إذا تأملت فى كم كبير من مكونات هذه الدنيا التى تعيش فيها، فسوف تلحظ أمرا مشتركا بين عالم الطبيعة الذى لا حياة فيه، وعالم الأحياء، إنسانا أو نباتا أو حيوانا، ألا وهو «النظام»، متدرجا من أبسط الأشكال إلى أعقدها.. فالمجتمع «نظام» كبير يضم داخله نظما للاقتصاد والثقافة والتعليم، وهكذا. والتعليم بدوره يضم بداخله نظما فرعية أخرى، مثل التعليم العالى، والتعليم الثانوى.. وهكذا. والنظام: هو مجموعة من المكونات، المتعاضدة، المتناسقة، بينها وبين بعضها البعض، نمط بعينه من العلاقات والتفاعلات، ويسعى نحو تحقيق هدف بعينه. وما اخترعه الإنسان من أجهزة مختلفة، كل منها أيضا يسير وفق «نظام» معين، مثل «الغسالة» و»الثلاجة»، والحاسب الآلى.. إلخ: كل خطوة لابد أن تؤدى إلى أخرى تليها، بكل دقة، دون تدخل من أحد، إلا فى حالة أن يطرأ عطل على حركة الجهاز. وهذا التتابع الدقيق الحتمى بين خطوات عمل كل جهاز، يجعلنا نقول بأن الجهاز «مبرمج» على كيفية تشغيل محددة. ومن هنا عندما نجد إنسانا قد تعود على خطوات بعينها فى حياته اليومية، ولا يقبل نقاشا أبدا فى أى اقتراح يطلب منه تغييرا، نصفه بأنه إنسان «مبرمج»!! فإذا قارنا بين جهازين مثل الغسالة والثلاجة، فسوف نجد أنهما، مع اختلافات جوهرية بين مكونات كل منهما، فضلا عما بين هذه المكونات من علاقات وتفاعلات، يتفقان فى أمور أخرى.. فكل منهما، جهاز يسير وفق برنامج دقيق، كل خطوة، تؤدى إلى خطوة تليها..وهكذا، بحيث يتم فى النهاية تحقيق « الهدف» المراد من كل منهما.. والهدف من الغسالة، كما هو معروف، «تنظيف الملابس»، بينما فى الثلاجة، يكون الهدف منها حفظ ما نضعه فيها من مأكولات – مثلا- فى درجة حرارة دنيا، نحددها نحن. لكن، ماذا يحدث، عندما نجد أن الغسالة قد انتهت من برنامجها، دون أن تحقق الهدف، وهو تنظيف الملابس؟ هنا، لا مفر من أن نعيد الكَرّة مرة أخرى، ومن هنا نصف طريقة العمل فى الغسالة بأنها تسير وفق طريق «خطّى»، أى وفق طريق مستقيم، أفقى، ممتد.. بينما إذا وجدنا أن الثلاجة لم «تُبَرّد» ما بها ، مثلما أردنا، نظرا لكثرة فتحها مثلا، أو إدخال أشياء ذات حرارة مرتفة نسبيا، نستطيع، بتحريك «الترموستات»، أن نصحح ما حدث، ليتم تحقيق الهدف المنشود. هنا نقول إن نظام الثلاجة من الأنظمة ذات «التصحيح الذاتى».. ومن هنا لك أن تتساءل: إلى أى النهجين ينتمى «نظامنا» التعليمى؟ من المفروض أن ينتمى إلى النظم «ذات التصحيح الذاتى»، بحيث إذا لم يحقق المطلوب منه، نجد حركة تصحيح سريعة لتصويب المسار نحو الهدف المنشود. على المستوى الصغير، حيث العملية التعليمية التى تتم فى المدارس، تنتهى دائما «بتقويم»، مفروض أن يكشف لنا عن درجة التقدم أو التأخر، وأجه الصواب والخطأ، لنقوم على الفور بالتصويب والتعديل، فهل هذا يحدث؟ الإجابة الفورية، هى بالنفى، فعملية التقويم، التى من المفروض أن تكون مثل «الترموستات» داخل الثلاجة، تتحول فى واقعنا إلى «امتحان، وشتان لدى المتخصصين بين المقصود «بالتقويم»، و«الامتحان»، قد لا يتسع المقام مع الأسف لبيانه، لكن أقصى ما يمكن ذكره، أن عناصر العمل التعليمى لها بدورها مكونات متعددة، يشكل «تعليم وتعلم» الطلاب كذا وكذا من المقررات الدراسية، أحدها، وليس كل المكونات، والامتحان عندنا هو الذى ينفرد بالقياس، أما المكونات الأخرى، فكل منها طريقته فى التقويم، لا تتناغم بالضرورة مع «مركز التقويم»، ألا وهو تعلم الطلاب. وفضلا عن هذا، فالهدف من التعليم هو التنمية الشاملة المتكاملة لشخصية الطلاب، اجتماعيا وثقافيا وجسميا ومعرفيا، ووجدانيا، ومهاريا، ولكل جانب مفرداته وطرق تقويمه، لكن التعليم عندنا يدور كله حول «الجانب المعرفى»، وبالتالى ينفرد الامتحان بمركز الاهتمام والتقويم. ونستطيع أن نقول الكثير عن مدى صلاحية الامتحان لتقويم نتائج التعلم والتعليم، مما يحتاج إلى صفحات مطولة.. من هنا تجد أن نظام التعليم يخلو من «الترموستات» التى تعين على تحقيق الهدف، وتقوم بعملية التصحيح الذاتى، حتى يتم لنا ما نبتغيه. من هنا كان لنا أن نشبه نظام التعليم فى مصر بنظام تشغيل الغسالة، الذى يسير وفق نهج «خَطّى»، لا يعاود تصحيح ذاته، عندما لا تتحقق الأهداف المرجوة منه، وطريق الإصلاح والتطوير بناء على هذا يكون بالبحث عن كيفية تشغيل النظام التعليمى وفقا لنهج الثلاجة، يملك «مكونا»، مثل الترموستات، صالحا وليس معطوبا، حتى نضمن عملية التصحيح الذاتى، فيتم لنا جنى ثمرات حلوة المذاق، وبدون ذلك سوف تمر السنون والأعوام، ويجىء هذا ويذهب ذاك من الوزراء، ولا نلمس نقلة حقيقية للتعليم إلى أمام!!