ظلت مصر لعقود طويلة، تعيش تحت مظلة «الخوذة والسياسي» تدل الخوذة - بطبيعة الحال - علي العسكر، الذين تحولوا - أو انقلبوا - من العمل في الجبهة الخارجية، وحمل المدفع، والبندقية، إلي العمل بالسياسة. هذه الثنائية تفوق فيها القليل علي نفسه، وزمنه، وعصره، وفكره، وحقق نجاحات رائعة (محمد علي وجمال عبدالناصر مثال علي ذلك)، رغم تحفظ البعض علي جمال عبدالناصر، واعتبار مشروعه سقط بهزيمة 67، فيما لم يحقق باقي أو معظم العسكر الذين خلعوا «الخوذة» وارتدوا حلة «السياسي» أي شيء يذكر. دار الزمن، وتغيرت النظم، وسقطت في تونس ومصر واليمن والعراق وليبيا سطوة العسكر بعد رحيل زين العابدين ومبارك وعلي عبدالله صالح، والقذافي، وهم الذين جاءوا بشرعية الخوذة، فكشفت الأيام والأحداث عن استبداد أنظمتهم، وفساد أفكارهم، والرغبة في تحويل الجمهوريات إلي ممالك، تنقل فيها السلطة من الأب إلي الابن. سقوط هذه الثنائية، أمام تيار الربيع العربي، جعل ثنائية أخري تتقدم، وتصعد إلي القمة من خلال صناديق الانتخابات؛ ألا وهي ثنائية «الشيخ والسياسي»، فبعد اكتساح الإسلاميين في تونس والمغرب ومصر، وصراعها في سوريا والذي سينتهي حتماً لصالحهم وفي ليبيا بعد سقوط أو قتل القذافي، فإن المشهد السياسي العربي سيتصدره - لفترة قد تطول لسنوات طويلة - السياسي «المعمم» بعدما عبرت ثنائية «الشيخ والسياسي» عن نفسها وجاءت إلي المشهد سواء بالدم - كما في ليبيا وسوريا - أو بالزحف الشعبي، وإسقاط الأنظمة، بأقل تكلفة كما حدث في تونس ومصر، ثم الوصول للحكم عبر صناديق الانتخابات البرلمانية، والذي اكتسح فيها التيار الإسلامي كل المشاريع الأخري، حتي إنه لم يعد هناك ذكر يذكر لتيار عريق، وقديم، مثل التيار الليبرالي أو أي تيار آخر. لقد انتهت ثنائية «الخوذة والسياسي» بأن كادت الجمهوريات تتحول إلي ممالك، لولا يقظة وكفاح ودماء الشعوب، الأمر الذي يجعلنا نتخوف من ثنائية «الشيخ والسياسي» لأن هذه الثنائية، إذا تحكمت وحكمت، فإن النهاية بالنسبة لها ولنا غير واضحة المعالم أو الملامح، وقائمة علي سياسة «الجنة والنار» والتفتيش في الضمائر، والحكم علي النيات، فيا أيها الربيع العربي ماذا تحمل بعد سقوط ثنائية «الخوذة والسياسي» وصعود ثنائية «الشيخ والسياسي»! وتحيا مصر