في الوقت الذي بذلت فيه العديد من القوى السياسية والتيارات الدينية جهودا مضنية لتنظيم مليونية المطلب الواحد الجمعة الماضي وتشكيك البعض في نجاح هذه التظاهرة في اسقاط وثيقة المبادئ الدستورية، كانت هناك مليونية أخرى تتابع بكل حماس العارية المصرية «علياء ماجدة المهدي» التي بلغ زوارها في يوم واحد أكثر من 880 ألف شخص، في مدونتها على الشبكة العنكبوتية. لقد خطفت الفتاة العارية أنظار العرب من المحيط الى الخليج، كما خطفت عدسات العالم من التركيز على مليونية الوثيقة وانتقلت بسرعة الضوء إلى صحيفة «واشنطن بوست» الشهيرة وغيرها الكثير، كما رددت محطات تليفزيونية عالمية الخبر الذي نشرته بعض الصحف مرفقا بصورتها العارية ليصدقه القراء، ومعظمها اعتبر أن ما قامت به هو «ثورة» تحدث لأول مرة في العالم العربي، وقد تكون لها تداعيات في منطقة متهمة بالتطرف الديني، لأن عددا من مؤيداتها أبدين الرغبة بالظهور عاريات أيضا. وكانت الفتاة العارية قد نشرت صورة لها وهي عارية بالكامل في مدونتها الخاصة، وفي تويتر وفيسبوك، وأعلنتها ثورة تحررية «أون لاين» بقولها : فعلت ذلك «كتعبير عن حريتي»، ومما يؤكد أن جدار الحياء العربي بدأ يتصدع إعلان عربيات أخريات عن النية بنشر صورهن وهن عاريات، خاصة وأن المؤيدات كن أكثر من المنتقدات، وبعضهن وعدن بنشر صورهن «عندما يحين الظرف المناسب»، بحسب ما قالت إحداهن، وهي سورية مقيمة في ألمانيا، ومن المنتظر أن يكتظ الإنترنت عما قريب بصور العشرات من أمثال علياء. واذا كان التحرش هو السمة البارزة في الشارع المصري قبيل اندلاع ثورة يناير ووصل الى حد الخطر، ولخصته دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة في أن 83% من المصريات و92% من الأجنبيات، و72% من المتزوجات، و94% من الفتيات، يعانينه بشكل يومي، فإن الأمر بعد الثورة تجاوز الوصف حيث انتقلنا من مرحلة التحرش اللفظي والجسدي إلى مرحلة الاختطاف والإغتصاب في ظل تفشي الانفلات الأمني، كما انتقلنا كذلك من مرحلة الاغتصاب الفكري والكبت النفسي إلى مرحلة التحرر الاجتماعي والفجور الجنسي، وذلك أيضا في ظل الانفلات الأخلاقي واختفاء المشروع الثقافي بعد الثورة. الضجة التي أثارتها مليونية الفتاة العارية تتجاوز كل حدود المليونيات السياسية التي شهدها ميدان التحرير، وايضا المطالب الفئوية التي عرفتها محافظات مصر، بل أزعم أنها تتجاوز حدود المشهد السياسي في مختلف العواصم العربية الملتهبة.. إنه «الربيع الجنسي» العربي الذي وصفه مركز مساواة المرأة على الانترنت بأنه فصل من فصول الثورة الاجتماعية التي تعقب الثورة السياسية, ويأتي متأخرا نسبيا عن الأخيرة باعتباره جزءا من البناءات الفوقية, ولكن التأسيس لمسلماته القانونية والتشريعية والدستورية تأتي متزامنة مع التحول من الثورة إلى مرحلة إعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. من هنا عندما تهب رياح الثورة بالعراة وتنشر دعاة التحرر والفجور لا يتصور أحد أننا بعدنا كثيرا عن هدف العدالة الاجتماعية الذي يحاول كل منا تحقيقه.. كل على طريقته وحسب مخزون ثقافته، وإذا كان النظام السابق قد نجح في تعرية 80 % من الشعب المصري وألقى بهم في متاهة الفقر الاقتصادي ودهاليز الكبت السياسي والتمزق الاجتماعي فإن ما أصاب بعض شبابنا في أعقاب الثورة من تجاوز حاجز التحرر الفكري الى التحرر الجسدي يصب في خانة الأزمة النفسية العميقة التي باتت تضربنا جميعا ونحن نعافر من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة. والخوف - كل الخوف - أن يتحول «الربيع الجنسي» العربي الى «ثورة جنسية» على نسق الثورة الجنسية التي حصلت في أوروبا وأمريكا في مطلع الستينيات والسبعينيات متأثرة بمجمل ما حصل من تطورات صناعية وعلمية واقتصادية وسياسية وإعلامية ودينية, وكذلك متأثرة ببعض من أفكار مدرسة التحليل النفسي الفرويدي, وبشكل خاص بأحد أقطابها الممثل للاتجاه اليساري في الفرويدية وهو العالم «ويلهيلم رايخ» صاحب كتابي «الثورة الجنسية» و «الكفاح الجنسي للشباب». وتزداد هذه المخاوف اذا علمنا أن التليفزيون الاسرائيلي انكب في الآونة الأخيرة على رصد تيار التعري في الدول العربية، وتحديدا في مصر والاردن وسوريا وأفردت القناة العاشرة برنامجا خاصا لذلك التحول، وهو الأمر نفسه الذي لفت انتباه مجلة «دير شبيجل» الألمانية التي رسمت صورا فاضحة لأفكار شاذة وممارسات دخيلة على المجتمعات العربية منوة الى أن ثمة ثورة جنسية تحدث في الخفاء العربي بعيدا عن القيود والضوابط الأخلاقية الإسلامية. آن الأوان أن تركز المليونيات المتعاقبة في ميادين مصر والعواصم العربية على الجانب الاجتماعي والأخلاقي للثورة بقدر اهتمامها بالإطار السياسي، فلا أمل في ثورات وتيارات تغلب المكتسبات السياسية على المشروع الأخلاقى.. وستظل فضيحة العاريات الجدد وصمة عار أيضا في جبين المثقف المصري الذي انسحب من الساحة تماما مع اختفاء قوات وميليشيات حبيب العادلي.