حولت سياسة الحكومة منطقة إمبابة من منطقة صناعية إلى بؤرة إرهاب وبطالة. كانت إمبابة قبل عقود من الزمان واحدة من أهم المناطق الصناعية فى الشرق الأوسط وأكثرها كثافة من الناحية السكانية, فالمنطقة التى يقطنها حالياً ما يقارب مليوناً و300 ألف نسمة, أى حوالى 110 آلاف نسمة لكل كيلو متر مربع يعانى سكانها ومنذ أكثر من ثلاثة عقود تقريباً من شبح البطالة بسبب سياسة الخصخصة التى تزعم تنفيذها رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد, حتى قُضِيَّ على كل أخضر ويابس من مصانع وشركات حكومية تم بيعها فى صفقات مشبوهة. ويأتى على رأس هذه الشركات مصنع المنتجات المعدنية، والذى كان أكثر المصانع تميزاً، ويقدم منتجات الصينى والخزف والأدوات الصحية» فى الشرق الأوسط، ويضم نحو خمسة آلاف عامل شردوا جميعهم، وتم منح مساحات كبيرة من المصنع للقطاع الخاص. سبق ذلك بيع «شركه النيل للكبريت»، والتى كان مصنعها يضم أكثر من أربعة آلاف عامل ويتخصص فى إنتاج مشتقات الكبريت والولاعات، وأصبحنا الآن بعد إغلاقه نستورد تلك المنتجات من الدول الآسيوية. أما الطامة الكبرى فتجلت فيما حدث لشركة الترسانة البحرية لتصنيع السفن، والتى كانت صرحاً صناعياً ضخماً يفخر به كل مصري. كما كانت إحدى إنجازات عصر محمد علي، فقد تم بيع كل المعدات على شكل خردة، فيما تم بيع حوالى ثلث الأرض الفضاء لبنك مصر، والذى ترددت أنباء حينذاك تؤكد دخول البنك كشريك غطائي، حيث اشترى باسم مستثمر لم يعرف اسمه حتى الآن. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل امتدت يد التجميد ل«مصنع النصر لتصنيع الأخشاب» والمعروف باسم «مصنع الكراسي»، وكان من أهم مصانع إنتاج الأثاث فى الشرق الأوسط، إلى أن جاء قرار بيعه فى منتصف التسعينات، وتشرد بسبب ذلك ثلاثة آلاف عامل؟ عبد المولى إسماعيل، واحد ضمن مجموعة كبيرة من سكان إمبابة، كوَّنت لجنة شعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة والتى تقع داخل نطاقها مجموعة الشركات والمصانع التى تم بيعها، يقول: « نقوم حالياً بالعديد من الإجراءات لاستعادة هذه الثروات الصناعية المنهوبة من الشعب وأهالى إمبابة خاصة، بعد حملة تشريد العمال من مصانعهم والتى قادها رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد ونتج عنها انتشار الإرهاب وما عُرف باسم جمهورية إمبابة والبلطجة والعنف، حيث تحولت المنطقة من قوة اقتصادية ضخمة فى الشرق الأوسط إلى بؤرة للعديد من المشاكل وقضايا العنف والبلطجة والمخدرات نتيجة البطالة. قال السيد السوهاجى عضو اللجنة العامة لحزب الوفد بالجيزة: «أقيم بمنطقة إمبابة منذ عام 1945 وتعلمت فى مدارسها.. وإمبابة كانت قلعة صناعية لا تقل أهمية عن المحلة الكبرى فى الغزل والنسيج وكفر الدوار بمحافظة البحيرة، حيث تم خصخصة مجموعة مصانع وطرد العمالة منها مصنع النصر للغزل والنسيج ومصنع النيل للكبريت ومصنع القاهرة للمنتجات المعدنية الخزف والصينى، ومصنع ولتكس لغزل ونسيج الصوف، ومصنع الترسانة البحرية لتصنيع السفن، ومصنع الكراسى.. واليوم تم تقسيم وبيع أجزاء من أراضى تلك المصانع لبعض رجال الأعمال، بالإضافة لتحويلها إلى مخازن للروبابكيا والكلاب الضالة. وأطالب شريف إسماعيل رئيس الوزراء بسرعة تشكيل لجنة لحصر أراضى تلك المصانع وإنشاء مصانع لتشغيل العمال لزيادة الدخل القومى وعودة مصر رائدة فى الصناعة. وقال هشام الجمال صاحب مصنع الخزف والصينى بمنطقة إمبابة إنه فى عام 2011 و2012 أثناء ثورة يناير توقف توزيع المنتجات وفى المخازن وداخل الشركة بسبب خوف التجار من السير فى شوارع العاصمة نظراً للانفلات الأمنى حينها.. والمواطنون كانوا يخشون الخروج من منازلهم فأخذت المنتج ووقفت أمام المدارس للتسويق.. والآن الأمن رجع لطبيعته بفضل الرئيس السيسى والأجهزة الأمنية. وأشار إلى أن الحكومة المصرية تقف وتدعم الاستيراد وتتخلى عن الصناعة المصرية مما أعطى أفضلية للمنتج المستورد بنسبة 40%.. لذلك المنتج المحلى المصرى أغلى من المستورد فدعم الاستيراد فوق مصلحة المنتج المصرى.. والقطاع العام سبب النكسة التى حدثت لمصر اقتصادياً، وكانت الشركات تعطى للعمال مرتبات آخر الشهر دون إنتاج.. واستلمت المصنع والعمال كانوا يوقعون حضوراً وينصرفون. المصنع أثناء خضوعه لإدارة القطاع العام كان فى غيابات الجب والانهيار.. وكان عبارة عن هيكل فقط ولا يوجد به سوى «فرن قديم» مبنى بالطوب الأحمر وصالح بنسبة 10% بالإضافة الى مكابس متهالكة تماماً. وأخذت مساحة 6 آلاف متر وقامت الحكومة بانتزاع مساحة وخصصتها شارع بالقوة الجبرية عرض 100 متر لإنشاء مترو مقابل إعطائنا رخصة لتشغيل المصنع، كما أخذت 400 متر ولم نأخذ تعويضاً حتى تاريخه.. واستلمت المصنع دون باب وطلبت من الحكومة ترخيص باب ولم توافق إلا بعد 3 سنوات، توجد بالمصنع معدات بالملايين منذ عامين وحتى الآن لم يتم تشغيلها بسبب عدم موافقة الحكومة على توصيل غاز. فقدمت على تصريح للحصول على وصلة منذ عامين. قال أسامة أحمد حسين: «كنت أعمل رئيس وردية عمال بشركة القاهرة للمنتجات المعدنية منذ عام 1954، وفى 15 يناير 1998 فوجئنا بتحويل الشركة من قطاع عام إلى قطاع خاص وقامت إدارة الشركة بعمل إحصائية لجميع العمالة وأجبرتنا على الخروج معاش مبكر، وطردنا خارج المصنع ولم يحصل العمال على مستحقاتهم المالية». وقال جمال مرسى فرغلى: «كنت أعمل «فني» بمصنع القاهرة للمنتجات المعدنية بمنطقة إمبابة وفوجئت بإدارة الشركة تنقلنى أنا و160 عاملاً إلى فرع الشركة بمنطقة شبرا الخيمة: وفى عام 2010 فوجئنا ببيع فرع المصنع بشبرا لأحد رجال الأعمال وقام بطردنا وإغلاق المصنع بالجنازير حتى أصبح خرابة تسكنه الكلاب الضالة والفئران.. وحتى تاريخه لم نتقاضَ مستحقاتنا المالية». عادل سيد إسماعيل من ميدان الترول بمنطقة إمبابة يعول أسرة مكونة من 6 أفراد معظمهم فى المراحل التعليمية يعمل بائع خضراوات متجول لتوفير لقمة العيش لأولاده قال: «نحن نعيش فى حالة من التعاسة فى ظل ارتفاع الأسعار المستمرة وتدنى قيمة الجنيه.. فاليوم أعمل فى محل حلويات وأتقاضى راتب 20 جنيهاً يومياً وقامت الحكومة بخصخصة شركة القاهرة للمنتجات المعدنية وباعتها لرجل أعمال، حيث كنت أعمل فرد أمن مكلفاً بحراسة الشركة.. واليوم مشرد فى الشوارع».