هذه شهادتي أمام الله تعالى من ميدان التحرير، سأقف يوما بين يديه وأسأل عما كتبت، ولا أخشى في الله لومة لائم، والله على ما أقول شهيد. عدت منذ دقائق، ظهر الاثنين 21 نوفمبر 2011، من ميدان التحرير إلى مقر عملي في "بوابة الوفد" الاليكترونية، قضيت في الميدان ما يقرب من نصف ساعة، صليت الظهر في محطة مترو أنور السادات، صعدت إلى الميدان، العدد لا يتجاوز المئات في الميدان نفسه، معظمهم من الشباب، ولكن أي نوعية من الشباب؟. رأيت شبابا يقوم بجمع القمامة من الميدان، وهو مثال مشرف، وشباب آخر هم للأسف الأغلبية ربما لو سألت معظمه متى حصلت مصر على استقلالها من الاحتلال البريطاني فإنه لن يعلم الإجابة. الباعة الجائلون في كل مكان، المتسولون أيضا في كل مكان، رأيت سيدة تحمل لافتة مكتوب على ظهرها "مطلوب عملية ترقيع". حتى تلك اللحظة لم أر لا قنابل مسيلة للدموع ولا رصاص مطاطي ولا خرطوش ولا اشتباكات، تركت الميدان إلى شارع المعركة، شارع محمد محمود، هناك مئات أيضا من الشباب، نفس النوعية المتواجدة في الميدان، مجموعة من الصبية يقفون على مبنى تابع للجامعة الأمريكية، وقد تحطم زجاج المبنى، ومجموعة أخرى تحمل زجاجات مولوتوف، رأيتها رأي العين، وشباب وبنات لا أعلم هل هم في مظاهرة أم في رحلة. تقدمت كثيرا حتى وصلت إلى نقطة قريبة من الخطوط الأمامية، رأيت سيارة مدرعة يقف عليها جندي شرطة يطلق طلقات صوتية، بعدها انطلقت قنبلة مسيلة للدموع باتجاه المتظاهرين، حملها أحدهم وردها باتجاه الشرطة ولكنها سقطت وسط المتظاهرين أنفسهم، دخل أنفي الغاز المسيل للدموع، اختل توازني لثواني وظننت أنني سأسقط على الأرض، تماسكت وأحسست بألم شديد في وجهي وأسفل عيني، كان هناك متظاهرون يحملون متظاهرا آخر يبدو أنه أصيب بإغماء نتيجة الغاز المسيل للدموع، رأيت رجلا يحمل "بكرة مناديل" أخذت منها قطعة ومسحت بها وجهي وعيني. رأيت سيدة محجبة تصرخ في الشباب: ارجعوا إلى الميدان، بلاش حد يجرّكم للمواجهة. عدت إلى الميدان مرة أخرى لأرى نفس المشاهد، خرجت من الميدان ونزلت إلى مترو الأنفاق مرة أخرى لأذهب إلى عملي، وأنا في أقصى حالات الحزن على مصر التي تضيع على أيدي أبنائها. كلمتي إلى المصريين الشرفاء: اتقوا الله في مصر. أما أنا فأقول أنا آسف يا مصر.. أنا آسف يا تحرير.