هناك أزمة حقيقية تعانى منها وزارة الثقافة منذ سنوات طويلة، متمثلة فى عدم وجود أجندة يمكن من خلالها تنسيق وتنظيم مواعيد المهرجانات المصرية، خاصة أن هناك نهجًا متبع منذ سنوات، وهو أن لكل مهرجان إدارة تختار الموعد الذى يناسب السادة المسئولين عن المهرجان ووقت الفراغ، وأجندة مواعيده، وليس الذى يتناسب مع أجندة الدولة الثقافية «غير الموجودة من الأساس»، لذلك كل واحد يضع الموعد حسب هواه الشخصى، وهوى المحيطين به، ولا تخلو تلك المواعيد وفلسفة إقامتها من محاولة ضرب مهرجانات أخرى، وتعطيل تفوقها، ولا أعفى وزراء الثقافة بعينهم من المشاركة فى مسئولية ما يحدث من تخبط، خاصة أن بعض رؤساء المهرجانات كانوا يستغلون حسن علاقتهم بالوزير، لكى يحرك مواعيد مهرجانات أخرى لصالح مهرجان بعينه، على سبيل المثال لا الحصر، مهرجان القاهرة السينمائى منذ بداية دورته الأولى وهو يقام فى ديسمبر من كل عام، وخلال السنوات الأخيرة من عمر فاروق حسنى فى وزارة الثقافة تم تحريك الموعد إلى شهر نوفمبر، وهنا بدأ يصطدم بمهرجان الموسيقى العربية، والغريب أن استعراض القوة بلغ ذروته عندما قرر بعض رؤساء هذا المهرجان أن يكون الموعد فى أحد الأيام الأخيرة من مهرجان الموسيقى العربية، وفى أحيان كثيرة كانت الراحلة رتيبة الحفنى تكاد تصاب بالجنون عندما تجد خطابًا موجهًا لها من وزارة الثقافة بضرورة إخلاء المسرح فى أيام محددة حتى يمكن لإدارة القاهرة السينمائى أن تبنى الديكورات وتقوم بعمل البروفات لأن الافتتاح كان يقام على خشبة المسرح الكبير، وفى بعض الدورات قامت بنقل حفلات من المسرح الكبير إلى مسرح الجمهورية، هذا العام أيضًا اصطدم مهرجان القاهرة السينمائى بمواعيد مهرجان الموسيقى العربية، وبالتالى تم تحريك موعد الأخير ليقام يوم 31 أكتوبر بدلاً من 1 نوفمبر، واختصار ليالى المهرجان من 15 إلى 13 يومًا لأن الأوبرا كانت قد قررت مد المهرجان خمسة أيام أخرى بسبب الاحتفال باليوبيل الفضى له، لكن أمام قوة مهرجان السينما حدث ما حدث، وسوف يتم تسليم المسرح لإدارة القاهرة السينمائى ليلة 13 نوفمبر لبناء الديكور وإجراء البروفات ليفتتح يوم 15 نوفمبر. الأغرب والمثير للدهشة هو ما حدث أمس، حيث افتُتح مهرجانان فى نفس اليوم، وهما المهرجان التجريبى، ومهرجان سماع للإنشاد، وكلا المهرجانين لا يتبع وزارة واحدة فقط، بل يتبع كيانًا واحدًا هو صندوق التنمية الثقافية، حتى إن إدارة الصندوق اضطرت إلى تبكير وقت افتتاح التجريبى ليكون فى السادسة مساء بدلاً من الثامنة حتى يمكن لوزير الثقافة حلمى النمنم افتتاح المهرجانين، ولا أعرف هل وزير الثقافة لم يلاحظ ولم يلفت انتباهه أن وزارته تقيم افتتاح المهرجانين فى يوم واحد؟! الأمر يحتاج إلى توضيح لأن ما حدث هو نوع من أنواع سوء التخطيط والتنسيق، ويعكس حالة من عدم التناغم داخل الوزارة الواحدة، خاصة أن هناك أشهر تمر علينا دون وجود حدث واحد، ومن سوء الطالع أيضًا أن هناك مهرجان الإسكندرية للأغنية الآن، والإسكندرية السينمائى المقام فى نفس الوقت، ورغم كونه ينتمى إلى جمعية نقاد السينما، لكن وزارة الثقافة كان يمكنها عمل تنسيق معهم بدلاً من هذا التخبط. الأزمة أيضًا أن التغطية الإعلامية لهذه المهرجانات تتأثر نتيجة هذا التضارب فى المواعيد، وكل مهرجان يعمل على استغلال علاقته بالإعلام حتى يكون الأوفر حظًا فى التغطية، وكل هذه الأمور غير منطقية، لأننا فى أوقات كثيرة من السنة لا نجد حدثاً واحداً يمكن للدولة استغلاله للترويج. الأزمة الآن أن هناك سيلاً من المهرجانات بين الإسكندرية والأقصر وأسوان وبورسعيد وشرم الشيخ، وهناك محافظات تنظم أكثر من مهرجان، وكل مهرجان من هؤلاء يطلب دعمًا من الدولة، ولو وزارة الثقافة تخلت عنه يخرج المسئولون عنه ليصبوا لعناتهم على الدولة كلها. أزمتنا الحقيقية منذ سنوات هي سوء الإدارة، فهل يفعلها حلمى النمنم ويوقف تلك المهزلة التى نعانيها ويضع أجندة محترمة للمهرجانات، خاصة أن مصر دولة عظيمة بفنونها ومبدعيها وقوتها الناعمة؟.