كان الله في عون المجلس العسكري، وكان الله في عون الحكومة وكافة المسئولين، وكان الله في عون شباب الثورة، وأخيرا كان الله في عون مصر وشعب مصر. كان الله في عون المجلس العسكري، لأنه وجد نفسه في هذا الخضم الهائل من المشاكل والمسئوليات، التي احتار في أمرها وتخبط في حلها. لقد كيلت العديد من الاتهامات لهذا المجلس طوال العشرة أشهر الماضية. ففي بادئ الأمر، قيل إن المجلس العسكري متواطئ مع الإخوان المسلمين، ثم قيل إن هناك تحالفا بينه وبين الليبراليين، علي أثره أصر المجلس أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية، ثم قيل عنه إنه من أنصار عهد حسني مبارك وأنه يناصر فلول الحزب الوطني، ثم قيل إنه أصبح ضد التيار الديني بصفة عامة وأنه يسعي لوضع الدستور المدني للدولة. هذا المجلس مغلوب علي أمره، لأنه وجد نفسه مسئولا عن مصر في هذه المرحلة الخطيرة، فهو الذي حمي وبحق الشعب المصري ووقف إلي جانبه عند قيام ثورة 25 يناير ولم يقبل علي نفسه أن يهادن أو يناصر العهد البغيض. ورغم ذلك كيلت له كل هذه الاتهامات واللكمات. كان الله في عونه وألهمه حسن الاختيار وصواب التدبير، حتي يعبر بنا هذه المرحلة إلي بر الأمان. أما عن الحكومة وكافة المسئولين المعاونين لها، فكان الله في عونهم أيضا. لأنهم تسلموا بلدا شبه مفلس، تم امتصاص دمه ونهش لحمه طوال الستين عاما الماضية. ومع الأسف الشديد. ورغم حالة بلدنا المؤسفة والمزرية، فإن أبناء بلدنا لا يريدون الرحمة به، بل كل يوم يكيلون له الضربات واللكمات في صورة مظاهرات واحتجاجات واعتصامات، بعضها للمطالبة بحقوقهم والبعض الآخر للمطالبة بتطبيق أفكارهم السياسية، وفضلا عن ذلك كله هناك أيضا روائح كريهة تنبعث من المصادمات الطائفية التي وقعت والتي يحتمل أن تزداد في المستقبل القريب، هذا بطبيعة الحال بالإضافة إلي الاضطرابات السياسية المتناثرة واحتمال المصادمات بين التيارات السياسية المختلفة. بصراحة.... أنا أعتبر كل الذين قبلوا العمل في هذه الفترة، سواء بالحكومة أو بأي مركز قيادي، هم من الفدائيين، الذين ربما يضحوا بسمعتهم وتاريخهم في سبيل إنقاذ بلدنا العظيم. كان الله في عونهم جميعا ووفقهم لما فيه الخير لشعبنا وبلدنا. أما عن شباب الثورة، فكان الله في عونهم، فهم الذين ضحوا بمئات الشهداء وآلاف المصابين من بينهم، ومازالوا حتي يومنا هذا يقدمون أرواحهم وأجسادهم قربانا لمصر وشعب مصر، دفاعا عن حريته وكرامته ومستقبل أبنائه. شباب الثورة الذي ضحي ويضحي بكل شىء وجد مجهوده في سبيل الضياع. لقد سرقت ثورته وراح شهداؤه ومصابوه في طي النسيان، لقد انقض علي الثورة جماعات كانت في الظلام وفجأة قفزت إلي النور آملة في فرض سيطرتها علي البلاد. هذه الجماعات لم تشارك شباب مصر الأبرار الذين أخذوا علي كاهلهم مخاطر ثورة 25 يناير ولم يبذلوا فيها النفس ولا النفيس. ثورته كادت تضيع منه، وبدأت لصوص الثورة في نسج خيوطهم علي مصر، أملا في الاستئثار وفرض سطوتهم علي شعبها. شباب الثورة- ومع الأسف الشديد- لم يوفقه الحظ للمشاركة في إدارة بلاده إنما دخل صفحات التاريخ. أما عن شعب مصر، فكان الله في عونه لأنه هو ضحية ستين عاما ما فيه من القهر والظلم والاستبداد. لم ير هذا الشعب طوال العهود الثلاثة الماضية، سوي الحروب والمؤامرات والدسائس، التي جرت علي مصر الخراب والدمار والإفلاس. لقد ضاع عشرات الألوف من خيرة شباب مصر، الذين راحوا في المعارك العسكرية وضاعت معهم كل أموال وكنوز بلدنا. لقد اضطرت مصر في هذه العهود إلي أن تمد يدها لكل من الصديق بل وللعدو أيضا، حتي تستطيع أن تسد جوع أبناء هذا الشعب وتطفئ ظمأه الذي جف معه حلقه. مسكين شعب مصر الذي لم يذق طيب الحرية ولم يستنشق عبير الديمقراطية طوال الستين عاما الماضية. لقد تعرض هذا الشعب لضغوط هائلة أدت إلي تكالبه علي قوت يومه وعشاء غده ونسي الانتماء لمصرنا العزيزة وراح يمجد لسلطانه، أملا في أن يجد لقمة العيش. لقد قامت ثورة 25 يناير من أجل إنقاذ هذا الشعب. ولكن مع الأسف الشديد، هناك من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلي الوراء وأن يعود مرة أخري إلي نظام القهر والظلم والاستبداد، كان الله في عوننا جميعا ووفقنا لما فيه الخير لبلدنا وأبناء شعبنا.