كان هذا هو النداء الأثير الذي ارتفع في الميدان بعد خطاب التنحي الشهير..
إيد واحدة!
طب والإيد التانية راحت فين؟
كنا في المرحلة الابتدائية نقرأ خلف كراريس المدرسة عبارة:
"يد تبني ويد تحمل السلاح"
ولكن الميدان قال إنها "إيد واحدة".. وما دام الميدان قال فقد صدق! وعلى الشعب المصري كله أن يصدقه وإلا صار من فلول الوطني التي يجب اجتثاثها.
للأسف، بعد أن خرج الجميع من الميدان رأينا اليد الواحدة، لكنها اليد التي كانت تحمل السلاح..
سلاح الإعلام..
وسلاح الدين..
وسلاح المليونيات..
وسلاح الاعتصامات..
وسلاح القوة والسيطرة والغلبة..
هذا بالإضافة للأسلحة البيضاء، والسوداء، والقنابل المسيلة للدموع، والمسيلة لأحزان ومواجع مصر واستنزاف طاقاتها واقتصادها..
رأينا شتى أنواع الأسلحة في هذه اليد..
لكن أبدا لم نرَ اليد التي تبني!
لم يبنِ أحد من هؤلاء حجرا واحدا في جدار مصر المتهدم..
خرجوا من ميدان التحرير وهم يتسابقون على الفُتات، ولقاء الجنرالات، والظهور في القنوات الفضائية، وإظهار الغلبة والقوة.. هكذا فعل الليبراليون والعلمانيون ودعاة الحرية وفئات من شباب الثورة، في حين وقف الإخوان والسلفيون ينظمون الصفوف.. ويعيدون ترتيب الأوراق.. ويستعدون لأول انتخابات ستشهدها مصر ليعلنوا عن سيطرتهم على مقاليد الحكم..
ترك الإخوان ساحة الفضائيات لدعاة الحرية، ومكثوا في ساحتهم يدبرون ويخططون، وينسجون خيوطهم حول المجلس العسكري، حتى إذا جاء الوقت المعلوم نزلوا الميدان ليعلنوا عن قوتهم، وأن لهم الغلبة وأنهم الوحيدون القادرون على حشد الجماهير.. غير أنهم لن يفعلوا إذا حصلوا على ما يريدون!
استغلوا غباء وتشدد بعض جماعات تنتمي للتيار السلفي، واستغلوا غطرسة وغرور بعض اليبراليين والعلمانيين والتيارات الثورية الأخرى، تركوهم يعبثون ويتحاورون حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا.. أم أنابيب البوتاجاز أولا..
تركوهم للشعب يكرههم ويلعن اليوم الذي أطلوا عليهم فيه من فضائيات الجهل والتعصب التي لم تحترم جموع الشعب وتعاملت معهم على أنهم :حزب الكنبة".. ومجانين العباسية.
واليوم نقول إن المجلس العسكري كان ضد الثورة، وأن قرارات جنرالاته جاءت متخبطة وعشوائية، وأنهم رتبوا قواعد اللعبة مع الإخوان، حتى بات بعض كبار مثقفي مصريقولون: دعكم من المجلس العسكري وتناقشوا مع الإخوان فإن القرار بأيديهم..
فلمَ اللوم على الجنرالات؟ أتلوم على رجل عسكري اعتاد ألا يغادر مكانه إلا بأمر؟ أتلوم على جنرال كان يقول طوال عمره: "تمام يا فندم.. أمر سيادتك"، ثم جلس ليتخذ قرارات مصيرية على أنه أحد كبار مصر الذين يأمرون فيطاعوا؟ أكان ظن أحدكم أن العسكر سوف يتنازلون عن مكتسبات حكمهم طوال أكثر من خمسين عاما ليسلموا البلد لرجل مدني لا يعرف المدفع من كوز الذرة حسب اعتقادهم؟ ليسألهم عن ميزانيتهم، ورواتبهم، وامتيازهم، وعن الكوتة التي يحصل عليها المتقاعدون منهم في مجلس المحافظين بعد ما طفحوا الكوتة علشان يحرروا مصر من اليهود! ويرسخون أركان حكمهم؟ ابقى قابلني..
كان لابد من اليد التي تبني.. حتى يقول الشعب معكم كلمته: " لا لحكم العسكر"..
تلك التي بترتموها بعنادكم وتكبركم أيها الثوريون حين خسرتم تعاطف الشعب معكم والتفافه حولكم..
وفي الوقت الذي كنتم فيه تملئون الميدان ، لأسباب لم يعد الشعب مقتنع بها، كان الإخوان في القرى والنجوع يوزعون اللحوم على الفقراء، ويدخل شبابهم يبنون للناس بعض مساكنهم المتهدمة، ويسألون عن البسطاء الذين لا يجدون لعيشهم سبيلا، حتى وصلوا لبيوت الناس الذين سيصوتون لهم في الانتخابات بعد أن صوتت نساؤهم من وقفتكم التي أوقفت حال البلد –على حد تعبير العامة من أهلنا.
لقد مكث الإخوان طوال الشهور الماضية يمدون هؤلاء بأسباب الحياة يقولون لهم: "معلش يا جماعة أصل دول شباب متهور مش عارف مصلحة مصر!، بكرة تفرج يا حاج، استحملي يا حاجة، وإن شاء الله يولي الله من يصلح، ومصر هتشوف الخير على إيدينا إن شاء الله.. (لاحظ إن دي الإيد اللي شايل اللحمة للغلابة دول).!
المجلس العسكري ترك ورقتكم تذبل فوق شجرة الثورة..
والسلفيون أسقطوا ورقتهم بأيديهم..
وبقي الإخوان يغذون الفروع ويقوون العيدان لشجرة أخرى غرسوها في أرض الثورة.. أنتم طالما أنكرتموها وكنتم تتندرون على كلام مبارك وأعوانه عن الإخوان وتقولون تعبيركم القديم "فزاعة الإخوان"، وكأنها لعبة يضحك بها النظام السابق كأبي رجل مسلوخة والعفريت اللي رجليه رجل معزة..
حتى إذا سقط النظام، وسقطتم أنتم بعد سقوطه في قلوب وعيون المصريين، يا دعاة الحرية الزائفة، ويا محتكري ثورة الفضائيات، رأيناكم تصرخون وتقولون أن الفزاعة باتت حقيقة.. وأن أحد قادة الإخوان ظهر لكم في منامكم برجل معزة، وأن عفاريت الإخوان سيفزعون الناس إذا حكموا!
لا تلوموا الجنرالات ولوموا أنفسكم.. يا من تعاملتم مع الشعب المصري باعتباره شعب متخلف جاهل، لا يستحق الاحترام، شعب نصفه حزب كنبه والنصف الآخر عباسيين يحتاجون لقميص إسماعيل ياسين.. فإذا بالشعب ينهركم وينتخب الإخوان نكاية فيكم.. تخيلوا فئات من الشعب يصوتون للإخوان ضدكم يا أصحاب قوائم العار وثوار الدستور أولا أم الانتخابات أولا، تماما كما فعلوا في 2005 ضد نظام مبارك..فأي فشل هذا صنعتموه بأيديكم؟
إن الكلمة الأولى والأخيرة ليست للمجلس العسكري ولا للإخوان ولا للسلفيين، ولا لأي من التيارات التي تعج بها ساحات الفراغ السياسي الذي تعيشه مصر.. الكلمة الأولى والأخيرة سيلقيها هذا الشعب في حينها؛ لأن الله وضع الغلبة له في هذه الأرض الطيبة، التي لوثتموها بأطماعكم وتطاولكم على فقرائه وبسطائه.
أم قولي للإخوان، فذاك أن احذروا غرور القوة، ومكر السطوة، والتغافل عمن مكنكم في الأرض، ولا تظنوا أن انفرادكم بالسلطة سيأتي فقط حبا فيكم بل إن جزءا كبيرا منه سيأتي كرها ورفضا لمن ينافسكم، وتذكروا أنكم تقولون إنكم تحملون الخير لمصر، فافعلوا ما وعدتم به إذا وضع الله في أيديكم أمر هذا البلد الأمين.. فإن لم تفعلوا وضيقتم على الناس، ولم تقدروهم فسيكون هذا هو الظهور الذي سيأفل بعده نجمكم إلى الأبد..