فى الماضى كانت الأفراح والليالى الملاح تقام فور جنى المحاصيل ويعتبرها الجميع فاتحة خير وكل من كان له مديونية ينتظر على أحر من الجمر هذا اليوم وكان الشعراء والفنانون ينشدون قصائد غزل فى هذه المناسبة وتبث الإذاعة الأغانى طيلة أيام جنى المحصول وكان المجتمع يتكاتف مع الفلاحين والعمال الزراعيين، والآن وبعد مرور عقود على هذا الزمن الجميل تحول يوم الحصاد إلى يوم أسود على المزارعين وذلك بعد أن وجدوا أنفسهم فى حرب مفتوحة من عدة جهات بالوكالة عن الشعب والحكومة ضد مافيا المرابين وغشاشي المبيدات وأباطرة الوكالات والتجار والجهات المسئولة لا تحرك ساكنا. «الوفد» التقت عددا كبيرا من المزارعين واستمعت إلى شكواهم، إذ يقول حسين عوض من جنوبالجيزة أن زراعة المحاصيل والخضراوات انتهت، مشيراً إلى أنهم يضطرون إلى زراعة البرسيم لإيقاف نزيف الخسائر، وأضاف: محصول القمح هذا العام أذل رقابنا للبنوك والجمعيات والتجار، فبعد الحصاد بأيام توجهنا إلى البنك لتسليم المحصول فلم يستلم منا أحد بحجة عدم وجود كشوف الحصر تحت أيديهم ومرة أخرى طلبوا منا الانتظار لتوفير النقدية فاضطررنا لتسليم الكميات للتجار بثمن يقل عن ثمن البنك ما يقرب من خمسين جنيهاً للوفاء بالتزاماتنا مع الدائنين. وقال تاجر كان يقف بسيارات إيجار محملة أمام أحد الشون الخاصة المتعاقدة مع بنك التسليف منذ عدة أيام ولم يفلح فى تسليم القمح إليهم بحجة أن البنك يطلب وجود حيازات زراعية تشرط لاستلام البضاعة، والتجار اشتروا من محافظات مختلفة ولن يستطيعوا الوفاء بهذه المطالب، ما وضعهم فى مأزق والخاسر الوحيد هو المزارع الذى مازال له طرف التاجر ثلثا ثمن البضاعة، ما جعل الجميع يدور فى دائرة مفرغة أساسها مراوغة الحكومة وتذبذب قراراتها وعدم وجود حسم لأى شيء. أما مشاكل مزارعى الخضراوات فهى أعقد وأشد رغم أن الحكومة ليست طرفاً فى عملية التسويف واكتفت هذه المرة بمقعد المتفرج كما يؤكد أحمد سنوسى أحد مزارعى البطاطس الذى يقول: لم نفق من كارثة البطاطس الشتوى التى ضربت بيوتنا ولم تنتج المحصول المأمول بسبب عيوب التقاوى المستوردة التى يجلبها تجار كل همهم الربح ولا تدرى ما هى الجهات التى تشرف على عملية الاستيراد بالضبط وما هى المقاييس التى على أساسها يتم استلام البطاطس التقاوى المستوردة من الدول الأوروبية وفوجئنا بأن الأسعار أيضاً تتراوح ما بين 85 - 95 جنيهاً للقنطار الواحد والقنطار يبلغ 7 كيلوجرامات أى أن كيلو البطاطس يتسلمه التاجر فى الوكالة بحوإلى 120 قرشاً بعد أن نقوم بعملية التقليع والتعبئة والفرز والتدريج والوزن والتحميل والتنزيل داخل الوكالات «كل هذا على نفقتا الخاصة» والتاجر يستلم الأجولة مرجحة بالموازين ولا يدفع مليماً واحداً فى جميع هذه المراحل وكل ما يفعله أصحاب هذه الوكالات هو تحميلنا كل هذه التكاليف مقابل بيعها لتجار التجزئة أو صغار التجار بمبالغ تزيد على سعر الكيلو أكثر من جنيه أى أنه يحصل على مكسب يوازى سعر الكيلو الأصلى دون أن يتكبد أية مخاطر أو تكاليف أو السهر لانتظار المياه أو رش المحصول عدة مرات بسبب رداءة التصنيع وغشها فى كثير من الأحيان لنفاجأ بأن سعر البطاطس فى الأسواق مدون عليها ثلاثة جنيهات ونصف أو أربعة جنيهات وهى فى الأصل لا تزيد على 120 - 130 قرشاً من الفلاح أى أن مراحل التسويق التى لا تستغرق سوى ساعات معدودة يحصل أصحابها على 300٪ مكسب من الثمن الذى يبيع به المزارع محصول البطاطس وهو جنيه أو أكثر قليلا فهل هذه هى العدالة التى تطلب منا أن نستمر لدعم الناتج القومى وإطعام الشعب والحكومة تتركنا فريسة لهؤلاء الجشعين الذين يجدون الأسعار دون أية آليات يرجعون إليها ويحددون الأسعار بشأنها. الموضوع نفسه يؤكده مزارعو البرتقال الصيفى مشيرين إلى أن التجار الوسطاء قاموا بجمع المحصول من الأراضى بمحافظة البحيرة وما حولها بجنيه للكيلو الواحد ليتم تسليمه للمحطات التى تقوم بعملية الفرز فى الأرض بمعرفة التجار والوسطاء وتترك لنا أطناناً نرفض استلامها بحجة أنها مرفوضة بسبب عيوب فى الحجم والتجاعيد الموجودة على الثمرة والتى تسمى «زكاروس» ويتسلم التاجر وصاحب المحطة أفضل أنواع وأحجام البرتقال الصغير داخل المزرعة بجنيه واحد للكيلو ويترك لنا كميات هائلة نضطر لبيعها بربع جنيه للكيلو ويترك لنا كميات هائلة نضطر لبيعها بربع جنيه للكيلو لتجار آخرين يطلقون على أنفسهم تجار «الفرزة» لتجدها فى النهاية تباع فى الأسواق ب 2 جنيه للكيلو الفرزة، والفلاح المسكين لا يحصل إلا على الفتات لنجد أنفسنا فى النهاية نقوم «بتقليع» الأشجار والبحث عن أى نوع آخر نزرعه يرحمنا من هذه الخسائر، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ليست لأن الأشجار لا تثمر إلا بعد ثلاث سنوات وطيلة هذه الفترة ينفق الفلاح من جيبه حتى يبدأ حصاد الانتاج، ويضيف: هذا شىء مرهق للغاية لا نستطيع تحمله فى ظل ارتفاع الايجارات وأسعار الأسمدة والمبيدات واليد العاملة. مؤكداً أن المستفيد من كل هذا التجار "جملة وقطاعى" والسماسرة، لافتاً إلى أن كل هؤلاء يلتهمون فى مرحلة التسويق ثلثى ما يحصل عليه المزارع والمواطن المطحون هو الذى يدفع باقى الفاتورة والحكومة لا تملك إلا التصريحات بتخفيض الأسعار ولا تملك ذلك. ويتابع قائلا: حتى الإرشاد علمنا مؤخراً أن موظفى الجمعيات الزراعية والارشاد الزراعى وحماية الأراضى ليس أمامهم سوى سنوات قليلة ويخرجون للمعاش ولم تعين الوزارة بدائل لهم أى أن هذه المناصب لن تجد من يملؤها بعد سنوات قليلة وبالتالى ستغلق هذه الجمعيات أبوابها أمام المزارعين الذين لن يجدوا أمامهم أى شيء يذكرهم بالحكومة.