البذل والجود والعطاء صفات مقترنة اقترانًا لازمًا بهذا الشهر الكريم؛ بما يُرَبِّيه فى نفس الصائم من الشعور بالآخرين والعطف على الفقراء والمساكين والمحرومين، وقد أشار الحديث الشريف إلى معانى المواساة، وتشتمل هذه الكلمة على كل مظاهر العطف والشفقة والدعوة إلى كفالة الفئات المحرومة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وغير ذلك من سبل الحياة الكريمة. ولذلك كان النبى صلى الله على وسلم (وهو أجْوَد الناس) أجود ما يكون فى رمضان، تعليمًا لأمَّته أن هذا شهر كريم مَنَّ به الله الكريم على المسلمين، فعليهم أن يشكروا الله تعالى على هذه المِنَّة، ومن مظاهر الشكر: البذل والإنفاق والعطاء بسخاء وكرم، يشمل كل أفراد المجتمع المسلم، فلا يبقى بين المسلمين محروم ولا جائع ولا متكفِّفٌ؛ لأن الصائم المقتدى بالنبى صلى الله عليه وسلم يكون عطاؤه كالريح المرسلة، كما كان النبى صلى الله على وسلم فى رمضان. الصيام مظهر من مظاهر الالتزام بالنظام الاجتماعى: يتجلى هذا الالتزام فى تحديد الشرع للأوقات التى يُصَام فيها والتى يفطر فيها، فكل المسلمين صائمون من أذان الفجر إلى أذان المغرب، وفى هذا تعويد للإنسان على الانضباط والتزام نظام المجتمع، فليس له أن يفعل ما يحلو له فى أى وقت يشاء حتى ولو كان ما يفعله مباحًا، فإن للمجتمع على الأفراد حقوقًا لا تقل أهمية عن الحقوق الفردية. ولقد سَرَى هذا المعنى فى المجتمع الإسلامى، فأنت تمشى فى نهار رمضان فلا تجد من يأكل أو يشرب، حتى غير الصائمين يتواروْنَ حينما يفعلون ذلك، احترامًا لهيبة الشهر الكريم والتزامًا بالنظام الاجتماعى. ومن مظاهر الالتزام بالنظام الاجتماعى فى رمضان أن الصائم يكفُّ نفسه عن الأذى بكل أشكاله، فيكُفُّ لسانه وجوارحه وقلبه. وهذا من أعظم مظاهر الالتزام بالنظام والانضباط الخلقى وحسن التعايش الاجتماعى. ولمَّا كان الصوم صبرًا؛ فإن فيه قوَّة على الجهاد، قال تعالى: (؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟) (الأنفال). وقال عز وجل: (؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟) (آل عمران). فالصيام صبر، والجهاد صبر، ومن هنا اقترن الجهاد بهذا الشهر الكريم، وكان للمسلمين انتصارات مجيدة فى رمضان: أولها فى غزوة بدر الكبرى، ثم فتح مكةالمكرمة. وكانت معركة «عين جالوت» التى انتصر فيها المسلمون على المغول فى شهر رمضان. وكذلك معركة «حطين» التى انتصر فيها المسلمون على الصليبين واستردُّوا بيت المقدس. وأخيرًا كان نصر «العاشر من رمضان» للعرب ضد اليهود. كل هذه الانتصارات فى هذا الشهر الكريم تشير إلى العلاقة الوثيقة بين الصيام والصبر والقوة والجهاد، فالذى يصبر عن الشهوات الحلال أولَى به أن يصبر على قتال عدوه المغتصب. كذلك فإن فى صيام رمضان حماية لأمن المجتمع ومنعًا لسبل الجريمة؛ فإن أكثر الجرائم تنتج عن الانسياق وراء الشهوات والأهواء، والصائم يحبس نفسه عن الشهوات، ويكف لسانه وأعضاءه وقلبه، وإذا كان الصائم رقيبًا على نفسه، وكانت الشياطين مسلسلة فمن أين تأتى الجريمة؟! وإلى هذا أشار النبى صلى الله على وسلم فى قوله: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين، وغُلِّقت أبواب النار، وفُتِّحت أبواب الجنة، ونادى مُنَادٍ: يا باغى الخير أَقبِلْ، ويا باغى الشرِّ أَقْصِرْ». ونحن نرى مظاهر عمل الخير فى كثرة البذل والإنفاق فى رمضان، والكفّ عن الشر فى هبوط نسبة الجرائم إلى أدنى مستوياتها فى شهر رمضان فى جميع البلاد الإسلامية. على هذه الأسس الإيمانية المتينة يجدد شهر رمضان روح الأمَّة، ويُقوِّى همتها، ويُحفزها إلى الخير والعمل الصالح، والعلم والعبادة، والجهاد، وتأليف القلوب، وتماسك بناء المجتمع، ووقاية المجتمع من المفاسد والشرور.