تراجع ملحوظ شهدته المهرجانات المصرية التى أقيمت هذا العام، فالبعض منها أقيم بهدف الحفاظ على صفته الدولية.. والآخر بهدف تأدية الواجب، فجاءت النتيجة خارج توقعات الكثيرين خصوصًا وأن بعض هذه المهرجانات عاد بعد الثورة لأول مرة ومنها مهرجان القاهرة السينمائي الدولى في دورته الأخيرة، والتى اختتمت الشهر الجارى. ولعل الأحداث السياسية التى مرت بها البلاد، وما شهدته من فترات ارتباك واضطرابات كان لها آثرها في التأثير على فعاليات هذه المهرجانات، وإن كان كثير من الآراء قد رأت أن تأجيل هذه المهرجانات أمر كان لابد من حدوثه نظرًا لظروف البلاد، والتى أدت في بعض الأحيان لاستشهاد عدد من المواطنين في بعض الأحداث. يأتى في مقدمة هذه المهرجانات مهرجان القاهرة السينمائي الدولى، حيث بدأت الأحداث في يوليو الماضي بالنزاع بين جمعية يوسف شريف رزق الله، والتى تأسست بعد الثورة بفترة قصيرة، وبين جمعية كتاب ونقاد السينما التى يرأسها ممدوح الليثي، حيث تمسكت الأخيرة بأحقيتها في إدارة المهرجان لمجرد أنها كانت مؤسسة له رغم أن إدارته لم تتبعها طوال سنوات إقامته بعد ذلك، إضافة إلى أن تلك الجمعية بالأساس تقوم بتنظيم مهرجان أخر وهو مهرجان الإسكندرية السينمائي. استمرت النزاعات شهور طويلة بين الجمعتين إلى أن خرج وزير الثقافة، الدكتور صابر عرب، فجأة وأعلن عودة إدارة المهرجان القديمة برئاسة الدكتور عزت أبو عوف ومديرته سهير عبد القادر، رغم أن الظروف الصحية لأبو عوف كانت متدهورة للغاية، وهو الأمر الذى كان حديث دورة المهرجان هذا العام، وهو ما أثار أيضا استياء ودهشة الكثيرين خصوصاً وأن جمعية "مهرجان القاهرة" قد بدأت الإعداد لجميع تفاصيله منذ عام ونصف، واختارت الأفلام، التى سيتم عرضها به، وبقرار الوزير أطاح بمجهود عام ونصف واعاده للإدارة القديمة التى نظمته في ظرف شهرين، وحتى الآن لم يعلم سبب عودة عزت أبو عوف للمهرجان في ظل ظروفه الصحية هذه، وأيضًا سهير عبدالقادر رغم كل التحفظات والرفض لعودتها. ولم تتوقف أزمات المهرجان عند ذلك الحد بل أن المقاطعين للمهرجان كانوا كثيرين، حيث كانت البداية مع رفض إقامته خصوصًا في ظل ظروف البلاد بما فيها من تداعيات الإعلان الدستورى الذى صدر في 22 من نوفمبر الماضي، والذى كان قبل افتتاح دورته بخمسة أيام، مما أدى إلى تأجيل حفل الافتتاح يوم واحد بسبب ظروف المليونيات والتظاهرات، يليها إلغاء المظاهر الاحتفالية لحفل الافتتاح وأيضًا تأجيل التكريمات ليس فقط في حفل الختام، ولكن إلى العام المقبل. هذا بالإضافة إلى انسحاب السيناريست الدكتور مدحت العدل من عضوية لجنة تحكيم الأفلام العربية، ومهندس الديكور أنسي أبو سيف بسبب غضبهم من وزير الثقافة بعد قيام اللجنة التأسيسية للدستور بتوجيه الشكر له نظرًا لطبعه نسخ الدستور علي حساب وزارة الثقافة. كل ذلك بخلاف أن أفلام المهرجان سيطرت عليها حالة من الملل جعلت الصحفيين والجمهور ينصرفون من منتصفها في أغلب العروض، ومعها عدم تنظيم ندوات الأفلام، والتى كان يلغي كثير منها، وأيضاً غياب النجوم عن الحضور، وهى التيمة التى سيطرت على دورات المهرجانات في السنوات الأخيرة رغم ذهابهم إلى المهرجانات الأخرى العربية. ولعل اقامة دورة المهرجان هذا العام، كانت مجرد "دورة إنقاذ" حفاظًا على الهوية الدولية له من الانسحاب. أما مهرجان الإسكندرية فلم يكن أحسن حال من غيره، حيث واجهت دورته ال 28، والتي أقيمت في سبتمبر الماضي، شكاوى كبيرة من ضعف مستوي الإقامة للصحفيين والضيوف فى الفندق، والذي انقسم إلي فئتين بفندقين منفصلين، وعلقت إدارة المهرجان ذلك بأن ضعف الامكانيات التي وصلت إلي 1.1 مليون جنيه كانت السبب في هذه المشكلة. كما شهد المهرجان غياب ملحوظ للنجوم المصريين والعرب، سواء في حضور الفعاليات أو حفلتي الافتتاح والختام، وخرجت مصر وفيلمها الوحيد "بعد الطوفان" المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، نظيفة اليدين وبدون أي جوائز، كما تم إلغاء جائزة أفلام الكارتون في هذه الدورة، لضعف مستوي جميع الأفلام المشاركة فنيا وتقنيا. كما واجه المهرجان "شبح" الأحداث السياسية في مصر للعام الثاني علي التوالي أبان أحداث الثورة، وأصبح ميدان التحرير وأوضاعه السياسية تطارد توقيت اقامة المهرجان، بالإضافة إلي أن أحداث الثورة السورية، والتي كادت أن تتسبب في شد وجذب أثناء ندوة الاحتفال بالفيلم السوري بالمهرجان، بين مجدي الطيب الناقد الفني، والفنانين والمخرجين والنقاد السوريين، بعد أن وجه لهم الطيب اتهام بالهروب من سوريا، وأن النضال لا يمكن أن يكون من خارج البلاد، وأن تلك الأعمال لا تجعل منهم مناضلين وأبطال. ورغم أن فكرة إقامة مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية كان أمر مميز ومختلف، لكن ظروفه التى أقيم فيها، قللت من فرص الاهتمام به، خصوصًا وأن هذه هى دورته الأولى، تمثل ذلك في تضارب موعد اقامته مع موعد مهرجان الإسكندرية، مما جعل الوسائل الإعلامية تكتفي بحضور حفلى الافتتاح والختام هنا وهناك، هذا بالإضافة إلى أزمات الدعم المادى التى أحاطت به. وحدث ولا حرج عن مهرجان الموسيقي العربية، الذى لم تتغير إدارته منذ اقامته من 21 عامًا بداية من رئيسته الدكتورة رتيبة الحفنى وصولاً إلى مخرجة أوبريت الافتتاح التى لم تتغير في كل عام، وهى الدكتورة جيهان مرسي، رغم الانتقادات التى توجه لعروض الافتتاح كل عام نظرًا لحركات الراقصين وايقاعتهم المعتادة بل التى باءت محفوظة لا تحمل أي نوع من التجديد أو الإبهار، وهو نفس الأمر الذى ينطبق على ديكورات المسرح في حفلات افتتاح المهرجان، والذى تشابه في دورته الأخيرة مع الديكور في العاميين الماضيين بل أنه كان متواضعًا إلى حد كبير عن الأعوام السابقة، وذلك نظرًا لأن المهندس الذى يصمم الديكورات واحد أيضًا، وهو محمود حجاج الذي يقوم بتصميم الديكور كل عام. حتى المطربين المشاركين في المهرجان سواء من مطربي الأوبرا، أو النجوم السوبر ستارز هم ذاتهم الذين يتواجدون كل عام، كما أن المهرجان تحول في سنواته الأخيرة إلى وسيلة للربح وليس لسماع الموسيقي والطرب الشرقي الأصيل، حيث يأتى الجميع لغناء ألبوماته الشخصية في الأغلب على حد وصف الموسيقار حلمى بكر، والذى كان من ضمن أعضاء اللجنة التحضرية له حيث تركه منذ عامين لهذا السبب، حسبما أكد في تصريحاته السابقة ل "بوابة الأهرام".