خلية من النحل يسير العمل فيها على قدم وساق، وعلى أكمل وجه حتى نجحت فى حفر اسمها بحروف من نور فى عالم صناعة الأثاث، إنها قرية كتامة، مركز بسيون بمحافظة الغربية، القرية التى استطاعت سحب البساط من تحت أرجل الدمايطة، بفعل كفاءة منتجها ورخص سعره لتصبح رائدة صناعة الأثاث على مستوى المحافظة، والثانية بعد مدينة دمياط على مستوى الجمهورية. تتصف القرية بالعديد من الأوصاف منها: «دمياط الثانية» و«قلعة صناعة الأثاث» نظرًا لنجاحها فى منافسة مدينة دمياط، رغم قلة إمكانات أهلها وظروفهم المعيشية الصعبة لتسطر لنفسها مكانة عربية ودولية كبيرة فيأتيها الزوار من كل مكان، وعلى عكس كل قرى الريف التى تتسم بالطابع الريفى، فإن قرية كتامة تحولت إلى مدينة صغيرة بسبب كثرة انتشار المعارض بها وتتبع كتامة عدة قرى هى: شفا، قرون.، كفر نصير، مشال، كوم النجار، بالإضافة إلى عدد كبير من العزب يصل إلى 30 عزبة. المواطن البسيط وكفاءة المنتج هما كلمتا السر فى تميز تلك القرية وشهرتها، فهى توفر لكل كل أنواع الأثاث بمواصفات وموديلات عالمية بأرخص الأسعار، لتصبح قبلة الجميع يأتون إليها من كافة الدول ويتهافتون على شراء التصميمات الحديثة بأسعار لا تنافس. بدأت فكرة العمل فى هذا المجال بالقرية، حينما استثمر أبناؤها من العاملين بالخارج فى ثمانينيات القرن الماضى أموالهم عن طريق ضخها فى معارض وورش واستقدموا العمالة المهرة من محافظات الوجه البحرى، وبدأت تجارة الأثاث تتطور وتنهض فى التسعينيات حتى وصلت إلى أوجها عام 2010 وباتت القرية واحدة من أهم القرى بوسط الدلتا حيث تحتوى على ما يقرب من 2000 ورشة ومعرض فأغلب المنازل إما ورش أو معارض للأثاث. معوقات كثيرة ومشاكل أكثر تهدد صناعة الأثاث فى تلك القرية التى يعمل جميع سكانها بمهنة صناعة الأثاث حتى الموظفين والطلاب منهم جعلتهم يصرخون ويستغيثون عبر صفحات جريدة «الوفد» لمطالبة الدولة بمساندتهم للعبور من الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد وأثرت بشكل كبير على كافة القطاعات بما فيها قطاع صناعة الأثاث. المشكلة الأكبر و الأكثر إلحاحا - بحسب الحاج حمادة العماوى، من أوائل الذين أسسوا ورشة لصناعة الأخشاب فى الثمانينيات - صعوبة الحصول على الأخشاب، وعدم توفير الدولة للخشب المدعم أسوة بمدينة دمياط، مما يضطر الأهالى إلى اللجوء إلى السوق السوداء والتى تبيع الخشب بأسعار عالية تؤثر فى نهاية الأمر على حركة البيع والشراء التى شهدت طوال العام ركودا كبيرا فيما عدا الفترة التى بين العيدين وهو موسم الزواج. وأكد «العماوى» أن أسعار الخشب زادت فى الشهر ونصف الشهر الأخير بنسبة كبيرة ليرتفع سعر اللوح الأبلاكاش من 28 جنيها إلى 48 جنيها فى أقل من شهر مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار بشكل لا يدركه ولا يقبل به المشترى. وتتراوح يومية العامل فى تلك المهنة من 30 جنيها فى اليوم للصبى و100 جنيه للحرفى، حيث تستغرق صناعة الغرفة الواحدة من 15 إلى 20 يوما تزيد أو تقل حسب الخامات والتصميم المطلوب ويبدأ سعر الحجرة من 5 آلاف جنيه إلى 40 ألف جنيه، فالقرية تخاطب جميع المستويات. يشتكى حمادة على - بكالوريوس خدمة اجتماعية، أحد العاملين فى صناعة الأثاث من وعود الحكومة الوهمية فى إنشاء المنطقة الصناعية داخل القرية للأهالى، إلا أنهم فوجئوا بأن المزاد كان حكرا على محتكرى صناعة الأثاث ولا مجال لأصحاب الورش الصغيرة. وأضاف: تم تشكيل لجنة لشراء قطعة أرض من الإصلاح الزراعى، وقامت اللجنة بتحديد الأرض وتثمينها والعرض على اللجنة من الاستشاريين المتخصصين وتحديد مقابل الانتفاع، الذى يشمل أن يكون المشروع خدميا وليس استثماريا وتم الاتصال بشركة الكهرباء والمياه والطرق لتوصيل المرافق، ولكننا فوجئنا بتحويل الفكرة الأساسية للمشروع، وهى نقل الورش خارج الكتلة السكنية وتنظيف ملوثات القرية إلى مشروع تجارى على أن تباع الأراضى لمن يدفع أكثر من أصحاب النفوذ وكبار الأثرياء من خارج البلدة. وتابع: تم طرح سعر المتر ب6000 جنيه وهو مبلغ لا يقدر عليه أصحاب الورش الصغيرة، ليخرج الجميع صفر اليدين من المزاد ويتوقف حلم المنطقة الصناعية، لافتا إلى وجود أعباء كثيرة على أصحاب الورش، بالإضافة إلى أسعار الخشب منها ارتفاع يومية العمالة لتتلاءم مع ارتفاع الأسعار، وكذلك فواتير الكهرباء التى تصل إلى آلاف الجنيهات شهريا فى ورش صغيرة لا تستهلك الكهرباء بهذا الشكل. والتقط منه طرف الحديث محمد سعد - مدرس علم نفس، ويعمل فى ورشة للأثاث - قائلا: إن فاتورة الكهرباء تأتى بها أخطاء فى تقدير استهلاك الكهرباء، ويتم تدارك الأمر فى بعض الأحيان إذا اشتكى المواطن وأصر على التظلم على سعر الفاتورة. وتابع: قريتنا بلا عاطلين ولا تشتكى من البطالة، وكافة المؤهلات تعمل فى صناعة الأثاث، كما أن جميع بيوت القرية تحولت إلى ورش ومعارض، ولا يوجد أحد يجلس بدون عمل حتى الموظفين بمجرد انتهاء أعمالهم يرتدون زى العمال وينضمون إليهم بحثا عن «لقمة العيش» مشيرين إلى أن عدد العمالة الماهرة بالقرية يتراوح ما بين 15 إلى 20 ألف عامل، تتنافس على ضمهم ورش ومصانع الإنتاج بمحافظات الوجه البحرى. وناشد الصناع بكتامة المسئولين بالدولة الاهتمام بتلك المدينة الصغيرة، وتوفير ما يلزمها من أخشاب مدعومة ومستلزمات صناعة الأثاث حتى يعود بالنفع والاستفادة على مصر. فهى قرية كبيرة تستطيع أن تكون أحد الحلول فى حل المشاكل الاقتصادية فى مصر.