ما وصل إليه الحال فى ماسبيرو من فشل وترهل، أمر طبيعى للغاية فى ظل سياسات عقيمة وسوء إدارة، أدى إلى إهدار المال العام بقصد أو بدون قصد.. فى هذا التقرير نستعرض حالتين تمثلان نموذجاً حياً لإهدار المال العام، وهذا أمر مستمر منذ سنوات. ربما لا يعلم الكثيرون أن تكلفة بث القنوات الإقليمية على القمر الصناعى المصرى نايل سات تبلغ 3 ملايين دولار سنوياً يدفعها اتحاد الإذاعة والتليفزيون كل قناة يتكلف بثها 500 ألف دولار، بما يعنى أن التكلفة بالجنيه المصرى تبلغ 30 مليون جنيه طبقاً لسعر الدولار فى السوق المصرية، وما الفائدة من بث القنوات التعليمية على نايل سات وهى قنوات موجهة فقط للأقاليم، بما يعنى أن قناة القاهرة موجهة لمحافظات ومدن القاهرة الكبرى، والقناة الرابعة موجهة لمدن القناة الإسماعيلية والسويس وبورسعيد. وقناة الإسكندرية موجهة لمحافظة الإسكندرية والبحيرة وقناة الدلتا موجهة لمحافظات الغربية والمنصورة وكفر الشيخ ودمياط، أما القناتان السابعة والثامنة فموجهتان لمحافظات الصعيد، بما يعنى أن وجودها على النايل سات يمثل إهدارا صارخا للمال العام، ومن الناحية الواقعية هل يفكر مشاهد فى أمريكا أو أوروبا أو دبى فى مشاهدة قناة الدلتا؟، هذا أمر شبه مستحيل حتى مشاهدة القنوات الإقليمية داخل مصر محدود للغاية فى عصر تعدد الفضائيات الخاصة. منذ أعوام قليلة وعد المسئولون فى القنوات الإقليمية بالتطوير فى حالة البث على النايل سات ولكن لم يحدث تطوير واستمر هذا الوضع الغريب ومحدش واخد باله. ساعات الإرسال الإذاعى لا يعلم أحد بالضبط عددها فى مصر يومياً فى ظل تعدد الإذاعات التابعة للدولة، وهى إذاعات البرنامج العام، والشرق الأوسط وصوت العرب والشباب والرياضة. والقرآن الكريم وإذاعة الأغانى والبرنامج الثقافى بإذاعاته المختلفة، بالإضافة للإذاعات الإقليمية، وشبكة الإذاعات الموجهة، وعددها كبير للغاية. فإذاعات البرنامج العام والشرق الأوسط وصوت العرب والشباب والرياضة والقرآن الكريم والأغانى تبث 24 ساعة يومياً، وتتفاوت عدد ساعات الإرسال فى كل إذاعة من الإذاعات الأخرى بما يعنى بحسبة بسيطة أن عدد ساعات الإرسال الإذاعى تتعدى 600 ساعة إرسال يومياً، وبالتالى فهى تكلف الدولة ملايين الجنيهات بعضها إذاعات تستحق أن تبث 24 ساعة يومياً على رأسها شبكة القرآن الكريم وإذاعة البرنامج العام التى تمثل صوت مصر وإذاعة الأغانى لاعتبارات ترفيهية وإذاعة صوت العرب، أما بقية الإذاعات فهي لا تستحق 24 ساعة يومياً. على سبيل المثال شبكة الإذاعات الموجهة التى أنشئت عام 1953 لاعتبارات سياسية فى تلك الفترة، تبث حالياً للعديد من المناطق فى أفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية والوسطى ومن الممكن أن تكون هناك فائدة من البث فى أفريقيا، ولكن ما الفائدة لبث ساعات إرسال إذاعى فى البرازيل وكوستاريكا وجواتيمالا والدومينيكان؟. للأسف لم يستطع أى مسئول الاقتراب من هذا الموضوع، إلا الدكتور ممدوح البلتاجى وزير الإعلام الراحل فى عام 2004 حاول تحريك المياه الراكدة بإعادة النظر فى هذه الإذاعات، ولكن لم تنجح محاولاته. كما أن أكثر من رئيس إذاعة سابق، أكدوا أن تقليل ساعات إرسال الإذاعات الموجهة ليس من سلطتهم، والدولة هى المسئولة عن ذلك، وما زال المال يهدر على إذاعات فى الهواء بعضها عديم الفائدة. رغم أننا فى الأصل دولة نامية، ولا يصح فى دولة تعانى أن تتوسع الإذاعات لهذا الحد، ساعات الإرسال الإذاعى مكلفة للغاية، ونتساءل: هل من الأهمية أن تبث إذاعة الشباب والرياضة 24 ساعة يومياً؟. وعلى ما يبدو أننا من عشاق إهدار المال العام، وكان من الطبيعى أن تصل الرسالة الإعلامية لأدنى مستوى فى ظل عقول متحجرة لا تحرك ساكناً تهدر الملايين، ولا تفعل شيئًا سوى كوارث إعلامية شبه يومية.