدًا فى 30 يونيه 2012 حتى 3 يوليو 2013، اقترض خلال عام واحد نحو 12 مليار دولار وقفزت معدلات الدين الخارجى لمصر نتيجة اعتماده على المساعدات المالية خاصة من قطر وتركيا لدعم احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية. وترك مرسى الحكم وديون مصر الداخلية والخارجية تريليونًا و887 مليار جنيه بزيادة 381 مليارًا. تولى عدلى منصور 2013-2014 منصب رئيس الجمهويرة بشكل مؤقت فى يوليو 2013 وترك الحكم 8 يونيو 2014، وبلغت ديون مصر الداخلية والخارجية فى نهاية حكمه 2 تريليون و276 مليار جنيه بزيادة 389 مليار جنيه، وتلقت مصر فى عهد منصور دعمًا ماليًا قويًا من دول الخليج ولكن تم إنفاقه على تحفيز الاقتصاد وعجز الموازنة العامة للدولة. وتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يونيه 2014 ليتحمل تركة ثقيلة من الديون الخارجية والداخلية تتزايد بمتواليات مخيفة نتيجة لأعباء كل منهم ونتيجة للوضع الاقتصادى المتردى فى عجز الموازنة الذى تجاوز 320 مليار جنيه خلال العام المالى 2015/2016 مقابل 311 مليار جنيه العام المالى السابق. لقد وصل حجم الدين الخارجى لمصر وفقًا لآخر بيانات البنك المركزى إلى 55.8 مليار دولار بنهاية يونيه من العام المالى 2015/2016 تعادل 500 مليار جنيه بسعر البنك المركزى البالغ 888 قرشًا للدولار، بينما يصل إلى 948 مليار جنيه بسعر السوق الموازى البالغ حاليًا 17 جنيهًا وتتجاوز قيمتها تريليون جنيه و4.4 مليار بسعر 18 جنيهًا للدولار، وهو ما يمثل أزمة، بل كارثة حقيقية على الموازنة العامة. كما بلغ حجم الديون المحلية 2.6 تريليون جنيه خلال نفس الفترة ليصل إجمالى الدين العام المحلى والخارجى المستحق على مصر حاليًا ما يتراوح بين 3.1 تريليون إلى 3.5 تريليون جنيه بسعر السوق، هذا ما أصبحنا عليه الآن لتصبح خزانة مصر غارقة تتطلب الإنقاذ، وهو ما يعمل الرئيس السيسى وحكومته على إنقاذه فى الوقت الراهن من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى الجارى تنفيذه رغم قسوته على المصريين.