وجدت المنتجات المنتهية الصلاحية التي يطلق عليها البعض اسم "أطعمة الاكسباير" طريقها إلي معدة المصريين، بدلاً من إلقائها في النفايات، فبعض التجار يتركون ضمائرهم في المنزل، ويذهبون إلي محلاتهم أو فراشتهم ليبيعوا هذه المنتجات للجمهور بدم بارد علي أنها سليمة، خاصة أن اغلبية من يشترونها "لايجدون القراءة أو الكتابة" فيسهل خدعهم واغرائهم لثمنها الزهيد للغاية مقارنة بغيرها. وتستمد مافيا الاغذية المنتهية الصلاحية قوتها من غياب الدور الرقابي والتشريعي للدولة والفساد الإداري والمالي المستشري في البلاد، وقدر عدد الأشخاص المصابون بأمراض ناجمة من هذه المنتجات بحوالي 600 مليون شخص في العالم ثلثهم تقريبا من الأطفال الصغار بحسب ما جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية. تجولت "الوفد" في سوق المطرية والذي يعد من ابرز الأسواق الشعبية وفيه تمارس عمليات غش للأغذية، حيث تنتشر الاطعمة المنتهية الصلاحية بشكل علني مثل "الفسيخ ولبن الاطفال والصلصة وحلويات مثل الشيكولاتة وغيرها من السلع". عند دخولنا للسوق كان مزدحما للغاية فالجميع يتسارع علي شراء المنتجات لرخص ثمنها، والباعة يفترشون كل الأماكن لعرض سلعهم لكي لاتفوتهم فرصة جني مكاسب طائلة خاصة أنهم يقومون بشراء المنتجات بسعر زهيد ويبعونها باضعاف ثمنها. علي بعد خطوات قليلة من السوق، يفترش بائع فسيخ "الرائحة الكريهة تبعث من أطعمته" لدرجة تشعرك "بالتقيؤ والغثيان"، عندما رغبت في شراء قطع من الفسيخ، فسارع شخص يدعي "سامي محمد" من منطقة المطرية ليحذرني من شرائها، وأكد أنه تعرض قبل أيام إلى تسمم غذائي استمر لأكثر من يومين، وانتهى به المطاف إلى المستشفى حيث تم غسل معدته . سامي عاهد نفسه على ألا يأكل الفسيخ مطلقًا بعد الوعكة الصحية التي تعرض لها، مشيراً إلي أن هناك العديد من المواد الغذائية منتهية الصلاحية والتي تباع بأسعار زهيدة، والمواطن البسيط والفقير لا يعرف مخاطر وضرر ذلك على صحته وحياته. وأكد أن هناك تجارا متخصصين باستيراد البضائع (الاكسباير) المنتهية الصلاحية ويقومون بتوزيعها في الأسواق المحلية وبيعها بأسعار أرخص ، لافتاً إلي أن هناك بعض المنتجات لا تستطيع قراءة ما هو مطبوع عليها بسبب عدم تمييز أرقام وتواريخ الإنتاج المدمجة مع بعضها البعض. في منتصف السوق تقريباً، يجلس مجموعة من الباعة وامامهم "ترابيزة" عليها سلع غذائية مختلفة مثل لبن اطفال، برطمانات صلصة، وفاصوليا مجمدة وغيرها، اقتربت منهم وأدعيت أني زبونة اريد شراء بعضاً من هذه المنتجات، ممدت يدي وأخدت بعض من السلع لقراءة تاريخ الصلاحية، ففوجئت بأن علبة لبن أطفال منتهية الصلاحية من عامين تقريبا وسعرها 5 جنيهات، أما علبة الصلصة فانتهت صلاحيتها من سنة، وباقي السلع لا تختلف عنهما، من حيث مدة انتهاء الصلاحية، وهناك منتجات لايوجد عليها اي تاريخ صلاحية بل مكتوب علي العلبة وهذه ليست دعابة " إذا كنت عايز تعرف تاريخ الصلاحية تذوق الأول". ويقول " محسن عبد الرحمن" صاحب احد محال بيع المواد الغذائية :" أن المنتجات الاكسباير من أبرز المشاكل التي تفقد ثقة الزبون ببضاعتنا وتعرضنا للخسارة، مشيراً إلي أن "بعض التجار يستوردون البضائع من المنشأ دون طبع تاريخ الإنتاج من أجل تسهيل تمريرها من المنافذ الحدودية". ويضيف أثناء انشغاله بترتيب بضاعته المستوردة على رفوف محله: "من حق التجار أن يروجوا لبضائعهم الفاسدة في الأسواق، وسط غياب الدور الرقابي الحكومي ومحاسبة من يتلاعب بحياة الآخرين". وأكد أن انقطاع التيار الكهربائي وسوء التخزين وتكدس البضائع في المخازن لفترات زمنية طويلة، من الأسباب التي ساهمت بانتشار المواد المنتهية الصلاحية. وعن السبل التي تحد من إغراق السوق بهذا النوع من السلع والبضائع ، اوصي بضرورة تفعيل الدور الرقابي على عملية الاستيراد عند المنافذ الحدودية فضلاً عن توعية المواطن بضرورة قراءة تاريخ صلاحية المنتج الذي يرغب في شرائه وتفعيل قانون حماية المستهلك. قبل مغادرة السوق، لاحظت وجود سيدة بجوارها شخصان، أمامها مجموعة من الجرادل تحتوي علي كميات كبيرة من الشكولاتة التي أذابتها الشمس وجعلتها سائلة كالماء، الكيلو بعشرين جنيه، أول كلمة تفوهت بها البائعة عندما وجدتني انظر بشدة للشكولاتة، وأكدت أنها من الممكن أن تحسب الكيلو ب 15 جنيهاإذا قمت بشراء كميات كبيرة". عقوبة الاغذية الفاسدة يري د. عصام رمضان طبيب بيطري ومفتش علي سلامة الاغذية :"إن تتعدد الجهات الرقابية المكلفة بمواجهة ظاهرة الغش الغذائى تسببت في ضعف السيطرة علي الأسواق". وأشار إلي تعدد التشريعات الصادرة لمواجهة ظاهرة الغش الغذائى والتى يرجع عدد كبير منها إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، وآخر هذه القوانين هو قانون محاربة الغش والتدليس المعدل رقم 281 لسنة 1994، والذى يشمل على معاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تجاوز عشرين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز أربعين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة، إذا كانت المواد التى تستعمل فى الغش ضارة بصحة الإنسان، ويجوز للمحكمة أن تقضى بغلق المنشأة المخالفة لمدة لا تزيد على خمس سنوات فى حالة العودة، كما يجوز لها أن تحكم بإلغاء رخصتها نهائيا، إذا كانت العقوبة السابقة غير كافية، وذلك دون الإخلال بحقوق العمال قبل المنشاة ولكن جميع العقوبات السابقة لن يكون لها جدوى دون تضافر جهود الجهات المعنية لتحقيق مصلحة المستهلك. وفي تصريح سابق لها، قالت الدكتورة علياء هاشم، أستاذ سلامة الغذاء بالمعهد القومى للتغذية : "إن معدلات انتشار البكتيريا والفيروسات تكون أعلى في فصل الصيف، لذلك لابد من الحذر الشديد عند التعامل مع الأطعمة خاصة وأن الأمراض المرتبطة بالأغذية الفاسدة تكثر فى هذا التوقيت". وتابعت: " من الأفضل ألا يتناول المستهلك طعاما خارج المنزل إلا فى أضيق الحدود، لأننى أولا وأخيرا افتقد آليات التمييز إن كان هذا الطعام المقدم فى الخارج سيكون صحيا أم لا.