يبدو أن بعض أعضاء المجلس العسكرى الحاكم، أو جميعهم يعتقدون أن مصر أصبحت تكية أو وسية لمعاليهم، وأن وسائل الإعلام والصحف الحكومية جزء من التركة التى انتقلت لهم من الرئيس مبارك، وبحكم كونهم الملاك الجدد للبلاد أو الحائزين للعين لهم حق التصرف فيها بالبيع أو التأجير أو المقايضة أو الرهن لم يشاءوا دون الالتزام بقوانين البلاد أو أعرافها، واعتقدوا أيضا أنه أصبح من المنطقى تعيين أولادهم أو أتباعهم أو رجالهم أو خدمهم لتولى إدارة أى مؤسسة تحت حيازتهم، تماما مثلما كان يفعل الرئيس السابق، حيث كان يقوم بمكافأة أتباعه وخدمه بالمناصب القيادية، وفى أيامه أصبح من المتعارف عليه أن رئاسة تحرير الصحف الحكومية وبعض المعارضة والمستقلة تسند إلى أرباب مؤسسات الدولة، أو إلى الذين تربوا فى كنف أمن الدولة أو جهاز المخابرات، وفى سنواته الأخيرة أسندت رئاسة تحرير الصحف إلى مندوبى رئاسة الجمهورية، وقد ترتب على تحول الصحف الحكومية إلى مكاتب ودكاكين المخدماتية، بعد الثورة توقعنا أن يختلف الأمر فى نوعية الخدمة المقدمة وفى أسلوب اختيار قيادات هذه الدكاكين، لكن للأسف مازلنا نعيش عصر صحافة الخدم، رفع اسم الرئيس ووضع مكانه المشير وأعوانه فى المجلس العسكري، وفى عملية الاختيار يتم تعيين مندوبى القوات المسلحة فى رئاسة التحرير، قد يكون مندوب الرئاسة أو مندوب الجيش أو مندوب الأجهزة الأمنية على كفاءة ومهارة عالية ومشهود بها، لكننا على يقين أن هذه الكفاءة لم تكن سبب اختياره لتولى المنصب، وهذا ما حدث مؤخرا فى مجلة نصف الدنيا التى تتبع مؤسسة الأهرام، حيث تلقى د.على السلمى نائب رئيس حكومة الفلول تعليمات من القيادة العسكرية بتعيين مندوبة المجلة بالقوات المسلحة فى منصب رئاسة التحرير، وانصاع السلمى غير المأسوف عليه للأمر وأصدر القرار، والمدهش أن د.السلمى الذى يتحمل مسئولية سفك دماء العشرات من الشباب والمصابين فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود، بدلا من أن يتوارى خجلا من القرار يسرع إلى الفضائيات لكى يبرره، ويؤكد أن رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام هو صاحب الاختيار، ولم يقل لنا لماذا اختار الجبالى مندوبة الجيش بالمجلة لرئاسة التحرير وليس مندوبة السياحة أو مندوبة البترول أو الصحة؟، ولماذا لم يتم اختيار أحد قيادات المجلة؟، ولماذا اختار مندوبة الجيش وتجاهل مدراء التحرير ونواب رئيس التحرير وغيرهم ممن يديرون المجلة؟. د. على سلمى لم يقل لنا أو للمواطنين أن مندوبة القوات المسلحة هى زوجة وزير الإعلام السابق، الذى طالب جموع المصريين بعزله بسبب مجزرة ماسبيرو، ولم يقل للرأى العام أن وزير الإعلام كان مندوب الجيش فى جريدة الوفد، أقصد كلنا جيش فى بعضينا، ولم يقل لنا السلمى كذلك لماذا اخترت هذه النهاية المؤسفة لحياتك؟، صحيح لم يكن لك تاريخ يذكر، ودخلت حزب الوفد بعد حزب الغد ومن قبلهما الحزب الوطنى لكى تتكسب أدبيا منه، لكن بوثيقتك المشبوهة والدماء التى سالت بسببها، وبقرارك العسكرى لمجلة نصف الدنيا، اخترت أسوأ خانة فى التاريخ لكى يتذكرك أحفادك وجيرانك وأبناء وطنك وهى خانة المهملات، من هنا أطالب الدكتور السيد البدوى شحاتة رئيس حزب الوفد، وجميع الشرفاء فى هذا الحزب بمساعدة د. السلمى على دخول الخانة التى اختارها، وان يصدروا قرارا بعزله من الحزب، لأن ما فعله السلمى خلال الشهر الذى قضاه فى الحكومة أساء كثيرًا لحزب الوفد، وأثر على نتائجه فى الانتخابات البرلمانية، وأطالب المجلس العسكرى بأن يعيد النظر فى تعيين مندوبيه بالمراكز القيادية فى الدولة أو فى المؤسسات الصحفية، وإن كان لابد من تكريمهم أو مكافأتهم، على المجلس أن يمنحهم درجة عسكرية مثلما فعل السادات مع مطرب الأجيال محمد عبدالوهاب، أو أن يعينهم رؤساء تحرير لمجلة القوات المسلحة، لأن مؤسسات الدولة وصحفها ووسائل إعلامها ليست تكية ولا وسية ولا صندوق الهدايا، بل هى من ممتلكات هذا الشعب الطيب الذى خرج يهتف: حرية.. عدالة اجتماعية.