ليست المرة الأولى، ومؤكد أنها لن تكون الأخيرة، التي يسعى فيها أعداء مصر والسعودية، أو الدولتين معاً، إلى زرع أسافين الخلافات، أو افتعال الأزمات، أو العبث بالعقول، أو تحريض طرف ضد الآخر، لعل ذلك يحقق أمنياتهم في ضرب التحالف بين البلدين فتأتي الفرصة للصيد في الماء العكر، والتأثير على الأوضاع الداخلية في كلا البلدين أو أحدهما، والمساهمة في إرباك الوضع الإقليمي لمصلحة طرف أو أطراف خارجية. يبدو واضحاً أن القيادة في البلدين على وعي تام بحجم المؤامرات ونوعيتها، والأطراف التي لا تفوت فرصة إلا واستغلتها لإثارة الفتنة وإفساد المودة. قدم السفير السعودي في القاهرة أحمد عبدالعزيز قطان نموذجاً متميزاً في إطفاء حريق قبل أن يشتعل، ووأد فتنة قبل أن تنتشر، وإبطال أزمة قبل حتى أن تنشأ، عندما سارع إلى التعامل مع ادعاءات بتعرض مواطن سعودي للضرب في مطار القاهرة فنفى الواقعة لأنها بالأساس لم تحدث، وفنَّد الادعاءات لأنها قامت على مزاعم، وتوعد باتخاذ الإجراءات القانونية حيال من تسبّب في نشر الإشاعة حتى لا تتكرر. انتشرت الإشاعة بواسطة مواطن سعودي آخر من باب تعاطفه مع أبناء بلده، عبر موقع تويتر بتغريدة صباح الجمعة الماضي، وما إن بدأت اللجان الإلكترونية الإخوانية المنتشرة في كل مكان تصب الزيت على نار التغريدة حتى كانت صفحة السفير قطان على تويتر أيضاً وفي يوم العطلة الأسبوعية تتعامل مع الحدث. وبمنتهى السرعة وبمعلومات دقيقة لا تحتمل التشكيك، رد قطّان عبر تغريدات سريعة متتالية بالحقيقة التي نزلت وكأنها مضخة مياه لتطفئ الحريق قبل أن يشتعل. وجاء التصرف السريع والدقيق من السفير داعماً للترابط المصري - السعودي ومفشلاً للتربص الإخواني. عموماً انتهت الأزمة قبل أن تنشأ بفعل تصرف حكيم، لكن هذا لن يوقف محاولات الهدم التي تصاعدت وتيرتها منذ أيدت السعودية ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 في مصر، وتشتد حدتها كلما صدر موقف مصري داعم للسعودية لا يريح بالطبع أطرافاً أخرى في المنطقة على رأسها إيران. مؤكد أن الدعم الاقتصادي والمالي السعودي لمصر في مرحلة تعاني منها آثار عقود من الارتباك ونتائج اضطرابات وحكم للإخوان مسألة تؤرق وتحزن قوى إقليمية والجماعة الإخوانية، لكن، هناك أيضاً شطط الثورجية والناشطين وتهور بعض النخب في البلدين لمحاولة ضرب الأسافين. أطل هؤلاء في المشهد منذ أصدر العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بياناً في 4 تموز (يوليو) أيد فيه الثورة المصرية عندما قال: «نشد على أيدي رجال القوات المسلحة المصرية الذين أخرجوا مصر من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته». كما ظهرت المحاولات التي سعت إلى اللعب على وتر التباين في موقف البلدين من الأزمة السورية، على رغم أن البلدين قدما نموذجاً فريداً لإدارة الخلاف السياسي في قضية بعينها من دون أن يؤثر ذلك في وحدة مواقفهما في قضايا مصيرية أخرى. بعد تصاعد العنف في مصر أصدر الملك عبدالله في 16 آب (أغسطس) 2013 بياناً مهماً أكد فيه دعم مصر في حربها ضد الإرهاب ودعا إلى «النأي عن التدخل في الشأن الداخلي المصري وعدم إيقاد الفتنة». وقتها ظهر إعلاميون مصريون ليصفّوا حساباتهم مع الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، نتيجة إرث تاريخي ومواقف ناصرية ويسارية، واستغلوا ارتباك المشهد الإعلامي فأحرجوا القيادة المصرية مراراً، خصوصاً أن بينهم من كان محسوباً على السيسي!! نشط هؤلاء أيضاً بشدة بعد انعقاد الاجتماع الثاني للمجلس التنسيقي المصري – السعودي في القاهرة في كانون الأول (ديسمبر) 2015، عندما بادر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيادة الاستثمارات السعودية في مصر إلى 30 بليون ريال (ثمانية بلايين دولار) وأعلن توفير احتياجات مصر من المواد البترولية لمدة خمس سنوات، ودعم حركة النقل بقناة السويس. أما قضية جزيرتي تيران وصنافير فحدّث ولا حرج. السفير قطان هو عميد الديبلوماسيين العرب في القاهرة، استغل خبرته في التعامل مع الواقعة الأخيرة ونجح في إفشال المخطط، لكن يبدو أن عليه وباقي المسؤولين في البلدين أن يظلوا ممسكين بمضخات الحقائق لمواجهة محاولات لا تتوقف لإشعال الحرائق. نقلا عن صحيفة الحياة