«المنصب قيّد حريتى ووضعنى فى مرمى النيران» بهذه الكلمات بدأ الكاتب الصحفى ووزير الثقافة «حلمى النمنم» حديثه ل«الوفد»، الذى عكست كل إجاباته حالة من الحزن تسكن بداخله ربما بسبب الخصوم الذين يتربصون به ويحاولون دفعه إلى معارك لا عائد منها، وربما بسبب التركة الثقيلة التى ورثها ويحاول تصحيح الأوضاع الخاطئة المتراكمة بداخلها، المؤيد والمعارض ل«النمنم» يدرك جيداً أن الرجل يعمل فى ظرف صعب وأنه فى وقت قصير استطاع أن ينقل الثقافة إلى الشارع لإيمانه بأن حبس الثقافة داخل قصر أو ندوة أمر خطير ولا يحقق فائدة للمواطن. فى الفترة الأخيرة طالت سهام النقد والهجوم وزير الثقافة، تارة بسبب ما تردد حول اتهامه للأزهر بأنه يحرض على العنف، وتارة أخرى بشأن تصريحه حول انتشار سرقات الرسائل العلمية داخل الجامعات المصرية، الأمر الذى أضعف صورة الجامعات المصرية فى الخارج، الغريب أن محاولات دفاع الوزير عن رأيه يواجهها فريق من المعارضين بهدف إضعاف موقفه وقلب الشارع ضده.. لذا كان يجب أن نلتقى به ونناقشه فى كل القضايا المتعلقة بالمشهد الثقافى الحالى، ونعرف منه لماذا لا يتواكب أداء القيادات الثقافية الجديدة مع روح وطبيعة المرحلة التى يمر بها الوطن.. وإلى نص الحوار: معالى الوزير.. تعرضت فى الفترة الأخيرة لحملة منظمة من النقد والهجوم بشكل جعلنا نشعر بأن هناك طرفاً يعمل ضدك.. كيف ترى الأمر؟ - إذا أردت الدقة يجب أن تقول هناك أطراف تعمل ضدى وتحاول إسقاطى، ولكنى لا ألتفت إلى مثل هذه الأشياء وأحاول جاهداً النجاح وتحقيق نهضة ثقافية تواكب قيمة وعظمة مصر، ومهما بلغت محاولات الأطراف التى تعمل ضدى لن تنتصر لأنها باختصار شديد تدافع عن أفكار باطلة ولن ينحاز لها الشارع أو يساندها. نريد أن نعرف بوضوح أكثر ما الأطراف التى تعمل ضدك؟ - الطرف الأكثر وضوحاً بكل تأكيد هو التيار الدينى المتشدد، هذا التيار يعمل ضدى بسبب علاقتى التاريخية بجماعة الإخوان التى تظهر بشكل واضح فى الكتب التى قمت بتأليفها حول هذا التيار وأذكر منها «سيد قطب وثورة يوليو» و«سيد قطب سيرة من التحولات» و«حسن البنا الذى لا يعرفه أحد» هذا التيار المتشدد غاضب من كتاباتى وغاضب أيضاً لأننى أعمل على نقل الثقافة إلى الشارع فقد نجحت فى إقامة 40 معرضاً للكتاب فى مختلف مدن الجمهورية، وخرجنا بالفرق الفنية إلى الشارع ويكفى المليونية الفنية التى تم تنظيمها فى شارع المعز. وما الطرف الثانى الذى يعمل ضدك؟ - فريق من الناس موجود داخل هذا البلد و«شايف أن الصحفى واخد أكتر من حقه ولا يصلح لشغل منصب الوزير» من خلال وجودى فى منصب وزير الثقافة لمست وتأكدت من وجود حالة من العداء والكراهية للصحفى بشكل عام وبكل أسف هذا الفريق موجود فى قطاعات من الرأى العام والنخبة ويمثل خطراً كبيراً. ما المنهج الذى يطبقه «حلمى النمنم» أو بمعنى آخر ما ملامح مشروعك الثقافي؟ - أنا مؤمن بأن الثقافة يجب أن تصل للشارع حبس الثقافة داخل قصر أو ندوة مغلقة أو حفلة مقفولة هو بمثابة عزل للثقافة عن الرأى العام، ولو حدث ذلك سوف نترك الشارع فريسة سهلة للجماعات المتشددة وعلى أثر ذلك يكون زرع الأفكار الإرهابية فى عقول الشباب أمراً سهلاً وبسيطاً.. مؤمن أيضاً بضرورة تحقيق العدالة الثقافية بمعنى أنه لا يجب التركيز على القاهرة فقط ولكن يجب أن تمتد الأنشطة الثقافية إلى الأقاليم وكل مكان فى الجمهورية. وهل نجحت فى تحقيق ما تتمنى؟ - أنا أعمل بقدر استطاعتى وأتمنى أن أحقق النجاح، ولكن يوجد تحديات كثيرة أمامى منها أن هناك فريقاً من الناس يصر على تحويل الوزير إلى موظف كبير ينشغل بالقضايا الإدارية فقط ولا يهتم أو يضع السياسة التى يجب أن تتحرك عليها كل قطاعات الوزارة، بشكل أكثر وضوحاً هناك من يحاول خداعى بقضايا إدارية.. التحدى الثانى أمامى هو أن الجهاز الإدارى بالدولة قد ترهل كثيراً فى ال20 عاماً الأخيرة ولا يعمل بكفاءة.. التحدى الثالث هو الموارد المالية.. النشاط الثقافى مدعوم من الدولة وهو فى الوقت نفسه مكلف جداً. حدثت حالة من الجدل بسبب ما تردد حول اتهامك لمؤسسة الأزهر بالتحريض على العنف.. ما تعليقك؟ - أنا بريء تماماً من هذا الاتهام.. أنا مؤمن بأن الدولة عبارة عن مؤسسات ويجب الحفاظ عليها، والأزهر مؤسسة عظيمة عمرها أكثر من ألف و100 عام، ومن الضرورى الحفاظ عليها وهذا موقفى منذ أيام جماعة الإخوان.. باختصار أنا ضد ضرب مؤسسات الدولة كيف تكون تلك عقيدتى وأهاجم الأزهر الذى قمت بتأليف كتاب بشأنه تحت عنوان «الأزهر.. الشيخ والمشيخة». وماذا عن اعترافك بأن مصر تعتمد على السرقات العلمية من الخارج؟ - هذا الكلام ليس دقيقاً لم أقل «مصر» قلت إن سرقات الرسائل العلمية منتشرة جداً فى الجامعات المصرية، وهذا الأمر أضعف من صورة الجامعات المصرية فى الخارج، ولذا أصبحت عاجزة عن تخريج «زويل» أو نجيب محفوظ أو بطرس بطرس غالى.. بالمناسبة هذا الحديث تم فى إطار مناقشة حول أسباب انتشار الأفكار المتشددة وتوصلنا إلى أن قيمة المنهج العلمى تتراجع ولذا زادت الأفكار والتصرفات والمواقف المتشددة. قلت إن الوزارة تعانى من ضعف الموارد المالية.. فكيف يتم تدبير ميزانيات للمهرجانات الفنية؟ - كما قلت فى حديث سابق معك إن أزمة مصر فى الفلوس.. وأنا فى وزارة الثقافة حريص على إقامة المهرجانات الفنية بشكل وصورة تليق باسم وحجم مصر، فى حدود مواردى المالية أتحرك وأعتمد على عقد بروتوكولات تعاون بينى وبين العديد من الوزارات مثل السياحة والتعليم والآثار والاستثمار، هذا التعاون يجعلنا نبتعد تماماً عن منطق الجزر المنعزلة الذى دفعنا بسببه الكثير. هناك رأى يقول إن القيادات الثقافية الجديدة ضعيفة.. وأداءها أقل من العادى ما رأيك؟ - دائماً يقال لماذا الإبقاء على وجوه بعينها ولماذا الثبات وعدم الإيمان بأهمية التغيير.. بصراحة شديدة قمت بتغيير تقريبا كل القيادات فى قطاعات الوزارة مثل العلاقات الثقافية الخارجية وهيئة الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة وصندوق التنمية الثقافية.. وأندهش جداً من الهجوم على القيادات الجديدة، عندما تريد الحكم على أداء محرر جديد فى «الجورنال» تضعه تحت الاختبار لمدة 6 شهور، كل ما أريد قوله هو أنه من الضرورى إعطاء فرصة لا تقل عن عام حتى نرى أداء هذه الوجوه الجديدة ونستطيع تقييمها. فى الفترة الأخيرة تم افتتاح عدد كبير من قصور الثقافة.. هل أنت راضٍ عن أداء هذه الهيئة؟ - راضٍ تماماً، فقد قمنا بافتتاح قصر ثقافة الوادى الجديد والنوبة وأسوان، ونتبع خطة دقيقة من أجل الوصول إلى كل مدن الجمهورية، وكما قلت فى بداية حديثى لن أشعر بالنجاح إلا بعدما تصل الخدمة الثقافية إلى كل شارع وكل مدينة وأعرف أن هذا الأمر يحتاج مزيداً من الوقت والصبر والمجهود. هل تشعر بالرضا عن حال السينما؟ - دائماً فى عالم السينما والثقافة والفن نتطلع إلى الأفضل ولا نرضى بالمستوى الثابت، لذا أتمنى أن تنهض السينما والثقافة المصرية وتصل إلى أعلى مستوى. وهل ستحمل الدورة القادمة من مهرجان القاهرة السينمائى أى مفاجآت؟ - هذا السؤال يطرح على الدكتورة ماجدة واصف رئيس المهرجان، ولكنى متفائل بالدورة القادمة وأرى أنها ستكون جاذبة للأنظار، ففى العام الماضى تم تنظيم المهرجان فى ظروف صعبة وحقق رغم ذلك نجاحاً كبيراً ومسموعاً، هذا العام البلد فى حال أفضل والمناخ السياسى يدعو إلى التفاؤل ويشجع على النجاح. ما الإجراءات التى تم الوصول إليها للنهوض بحال السينما؟ - تم رفع دعم السينما من 20 إلى 50 مليون جنيه، وجارٍ اتخاذ إجراءات إنشاء الشركة القابضة وسيتم بناء مدينة للسينما تتضمن معامل واستديوهات جديدة.