تشكو الحكومة مر الشكوى من ارتفاع فاتورة الدعم، وتعتبرها حجرا ثقيلا يشد ميزانية الدولة إلى أسفل سافلين .. ويوما بعد آخر يتطوع الخبراء بطرح حلول عديدة لهذه الأزمة ، فمنهم من يطالب بإلغاء الدعم تماما ، ومنهم من يدعو إلى تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي ، ومنهم من لا يزال يبحث عن طريق ثالث بين هذا وذاك ..ولكن.. ولكن الكل - الحكومة والخبراء – يتجاهلون واحدة من أخطر أوراق ملف الدعم .. يتجاهلونها رغم أنها تستنزف وحدها عشرات المليارات من الجنيهات، ورغم أن إلغاءها تماما لن تكون له أية آثار سلبية على إنتاج مصر وإنتاجيتها.. هذه الورقة هي سيارات الحكومة التي تستنزف وحدها أكثر من 4,2 مليار جنيه في العام المالي الحالي ما بين شراء سيارات جديدة واستهلاك وقود وصيانة وتراخيص. وسيارات الحكومة، حكاية عمرها يقارب قرنا من الزمان ، ففي أواخر عشرينيات القرن الماضي قررت الحكومة، ولأول مرة ، شراء عدد من السيارات وتخصيصها لكبار مسئولي الدولة، كنوع من مساعدتهم في أداء وظائفهم، ووقتها لم يكن في مصر وسيلة نقل وانتقال عامة سوى « الحنطور». وإلى جانب سيارات ركوب كبار المسئولين، اشترت الحكومة أيضا عدداً من المركبات لاستخدامها في نقل الناس والبضائع.. ومع مطلع الثلاثينيات كان الأسطول الحكومي من المركبات يضم 116 سيارة خاصة و762 عربة نقل و97 أتوبيسًا. وعندما سقطت الملكية في مصر بعد ثورة 1952، كان أسطول السيارات الحكومية يضم 1712 سيارة ، بما فيها سيارات الملك وسيارات حراسه وتشريفاته الملكية ، وأيضا سيارات أمراء و أميرات أسرة محمد على ، وكان للملك فاروق وحده عشرات السيارات ، منها خمس سيارات مرسيدس ، بخلاف سيارات الرولزرويس ، والكاديلاك ومنذ الخمسينيات وحتى الآن زادت أعداد سيارات الحكومة ، زيادة فلكية ، فوصل عددها حاليا إلى 122 ألفا و900 سيارة، وهو ما يعني أنها زادت أكثر من 7 آلاف مرة خلال 64 عاما ، أي أن متوسط زيادتها يبلغ 112 مرة كل عام! وكانت أعداد السيارات الحكومية قد بلغت ذروتها في عام 2011 مسجلة 141 ألفا و600 سيارة ، ولكنها انخفضت إلى 136 ألفا و900 سيارة عام 2012 ، وواصلت انخفاضها عام 2013 فوصلت 119 ألفا و800 سيارة ، ثم عاودت الارتفاع مرة أخري عام 2014 لتصل إلى 120 ألفا و900 سيارة ، وواصلت الارتفاع في العام الماضي لتصل إلى 122 ألفا و900 سيارة. 22 ألف سيارة للوزراء والكبراء الأسطول الحكومي الضخم من السيارات ليس كله شرا ، لأنه يضم سيارات النقل الحكومية والأتوبيسات العامة وسيارات الإسعاف وسيارات «تحت الطلب» التابعة للحكومة ، وأيضا سيارات القطاع العام، وسيارات المحافظات .. كما يضم أيضا السيارات المخصصة لركوب المسئولين .. والأخيرة هي ما سنتوقف عنده، لأنه يمثل مصدرا مروعا من مصادر «شفط» الدعم.. ستسأل : كيف يحدث ذلك ؟.. إليك الإجابة. من بين أسطول السيارات الحكومية البالغ عددها 122 ألفا و900 سيارة، هناك حوالي 22 ألف سيارة يستخدمها الوزراء والمسئولون في تنقلاتهم ، هذه السيارات – طبقا لموازنة الدولة لعام 2016- 2017 تستهلك وقودا في العام قيمته 159 مليون جنيه، بزيادة 20 مليون جنيه عن قيمة الوقود الذي استهلكته في ميزانية الدولة عام 2015- 2016 ، والذي بلغ 139 مليون جنيه فقط. وإذا كانت 22 ألف سيارة ركوب مخصصة لمسئولي مصر، ستستهلك وقودا ب 159 مليون جنيه في العام المالي الحالي ، فمعني ذلك أنها ستستهلك سنويا حوالي 65 مليون لتر بنزين، معظمها من بنزين 92 ونسبة قليلة جدا من بنزين 80، وحسب تقديرات الدكتور عبد الفتاح إسماعيل – مدير مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، فإن دعم هذه الكمية من الوقود يبلغ حوالي 100 مليون جنيه. ويضيف: لم يقتصر البذخ في تخصيص سيارات ركوب للوزراء والمسئولين ، فأغلب أصحاب المناصب العليا تخصص جهات عملهم سيارات يستخدمونها في تنقلاتهم ، وتخصص لهم أيضا سيارات أخري لكي تستخدمها أسر المسئولين في تنقلاتهم ومشاويرهم الخاصة. ولو انتهت تكاليف سيارات الوزراء عند ما تبتلعه من دعم الوقود، لكان الأمر هينًا، فالكارثة أن ذات السيارات تسحب أيضا من المال العام مئات الملايين من الجنيهات سنويا مقابل الترخيص والصيانة ..تسحب حوالي 30 مليون جنيه لتجديد الرخص سنويا، أما بند الصيانة فيبتلع 432 مليونا و500 ألف جنيه، مقسمة بين 197 مليونا و700 ألف جنيه لسيارات مسئولي الجهاز الإداري، و71 مليونا و800 ألف جنيه لسيارات مسئولي الإدارة المحلية، و163 مليون جنيه لسيارات مسئولي الهيئات الخدمية. وبحسبة بسيطة نكتشف أن سيارات المسئولين تكلف المال العام 621 مليونا و500 ألف جنيه. ولا تتوقف تكلفة سيارات الوزراء والمسئولين عند هذه الملايين ، فحسب اللواء حسن السيد عضو مجلس النواب، فإن تكلفة موكب كل وزير من الوزراء 150 ألف جنيه شهريا ما بين تكلفة سيارات وحراسة .. ويقول «موكب كل وزير يتكلف 150 ألف جنيه شهريا، وهو ما يعني أن موكب الوزير يتكلف 5 آلاف جنيه يوميا، هذا لو كان الوزير يعمل 30 يومًا في الشهر». ويعتبر «السيد» تكلفة مواكب الوزراء نوعا من العبث بالمال العام.. ويقول «أغلب وزراء مصر غير معروفين في الشارع المصري ، فلماذا يخصصون لهم مواكب تضم 4 سيارات وحراسات تتكلف ملايين الجنيهات سنويا؟». ويضيف «يكفي جدا أن تخصص حراسات لرئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية فقط، أما باقي الوزراء، فليس هناك داعٍ لأن يسيروا في مواكب ووسط حراسات ، رحمة بالناس وحفاظا على المال العام». 3٫6 مليار جنيه لشراء سيارات جديدة في الوقت الذي نري فيه وزراء الهند يستخدمون سيارات هندية الصنع في تنقلاتهم ، ونجد وزراء كوريا يذهبون لوزاراتهم بالدرّاجة ، يحرص وزراء مصر على شراء أحدث أنواع السيارات ويستوردونها من الخارج بالدولار لاستخدامها في تنقلاتهم. وفي الموازنة الحالية للدولة رصدت الحكومة 3 مليارات و259 مليون جنيه لشراء سيارات جديدة خلال العام الجاري، فيما كانت المبالغ المخصصة لشراء السيارات في ميزانية 2015- 2016 تبلغ 3 مليارات و55 مليون جنيه، أي أن الزيادة في بند شراء السيارات الحكومية في هذا العام وحده بلغت 104 ملايين جنيه. وربما كان المسئول المصري الوحيد الذي استخدم سيارة مصرية في تنقلاته هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يستخدم في تنقلاته سيارتين إحداهما من نوع كاديلاك والثانية من نوع نصر 1100 ، في حين أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يتنقل في سيارتين إحداهما كاديلاك والثانية مرسيدس بولمان 600 ، أما مبارك فكان يتنقل من خلال أسطول من السيارات من أنواع مرسيدس و BMW ، حتى الرئيس الإخواني محمد مرسي كان يتنقل في سيارات JEEP ومرسيدس و BMW، أما الرئيس عبد الفتاح السيسى فيتنقل بسيارتين إحداهما مرسيدس والثانية 7BMW . أما الوزراء فيفضلون استخدام سيارات مرسيدس بنز بينما تكون عربات الحراسة المرافقة في الغالب من تويوتا لاند كروزر أو جيب شيروكي وجراند شيروكي .. وعدد سيارات الوزراء وحراساتهم تضم أسطولا ضخما يضم ما يزيد علي 200 سيارة ، والسبب طبعًا أن مصر واحدة من أكثر الدول وزراء، فحسب الدكتور هاني الحفناوي خبير التنمية الإدارية والإدارة الاستراتيجية، فإن عدد وزراء الحكومة في إيطاليا 12 وزيرا فقط ، والولايات المتحدة الذي يعادل حجم اقتصادها 72 مرة حجم الاقتصاد المصري، ليس فيها إلا 14 وزيرا، وفي اليابان يتراوح عدد الوزراء بين 14 و17 وزيرا، وفي ألمانيا 15 وزيرا، وفي فرنسا 16 وزيرا وفي الصين 20 وزيرا وفي روسيا 22 وزيرا ، بينما في مصر 34 وزيرا، وهذا عدد غير طبيعي، فضلا عن وجود 800 هيئة حكومية، مما جعل لدينا جهازا حكوميا هائلا يصل إلى 7 ملايين موظف بينما مثيله في جميع دول العالم لا يتجاوز مليون موظف.