لا أعلم ماذا يريد السلفيون ولا أحد يعلم أى مصير يريدونه لمصر وكلما نسينا أو تناسينا تصرفاتهم وأقوالهم واستفزازاتهم لكل ذى عقل خرج أحدهم علينا بأعجوبة أو فتوى أو رأى يخاصم كل المنطق و المعارف والعرف و النحو و الصرف بل و الشريعة و السماء وجوهر الاسلام وحديث النبى «بشروا ولا تنفروا» وحديثه عن ابى هريرة «إن الدين يسر و لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا»، الأخ عبد المنعم الشحات الذى أخذته النشوى بالفوز فى انتخابات المرحلة الأولى بالاسكندرية يبدو انه قد أسكره الانتصار الذى شابته وقائع تزوير وخروقات لقوانين الدعاية ورشاوى عينى عينك ، فعقد مؤتمراً صحفياً وقف فيه شاهراً سيفه ومدلياً بدلوه كنائب مستقبلى فى البرلمان ومبدياً رأيه فى أمور السياسة و الثقافة وهذا حقه بالطبع ، فتحدث لك ما ليس من حقه أن يتكلم عن أدب نجيب محفوظ فيسىء الأدب ويقول انه أدب الدعارة و أوكار المخدرات وأن بعض رواياته فيها فلسفة إلحادية ، وهنا لابد من أن نقول لهذا الشحات قف.. من أنت لتحكم على أدب أو روايات محفوظ.. هل قرأت هذه الروايات أصلاً. هل تعلمت أصول النقد الأدبى ومناهجه ومدارسه، هل تعرف الفرق بين المقالة و الرواية أو القصة القصيرة والقصيدة؟، هل قرأت للشيخ أمين الخولى فى الأدب أو الأمام محمد عبده أو حتى سيد قطب الذى كتب أجمل وأروع دراسة عن أولى روايات نجيب محفوظ ، وكان من أهم النقاد الأوائل فى الأربعينيات وشهدت مجلة الهلال صولات وجولات له فى الأدب وهو أول من بشر ب محفوظ أديباً عبقرياً نباهى به العالم .. أيها الشحات تأدب عندما تتكلم عن أدب رموز الأدب ، أيها الشحات تعلم لغة الخطاب والحوار الثقافى قبل أن تلقى بهذا «الزفت و القار» من لسانك على إبداع من احترقوا ليضيئوا لنا الطريق ويرفعوا راية التنوير فى بلادى و يعبروا عن معاناة الناس وعن فئات المجتمع وطبقاته من القاع للقمة، إن روايات محفوظ التى تناولت مواطن الفساد أو الإنحراف فى البشر و المجتمع إنما كانت تعالج خللاً أخلاقياً أو فساداً سياسياً واجتماعياً ونفسياً، لكن من وجهة نظر فنية وهناك أكثر من ألفى جامعة كبيرة ومحترمة فى العالم تدرس أدب محفوظ باعتباره أدباً إنسانياً عالمياً يرقى فى لغته ومعالجاته الفنية إلى مستوى غير مسبوق فى كل ما كتب من تاريخ الأدب ومن يقرأ بإمعان سيلحظ أية قدرة واتت هذا العبقرى وأية موهبة جعلته ينفذ إلى المسكوت عنه وإلى اسرار النفس البشرية هذا بخلاف تأريخه وتوثيقه لكل مراحل الحياة المصرية منذ ثورة 19 فى الثلاثية و المرحلة الليبرالية المصرية (زغلول والنحاس و الوفد) ثم ثورة 52 و الستينيات ورؤية لمفهوم الحرية وحقوق الانسان (ميرامار ثرثرة على النيل الكرنك) ثم الانفتاح والسادات (أهل القمة و المذنبون .. إلخ) حتى وصل للمرحلة الفلسفية التى اقترب فيها من الحكمة وخلاصة الفلسفة ورؤيته للصوفية فى (أحلام فترة النقاهة). إننا أمام رحلة عامرة .. ثرية .. مليئة بالزخم الابداعى لواحد من حكماء الادب وفلاسفة الكلمة ، عاش راهباً ومخلصاً لابداعه وكان أول كاتب عربى تطبع من اعماله عشرات الملايين من النسخ وتضعه كبرى المكتبات العالمية فى مقدمة الصف لادباء العالم ويتنافس الدارسون على دراسة وتحليل أدبه وتتحول رواياته لاعمال سينمائية ومسرحية وعناوين لندوات وسينمارات ومناهج اكاديمية وبحثية بل إن حوالى مائة جامعة فى أمريكا اللاتينية وحدها تدرسه باعتباره أديباً مسلماً تصالح مع الآخر وبنى جسراً للثقافة والحوار مع أهل الأديان الأخرى ونفس الشئ فعلته جامعات فى شرق أسيا ونرجمته الصين باعتباره أديباً عربياً إسلامياً كما تقول الناقدة الفنية الامريكية (إيى لى) «محفوظ جعلنا نثق أن إسلام الوسطية المصرية غير إسلام الظواهرى وبن لادن» وكان ذلك بعد 11 سبتمبر التى جعلت كل مسلمى العالم فى زاوية المتهم والارهابى.. إن تصريحات الشحات هى نفسها التى قيلت قبل محاولة اغتيال محفوظ على يد صبى جاهل عندما سألوه هل قرأت رواية ولاد حارتنا فقال: لأ لكنهم قالوا لى انه كافر ولزم عليه الحد. ومن هنا أقول ان الشحات بأثر رجعى مسئول عن محاولة اغتيال محفوظ لانه ينتمى لهذا التيار الظلامى الذى انفجر منذ السبعينيات وغذاه السادات متصوراً انه سيقضى على كل القوى اليسارية و الليبرالية فأخرجه من القمقم وانقلب السحر على الساحر ، نحن لا نريد لهذا التيار أن يعود للقمقم بل نريده أن يظهر تحت الشمس وفى النور حتى نناقش أفكاره و نفندها وبالحوار وحده. لا العنف لنصل لمنتصف الطريق و للوسطية التى هى هدف أى إنسان سوى، لكن للأسف الأخ الشحات بدأها بما لا يبشر بخير هو يمثل حزب النور لكنه ابعد ما يكون عن النور، هو يريد الظلمة والظلام والعودة للعصور الوسطى حيث كان الإبداع كفراً والأدب زندقة والتفكير العقلى هرطقة ورجال الدين يوزعون صكوك الجنة والنار ويفرزون البشر هذا كافر وهذا مؤمن.. وكل هذا لا علاقة له بالإسلام .. ونحن لن نسمح لأن نعود للعصور الوسطى أو أن يتم اغتيال أديب مرة أخرى على يد جاهل بأدبه ثم الغريب أن يأتى هذا الكلام ونحن والعالم كله يحتفل بمئوية محفوظ ليفسد فرحتنا بذكراه.. أيها الشحات غير اسم حزبك من النور إلى الظلام وإلا عد لرشدك.. ولا تقترب مما لا تفهمه .. أو تعيه..!