الوجبة المدرسية فى مصر ليست ترفًا أو رفاهية من «وسع»، بل ضرورة لحل مشاكل التسرب من التعليم وعلاج سوء التغذية ومساعدة الأسر الفقيرة. ولذلك رصدت لها الدولة من ميزانيتها ملايين الجنيهات بلغت خلال العام الدراسى الماضى، 791 مليوناً و511 ألف جنيه، لكن ما شهدته الأعوام الماضية من سقوط لعشرات التلاميذ من تسمم بسبب الوجبة المدرسية أو وجود أمواس حلاقة وبنزين وكيروسين فى بعض مدارس محافظة الإسماعيلية فى 2015.. الحالات عديدة ومتنقلة لكافة محافظات مصر حولت الوجبة المدرسية التى كانت حلماً لملايين من التلاميذ إلى كابوس، وقد تتحول إلى أداة قتل يذهب ضحيتها العشرات كل عام دراسى فى غياب شبه تام للرقابة الصحية والتعليمية على رافد من أهم الروافد الأساسية لبناء جيل سليم البنية.. ومسئولية لا تزال تائهة ما بين 4 جهات مسئولة من سلامة الوجبة، وهى وزارات التربية والتعليم والصحة والتموين والزراعة. ومع قرب بدء العام الدراسى الجديد ومخاوف تكرار «ماراثون» التسمم وحالة الذعر والقلق التى بدأت تنتاب التلاميذ وأولياء الأمور.. ولأن الوجبة المدرسية هى بالفعل أحد الأشكال الرئيسية لبرامج مكافحة الفقر مع ارتفاع معدلات التضخم وتضاعف أسعار الغذاء.. تأتى أهمية السطور التالية!! فى الأربعينات من القرن الماضى بدأ البرنامج القومى للتغذية المدرسية والذى توقف وأعيد إحياؤه عام 1997 لتغذية أطفال المدارس الابتدائية وبعض المدارس الثانوية خصوصاً فى المناطق الأشد فقراً، ولكنه حتى الآن لم يعط كل تلاميذ المدارس.. إما لنقص التمويل الحكومى أو ما شابه من فساد، أو لمشاكل عديدة قابلت ولا تزال الوجبة ذاتها تبدأ بعدم جودتها وتصل إلى عدم وصولها لعدد من المدارس أو عدم وجودها بشكل منتظم، إضافة إلى تكرار حدوث حالات تسمم للتلاميذ بسبب تناول الوجبات المدرسية.. وهو ما دفع وزير التربية والتعليم السابق محمود أبوالنصر إلى إلغاء وجبة اللبن وقصرها على الوجبات الجافة مثل البسكويت والفطيرة. والوجبات المدرسية 4 أنواع، وهى البسكويت وتقدم لتلاميذ رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية وطلبة الإعدادية أصحاب اليوم الكامل وتعليم الفتيات بالفصل الواحد وهناك الوجبة الجافة وتقدم للثانوية والإعدادى الرياضى والتربية الخاصة ومدارس الثانوى العام، وكذلك وجبة مطهوة وتقدم للمدارس الفكرية والداخلية وبعض مدارس المتفوقين. ثم الوجبة الرابعة، وهى فطيرة محشوة بالعجوة تنتج بمقتضى بروتوكول تعاون بين وزارتى التربية والتعليم والزراعة، وبدايتها كانت بمحافظة الفيوم عام 97/98 وأصبحت تغطى 15 محافظة بقيمة حوالى 140 مليون جنيه حتى العام قبل الماضى تغطى محافظات تتعدى فيها نسب الإصابة بالأنيميا والتقزم والكساد ل20٪.. ولذلك فالمواصفات القياسية للوجبات المدرسية وإعدادها من المفترض أن يتم بمواصفات مدروسة علمياً وفقاً لاحتياجات التلاميذ والطلاب فى كل شريحة عمرية على اعتبار أنها وجبة علاجية فى المقام الأول للعلاج من الأنيميا بنسبة تتعدى ال30٪ بين تلاميذ مصر.. ولذلك منهما مكملة لاحتياجاتهم، فنجدها مثلاً فى الوادى الجديد يضاف إليها ملح اليود لعلاج تضخم القوة الدرقية المنتشر هناك.. ولذلك كان يشارك فى وضع مواصفات الوجبات معهد التغذية وخبراء التغذية والمعامل المركزية بوزارة الصحة وأساتذة طب الأطفال ومراقبة الأغذية وفيما مضى كان هناك دور لمصلحة الرقابة الصناعية. الفوائد عديدة والوجبة المدرسية فى مصر ضرورية لتمنع التسرب من التعليم لارتفاع نسب الحضور أيام توزيعها لأكثر من 90٪ وترفع عن كاهل الأسرة عبء توفير الغذاء الصحى وحل مشاكل سوء التغذية للدرجة التى تجعل أبناء الأسر الفقيرة والمعدمة عند حملهما من المدرسة للمنزل لمشاركة أشقائهم فى تناولها ممن لا يذهبون للمدرسة، خصوصاً مع تزايد معدلات التقزم لدى الأطفال أقل من 5 سنوات لنقص التغذية. ورصد تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار حول تكلفة الجوع فى الآثار الاجتماعية والاقتصادية لنقص الغذاء للأطفال فى مصر والتى سترتفع بنسبة 32٪ بما يعنى وصولها ل5٫9 مليار جنيه حتى عام 2025 بعدما كانت 4٫5 مليار جنيه والذى بحسب التقرير ستقدر التكاليف الصحية لنقص التغذية عند الأطفال بنحو 1٫2 مليار جنيه، وهى تمثل تكاليف علاج الأمراض جراء الجوع أو نقص التغذية وما تسببه فى وفاة 11٪ من الأطفال، مما يوضح أن خفض نسب نقص التغذية يساعد فى تقليل الأعباء الملقاة على عاتق القطاع العام ويقلل من تكاليف تتحملها الأسر.. هذا الخفض وبحسب تقرير مركز المعلومات يولد مدخرات سنوية بمقدار 722 مليون جنيه بحلول 2025. كذلك خفض معدل التقزم إلى 10٪ والوزن إلى 5٪ وهو ما سيولد مدخرات سنوية تقدر بحوالى 7 - 9 مليارات جنيه كنتائج طبيعية ومنطقية، خصوصاً فيما يتعلق بالمنافع الاقتصادية من انخفاض لعدد الوفيات ومعدلات التسرب وزيادة الإنتاجية وجميعها أمور وأسباب وتداعيات تستدعى أهمية اعتبار قضية نقص التغذية وسوء التغذية قضايا أمن قومى إذا ما حافظنا على بنيان الأجيال القادمة، ومن هنا تتجسد أهمية الوجبة المدرسية فى بناء جيل سليم البنيان، ولكن شريطة ألا تكون الوجبة المدرسية مسمومة أو حتى غير مطابقة للمواصفات أو تضع وتورد من قبل منتجين «بير السلم» وحتى لا نجد مسئولى التربية والتعليم بعد كل حالة تسمم جماعى لتلاميذ يرجعونها إلى الإيحاء النفسى أو مزاعم مؤامرة إخوانية! مهزلة ولكن الدكتور محمود عمرو، أستاذ طب الصناعات، مؤسس مركز السموم، الذى رغم وصفه لحالات التسمم المتكررة بالمهزلة والتى تستوجب تحديد المسئولية والحساب الحاد وبالقانون إلا أنه يرى ضرورة فى استمرار الوجبات المدرسية لاحتياج أطفال مصر إلى التغذية الجيدة والعلاجية مع تدنى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمعظم الأسر المصرية ولكن مع وجود رقابة ومراقبة أمنية على تلك الوجبات لضمان سلامتها.. طالما أن مسئولية تصنيعها مشتركة ومتعددة ومع تتوه المحاسبة! ويبقى تعليق حقاً.. اللى اختشوا ماتوا.. فوزارة التربية والتعليم لم يكفها ما شهدته وقد يتكرر فى المدارس وحالات تسمم للتلاميذ ب«وجبات مدرسية» فى صنع يد الوزارة لتسمح بتسمم التلاميذ أيضاً من مأكولات ومشروبات يمتلئ بها «الكانتين» فى المدرسة.. وقد ما حدث فى مدارس أبوالمطامير والغربية والفيوم العام الدراسى الماضى.