أكتب هذا المقال وقلبى ينفطر من بين ضلوعى فلم أشعر من قبل بهذا الحزن الذى خيم على حياتى كلها فى هذه الأيام السوداء حتى عند فقدان الأحبة ورحيلهم فإننى أكاد لا أتمالك حمل القلم فهو يرتعش بين أصابعى وكأنه هو الآخر يعلن حداده وتوقفه ولكننى وجدت أن واجبى ومسئوليتى ككاتبة تجاه الله والوطن والقراء ألا أهرب من الميدان وبلدى يحترق وأكتفى بالبكاء والنحيب كما يفعل معظم الشعب المصرى الآن، الكل غاضب والكل حزين والملايين التى خرجت إلى الشوارع فرحة تهلل وتكبر يوم سقوط مبارك تتساءل اليوم ماذا حدث لثورتها الطاهرة العظيمة التى أبهرت العالم كله وألهمت شعوب العالم ؟ ولماذا انحرفت عن مسارها السلمى ؟ ومن الذى ركبها وحول مسارها ؟ ومن الذى أتى بكل هؤلاء البلطجية ليشوهوها بهذه الصورة المخزية التى رآها العالم كله من خلال التلفاز؟ ولماذا فى هذا التوقيت بالذات؟ وبعد نجاح المرحلة الثانية من الانتخابات والتى أكدت حصول التيار الإسلام السياسى على نسبة عالية من المقاعد النيابية والتى لم تعجب بالطبع أمريكا وإسرائيل ولا التيار العلمانى والليبرالى فى مصر ! هذه القوى الخارجية والداخلية لديها مصالحها الخاصة وفكرها المختلف تماما عن التيار الإسلامى وتتمنى فى قرارة نفسها أن تقصيهم أو تعزلهم ويعودوا مرة أخرى يعمروا سجون المحروسة وشاهدوا فضائياتهم واقرأوا صحفهم لتتأكدوا من صدق كلامى ! توقيت خبيث وفوضى منظمة وتخريب ممنهج أرادوا به توجيه ضربة قاسمة لكيان الدولة ذاتها وضياع هيبتها ، إنها مؤامرة بكل المقاييس اشتركت فيها أجهزة استخبارات أمريكية وصهيونية وعربية تقاطعت مصالحها على افشال الثورة وإن اختلفت أسبابها ، فأمريكا وإسرائيل اللتان فاجأتهما الثورة وضياع كنزهما الاستراتيجى المتمثل فى مبارك تخشى مما هو قادم من نظام لم تركبه بمعرفتها ولم تربه على يديها وفى أجهزة استخباراتها كما اعتادت مع دول العالم الثالث، وإسرائيل تشعر بذعر وفزع على كيانها ذاته، أما الدول الخليجية فهى أيضا تخشى زوالها كأنظمة ملكية وراثية إذا اجتاحت رياح هذه الثورة بلادها ، الكل تكالب على هذه الثورة الوليدة وإن كانوا قد نافقوها وحاولوا شراءها شأنهم شأن بعض رجال الأعمال الذين استفادوا من العهد السابق ويريدون بكل ما أوتوا من قوة ومال أن يجهضوا الثورة ويعوقوا المجلس الأعلى والحكومة من تحقيق أهدافها ، إنها مؤامرة كاملة الأركان والأبعاد ومن يرى غير ذلك فعليه أن يعيد قراءة الأحداث فى سياق ما يجرى حولنا فى المنطقة بشكل أكثر عمقاً، لماذا أذاعوا عن حرق المجمع العلمى فى إحدى الفضائيات المملوكة لرجل أعمال نزل بالبارشوت على الإعلام فجأة بعد الثورة، قبل أن يكون قد احترق بالفعل هل كان هذا البيان بمثابة أمر عمليات ببدء التنفيذ؟! ولماذا هذا المبنى العريق الذى عمره أكبر من عمر الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها ولماذا لم تحترق الجامعة الأمريكية المجاورة له ؟! هذا المبنى الذى فيه أمهات الكتب وكنوز لن تعوض ومن مكتباته جئنا بخرائط تثبت أحقيتنا بطابا وكان به أيضا خرائط ومستندات بأحقيتنا فى حصة مياه النيل فى نزاعنا مع دول حوض النيل ونحن نعلم أن جنوب السودان اعترف بإسرائيل وأقام سفارته فى القدس وقد كان رئيسها منذ أيام فى زيارة لإسرائيل ! تتذكرون أن بعد الغزو الأمريكى للعراق مباشرة تم سرقة المتحف والمخطوطات النادرة مما أعاد إلى الأذهان مشهد رمى المخطوطات الثمينة فى نهر الفرات إبان غزو التتار وها هو ذات المشهد يتكرر فى مصر ويحترق جزء من ذاكرة الوطن ولكن ليس من خلال غزو أجنبى بل بأيدى أبنائها الطائشين العاقين!!