الدانة الأولي: عندما تقع عيناي على عدد من الشخصيات التى تسمي نفسها تارة بالإسلامية وتارة أخري بالسلفية، وأسمعها وهى تصف الحلول التى فى جعبتها لمشكلات مصر (وهم الذين يقفون على الخط الفاصل بين الأمية الثقافية والبدائية) أتذكر (بحسرة تعصر القلب والذاكرة) أيام أن كان قادة الفكر فى المجتمعات العربية من نوعية فرح أنطون ولطفي السيد وطه حسين والعقاد وعلي عبدالرازق وسلامة موسي.. وصولا لتوفيق الحكيم ولويس عوض ويوسف إدريس ومحمد مندور.. كيف انهرنا هكذا؟ كيف سقطنا من حالق هكذا؟ وكيف رضينا بأن نستمع لتلك الكائنات الأحفورية دون أن نستدعي لعلاجهم كل الذين لدينا من أطباء للأمراض العقلية والنفسية؟ الدانة الثانية: أؤمن أن معظم سياسات جمال عبدالناصر وحساباته كانت بعيدة عن الصواب. وأؤمن أنه لم يكن بوسعه استقراء حال ومآل حقبة الحرب الباردة (1945 - 1991).. ولكنني أزعم أنني أعرف سر جماهيريته وشعبيته اللتين تكبران مع مرور السنين، وأعني تحديدا أنه كان الوحيد (على مدي التاريخ المصري الذى لا مثيل له فى الاستمرارية والتواصل) «المحامي الأكبر والوحيد» للفقراء والبسطاء والمهمشين، ونصيرهم الأبرز المنشغل بهم قبل أي شيء آخر. لقد كنت محظوظا عندما أتاحت لي ظروف اجتماعية (لا فضل لي فيها) ألا أكتفي بقراءة جل ما كتب عن جمال عبدالناصر، بل أن أكون صديقا لأربعة من أبناء جمال عبدالناصر الخمسة، وزميلا لثلاثة منهم فى ذات المدرسة (1955 - 1967) وصديقا لهم وزائرا لبيتهم فى حياة والدهم. وهو ما أتاح لي أن أعرف بنفسي كيف كان جمال عبدالناصر أكبر من أية مطامع مادية، بل ومانعا يقف بين أفراد أسرته والثروة واستغلال النفوذ والإثراء بسبب مكانة والدهم التى لم يصل لجزء صغير منها أي حاكم عربي خلال القرن العشرين.. محامي الفقراء الذى كان جزءا من أهم مكونات شخصية جمال عبدالناصر هو سر تلك الجماهيرية والشعبية التى لم يصل لمستواها أحد غير جمال عبدالناصر. الدانة الثالثة: قال صديقي المثقف الكبير: إن حالتنا الدينية المتخلفة الحالية هى سبب تخلفنا الحالي.. أما صديقي المثقف الكبير الآخر فقال: أما أنا فأعتقد أن تخلفنا هو الذى أنتج حالتنا الدينية المعاصرة التى تنفرد بدرجة من التخلف والعته لا نظير لهما.. أما أنا فقلت: إنني أري ان هناك علاقة جدلية (دياليكتيكية) بين الظاهرتين (حالتنا الدينية الأحفورية الحالية وتخلفنا جالب العار أمام العالم). وأن قانون الارتباط الهيجلي بالذات هو أبرز معالم تلك العلاقة الجدل. الدانة الرابعة: كيف لا يتعامل الغرب مع منظومته القيمية كأهم مصالحه؟ كيف يعطي الغرب الأولوية لمصالحه الاقتصادية على نسقه القيمي؟ هل يمر من هذا «العيب الفادح» قانون «هيغل» الأشهر: كل شيء يحمل نقيضه داخله؟ الدانة الخامسة: الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان الذى يقدس القذافي وصدام حسين و«الشيخ»! أسامة بن لادن لا يمثل نفسه فقط. وإنما هو تلخيص كامل شامل لخلطة تطورت خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهى خلطة من فكر الإسلاميين والقومجية العرب وأزلام نظم كنظم صدام حسين ومعمر القذافي.. وأشهد أنها خلطة من العسير فهمها على أي إنسان تكون عقله فى ظل ثقافة إنسانية تنتمي لمسيرة التمدن والتحضر والتقدم الإنسانية!! ولا أظن أن أي مركز بحوث فى العالم بوسعه فهم مثل هكذا «خلطة». الدانة السادسة: حكام العرب خلال العقود الستة الأخيرة هم بانوراما للجهل والفساد والاستبداد والبدائية الفكرية والقبلية المتخلفة.. وفى ظل حكمهم وبسببهم نمت تلك الحركات الإسلاموية والسلفية التى هى فى حالة تضاد كلي مع العلم وقيم العصرنة والإنسانية التى كافحت من أجل الحريات العامة وقيم التعددية وقبول الآخر وحقوق المرأة والنسبية والتعايش المشترك وإكبار قيمة العقل الإنساني بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص وكونية العلم والمعرفة.. هؤلاء الحكام الجهلة الفاسدون البدائيون المستبدون هم الذين أوصلونا لسيرك حياتنا السياسية الراهن.