بعد حى الأسمرات، وما حدث فيه من طفرة معمارية، وتوجه جديد نحو الإحساس بالفقراء والبسطاء والمحرومين من السكن الآدمى، لن ييأس بعد اليوم سكان العشوائيات من العيش فى بيئة نظيفة ومساكن جيدة تحفظ لهم ولأبنائهم كرامتهم، فما حدث فى الأسمرات بحى المقطم، قطعاً سيتكرر فى مناطق أخرى، بعد أن أصبح نموذجاً ستطبقه الحكومة فى ملف العشوائيات الذى أرق الحكومات المتعاقبة على مدى سبعة عقود مضت. «الوفد» زارت الحى القديم الجديد، ورصدت السعادة التى ارتسمت على وجوه الكبار والصغار نساءً ورجالاً.. فالكل هنا سعيد بهذه النقلة الحضارية، أو كما قالوا لنا «كنا أمواتاً وأعادنا الرئيس السيسى للحياة».. »الدنيا اتغيرت يا باشا وبقينا على الخريطة.. وخلاص ودعنا النار إلى الجنة.. والحياة بقى لونها بمبى»، وبالغ آخر فى سعادته بالشقة الجديدة، قائلاً: «الشقة ع المفتاح والحى لا ينقصه إلا شاطئ سياحى». هنا.. 11 ألف وحدة سكنية تقرر إنشاؤها للقضاء على العشوائيات الخطرة فى مناطق الدويقة وإسطبل عنتر وعزبة خير الله.. وما إن فتح الرئيس «السيسى» المرحلتين الأولى والثانية منها.. حتى انهالت شائعات مغرضة بأن هذا ليس واقعياً، وإنما ضرب من ضروب الخيال.. وخلف هذه الشائعات والافتراءات لم يصدق كثير من المصريين أن هذه المساكن الفاخرة والمفروشة مقدماً سيسكنها بشر قضوا أكثر من نصف عمرهم بين العشوائيات، وذهب آخرون إلى أنه من غير المعقول أن يكون إيجار الشقة الواحدة فى الأسمرات 300 جنيه فقط وفقاً لتوجيهات الرئيس.. وقالوا إنها شو إعلامى للتخديم على النظام.. جولة «الوفد» كشفت أن سكان العشوائيات انتقلوا بالفعل إلى مرحلة من حياتهم التى تحولت من الجحيم إلى النعيم، فالمساكن تشبه كومباوندات القطاع الخاص، محاطة بأسوار حديدية، كى تتوفر فيها الخصوصية، كل من يدخلها ويخرج منها عبر بواباتها الخمس معروف، فالأمن هنا يتابع الجميع، وكأنهم فى فنادق خمس نجوم، حتى الشقة من الداخل تشطيبها متميز، على عكس ما يدعى الإخوان وأنصارهم.. من البوابة الرئيسية دلفنا إلى المساكن التى تبتسم لكل من تقع عليها عيناه، واجهات فاخرة ومميزة، وسط مساحات واسعة من الخضرة، والفراغات التى تتيح الخصوصية المطلوبة لمثل هذه الفئة التى حرمت سنوات من الهواء النظيف والحياة الكريمة.. تعجبت من الحراسات الأمنية المشددة حول المساكن، وجاءتنى الإجابة على لسان النقيب عبدالسلام الشناوى، رئيس مكتب مرافق المقطم الذى تصادف وجوده فى المكان قائلاً: «الدنيا هنا لسه يا باشا لم تعمر كلها.. وهناك شقق تم تجهيزها وفرشها.. ومغلقة بانتظار التسليم لأصحابها ونخشى عليها من السرقة أو الإتلاف».. قبل أن نخترق حواجز البوابة الرئيسية سألنا الحراس عن سبب المرور، وهل نحن من سكان الحى أم نتبع عمال ومهندسى الإنشاءات بالحى، وهنا كشفنا عن هويتنا وأسباب الزيارة وطلب ضابط الأمن الانتظار لحين حصولنا على موافقة بالزيارة، 30 دقيقة مرت ونحن ننتظر موافقة الأمن، فالأمور هنا تخضع لإجراءات دقيقة تظهر ملامحها على وجوه رجال الأمن، فهم حريصون على عدم مرور أى شخص إلا بسؤاله عن سبب وجوده، وبمجرد حصولنا على إذن المسئولين عن تأمين الحى توجهنا للداخل لنرصد ملامح الحياة الفعلية. كان الحى هادئاً للغاية فلم يسكنه سوى 36 أسرة فقط حتى الآن، توجهنا إلى مدينة ألعاب الأطفال وملاعب الكرة التى ظهرت خالية تماماً، ولا توجد بها آثار تحطيم لألعاب على يد بلطجية كما أشاعت مواقع الإخوان.. فى مدينة الألعاب تساءل أحد السكان ساخراً كيف يقتحم الحى بلطجية، وتوجد على بعد 100 متر فقط من الحى نقطة شرطة. أهلاً بالسكان أمام عمارة الجوهرة توقفنا لنسأل سكانها عن الحياة داخل الحى، وكيف تغيرت نظرتهم للحياة بعد أن تغير مسارها إلى هذا النحو الآدمى. اقتربنا من بدوى مهدى محمود «45 عاماً»، عامل يومية، لديه 6 أولاد، كادت الفرحة تنطق فى وجهه.. فقد تحسنت حالته الصحية على حد تعبيره، بعد أن انتقل إلى الأسمرات. وأضاف: «لأول مرة نرى الدولة تهتم بسكان العشوائيات، فمنذ أن انتقلنا إلى الحى تغيرت سلوكيتنا بصورة كبيرة، وانعكست، أيضاً، على أطفالنا، لقد ودعنا حياة العشوائية التى كنا نعيشها وسط المشاجرات والمخدرات إلى حياة آمنة ونظيفة». «تسلمنا الشقة على المفتاح»، هكذا أكد بدوى، مشيراً إلى أن الوحدات السكنية التى تسلموها من المحافظة مفروشة من جميع الكماليات بدءاً من الأثاث مروراً بالأدوات الكهربائية، ويزعم بدوى أنه غير قادر على سداد القسط الشهرى للشقة البالغ 300 جنيه، لأنه دون دخل ثابت، ويخرج صباحاً على باب الله. وعبر سليمان محمد سليمان، 50 عاماً، والملقب بعمدة الحى لكونه أكبر سكان عمارة الجوهرة سناً، عن سعادته بعد أن انتقل للأسمرات. وقال: السكان يحصلون على السلع الغذائية مؤقتاً من محلات فى عمارات صبحى حسين المجاورة لحين الانتهاء من السوق الجديد بالأسمرات، والمقرر افتتاحه بعد عيد الفطر. «كنا نعيش فى النار» بهذه الكلمات وصف سليمان حاله عندما كان يسكن بإحدى عشش منشية ناصر «فاليوم غير اليوم، حياتنا القديمة كانت كلها مشاكل ومشاجرات، والآن حياتنا هادئة وبسيطة، الأمن متواجد بصورة مستمرة، الهواء نظيف، ولا يوجد تلوث، فأحد أقاربى عندما جاء لزيارتى تفاجأ بالمكان، وأخبرنى أنه لم يكن يتوقع أن يكون الحى بتلك الصورة الجميلة، وقال إن المكان لا ينقصه إلا شاطئ. ونفى سكان الأسمرات ما أشيع عن قيام بعض البلطجية من منطقة صبحى حسين بتحطيم ملاهى الأطفال، مؤكدين أن الأمن يفرض النظام على جميع المتواجدين فى الحى. وبينما كنا نتحدث إلى بعض السكان استوقف رجل الأمن دراجة بخارية يستقلها 3 أشخاص وعندما سألهم عن هويتهم اتضح أنهم عمال بناء الوحدات الجديدة، وبسؤاله عن رخصة الدراجة اتضح عدم وجود أوراق بها، وهو ما دعاه إلى مصادرتها على الفور. سيطرة أمنية توجهنا لنقطة شرطة الأسمرات للتحقق من واقعة الاقتحام، وفوجئنا بتواجد اللواء جمال سعيد، حكمدار العاصمة، نائب مدير أمن القاهرة لقطاع غرب، واللواء عادل الزنكلونى، وكيل الإدارة العامة لشرطة نجدة القاهرة، والنقيب عبدالسلام الشناوى، رئيس مكتب مرافق المقطم، لتفقد الحالة الأمنية داخل الحى، ونفى ما أشيع عن اقتحام ملاعب الكرة وملاهى الأطفال. وأكد اللواء جمال سعيد استقرار الأوضاع الأمنية داخل الحى، مشيراً إلى أن الأمن متواجد باستمرار وتوجد دوريات منتشرة صباحاً وظهراً ومساءً وفى جميع النطاقات لمنع أى تجاوزات سواء من سكان الحى أو من الأحياء المجاورة، حيث نفى واقعة تحطيم ملاهى الأطفال، وتأكدنا بعد فحص الأخشاب المحطمة أنها فوارغ «بالتات» السيراميك ملقاة بجوار الملاعب وملاهى الأطفال. وقال اللواء جمال سعيد، إن وزارة الشباب والرياضة ستقوم بالإشراف على الملاعب وتنظيم الدورات، لافتا إلى أن عائد تأجير الملاعب سيتم إنفاقه على تحسين الخدمات داخل الحى.