أسقط مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول حوض البحر المتوسط، ورقة التوت الأخيرة التى وارت سوأته فى الدورات الثلاث الأخيرة، ليكشف حالة من العبث، والاستهانة بما يعكسه هذا المهرجان من صورة مصر وهويتها الحضارية. الأزمات التى ضربت الدورة الأخيرة من المهرجان، تجاوزت عشوائية حفل الافتتاح لتنال من صلب العمل السينمائى، والتوجه الثقافى لمهرجان غاب عنه الجمهور، فاتخذ رئيسه قراراً بمنع دخول محبى السينما إلا بكارنيهات المهرجان، حتى حاملى الكارنيهات الذين فكروا فى حضور العروض، اكتشفوا عدم وصول نسخ بعض الأفلام، أو تأجيل البعض لأسباب مبهمة، أو إلغاء عروض أخرى، لهذا كان غياب الجمهور ضرورياً لتمرير الدورة الأسوأ فى تاريخ المهرجانات السينمائية المصرية. العشوائية والفوضى امتدت حتى إلى حفل الختام، الذى ضرب الرقم القياسى فى التأخر عن موعده لنحو ساعتين، ليبدأ فى العاشرة إلا ثمانى دقائق، ويستغرق ساعتين من «التهريج»، فى الوقت الذى حشدت فيه إدارة المهرجان ضيوفه منذ السابعة مساءً لنقلهم إلى مكتبة الإسكندرية مقر حفل ختام الدورة ال32، وهذه الممارسات وغيرها من التجاوزات المهنية، تعرى إدارته وتجردها من شرعية تنظيم هذا الحدث الثقافى الكبير. والمؤسف ما أكدته مصادر من داخل إدارة المهرجان، بأن سبب مضاعفة وقت تأخير حفل الختام، يرجع إلى انشغال محافظ الإسكندرية، ورئيس المهرجان، بحضور الاحتفال باليوم الوطنى السعودى، الذى أقامته القنصلية السعودية بالإسكندرية، فى نفس توقيت انعقاد حفل ختام المهرجان، وإذا كان المحافظ مجبراً على حضور مثل هذه المناسبة بحكم منصبه السياسى، فلا نجد مبرراً يدفع رئيس المهرجان المتوسطى، للاستهانة بضيوف مصر من أجل الحصول على درع سعودى، لدرجة دفعت الفنان السورى الكبير دريد لحام، للتهكم على ممارسات إدارة المهرجان، على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام العربية والعالمية، بعد دعوته للإعلان عن إحدى جوائز مسابقات الدورة، ولكن الأمر بدا طبيعياً بعد إقحام رئيس المهرجان الأمير أباطة، لتكريم شخصه من قبل نقابة السينمائيين، والبحث عن مدير التصوير سامح سليم لتسليمه درع النقابة، رغم أنه لم يحضر إلى المهرجان، مما اضطر مقدمة الحفل لإنقاذ الموقف، ودعوة نقيب السينمائيين مسعد فودة لتسليمه الدرع. البحث عن الجوائز ودروع التكريم كان شعار حفل الختام، مع تأخر وصول الجوائز وانتظار أصحابها طويلاً على خشبة المسرح، وسط تهكم واضح من «بشرى» مقدمة الحفل، مع عشوائية وسوء التنظيم، الذى جعل المهرجان يعتمد على «سد الخانة» حتى فى تكريم السينمائيين، فرغم وجود اسم الدكتور سمير فرج، مدير التصوير السينمائى على قائمة المكرمين، إلا أنه لم يكرم فى الافتتاح أو الختام، ولم تشغل إدارة المهرجان بالها بتقديم اعتذار عن عدم حضوره أو حتى الإشارة لسحب التكريم، الأمر نفسه تكرر مع المخرج السورى عبداللطيف عبدالحميد، والمخرج المغربى حكيم بالعباس، والمخرج الجزائرى مرزاق علواش، وكأن إدارة المهرجان تضع الأسماء عشوائياً، وتكرم من يسمح له وقته بالحضور، وتتجاهل الغائب عن «فرح العمدة»، المسمى مجازاً مهرجان. انسحاب رئيس لجنة التحكيم الدولية المخرج الأفغانى عتيق رحيمى، مؤشر على سوء التنظيم فى الدورة الأخيرة، ورغم مغادرته المهرجان فى اليوم الثانى، إلا أن هناك تعتيماً حاولت إدارة المهرجان فرضه، ولكنه لم يفلح مع الفنان الكبير عزت العلايلى، الذى انسحب فى اليوم الرابع للمهرجان، خاصة أنه ذهب إلى ندوة أقيمت له فى مركز الإبداع، فلم يجد جمهوراً أكثر من 5 أفراد، من المرجح أنهم كانوا من منظمى المهرجان حضروا ك«سد خانة»، فانسحب من الندوة احتراماً لتاريخه المشرف، الأمر الذى حاولت إدارة المهرجان تداركه بتأجيل الندوة وعقدها فى مقر المهرجان، ولكنها فشلت فى تنظيمها فى مساء نفس اليوم، وبعد أن أجلتها لظهر اليوم التالى غادر «العلايلى» المهرجان فى هدوء، وأعلنت الإدارة سفره الطارئ نظراً لظروف عائلية، إضافة لإقامة ندوة تكريم سرية للفنانة «بوسى»، لم تدرج ضمن برامج المهرجان، ولم يحضرها أحد أيضاً لعدم الإعلان عنها مسبقاً، وكأنهم استغلوا وجود «بوسى» للمتاجرة بها إعلامياً، فى تكريم أجوف لم تسمح عشوائيتهم بمنحها ما تستحقه من تقدير، إضافة لتكريمات لكل من شارك فى المهرجان تقريباً من الوجوه السينمائية المعروفة، مثال سولاف فواخرجى، عضو لجنة تحكيم مسابقة نور الشريف، التى حصلت على درع المهرجان فى ندوة عقدت لتكريمها خلال أيام المهرجان، وامتدت مجاملات الوفد السورى فى الدورة ال32 إلى الدفع بالمخرج باسل الخطيب لعضوية لجنة التحكيم، إلى جانب الفنانة السورية ميسون أبوأسعد، وكلاهما يشاركان بفيلم «سوريون» فى الدورة نفسها، والذى حصل عنه «الخطيب» على جائزة الإخراج، لتضرب إدارة المهرجان بأبسط قواعد المهرجانات عرض الحائط، مع مشاركة فيلم لعضو لجنة تحكيم فى نفس المهرجان، ولو كان فى مسابقة مختلفة عن التى يحكم فيها، ولم تغفل المجاملات استدعاء المخرج خالد الزدجالى، رئيس مهرجان مسقط السينمائى، ليشارك للمرة الرابعة على التوالى كعضو لجان تحكيم المهرجان، ولكن الدورة الأخيرة دفعت به لرئاسة لجنة تحكيم الفيلم الوثائقى، فى واقعة لم تتكرر حتى فى مهرجانات «بير السلم». وبغض النظر عن مدى قوة أو ضعف المشاركة المصرية، التى تمثلت فى مشاركة فيلمى «روج»، و«منطقة محظورة»، وحصول المخرج الشاب جون إكرام على جائزة مؤسس المهرجان الناقد كمال الملاخ، فصناع الأفلام لم يجبروا المهرجان على إشراك أفلامهم، ولكن هناك لجان مشاهدة واختيار للأفلام، وإدارة فنية تفرز ما يعرض عليها، والموافقة على مشاركة الفيلمين فى المسابقة المتوسطية والعربية، ليست مسئولية مخرج أو منتج أي منهما، ولكنها مسئولية شخص واحد اخترق الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، واختياراته تعبر عن مدى ثقافته، مع كامل الاحترام لإبداع صناع الأفلام، التى قد تحقق الهدف منها فى دور العرض السينمائى، ولكن تمثيل مصر سينمائياً أمام دول العالم هو أمر آخر، وها هو فيلم «روج» حصل على جائزة الإخراج، ويبدو أن الجائزة كانت مضمونة بالنسبة لمنتج الفيلم، أو أنه حصل عليها من «الكنترول»، بعد أن أعلن عن فوزه صباح آخر أيام المهرجان، وقبل إعلانها رسمياً بنحو 12 ساعة، مما يضع علامة استفهام جديدة أمام نتائج مسابقات المهرجان.