هل نستطيع القول الآن بأن حقيقة الكشف الوهمى لنيكولاس ريفز بدأت تتكشف؟ وأننا بدأنا ندرك أن الباحث الإنجليزى باع لنا الشمس؟! أترك الإجابة لكل من ساعد «ريفز» على خداعنا، ومهد له الطريق متعلقاً فى القشة التى أخرجته من المنصب. توالت المفاجآت فى المؤتمر الصحفى الأخير الذى عقده وزير الآثار الجديد، الدكتور خالد العنانى، فى وادى الملوك، لكى يستعرض آخر المستجدات فى موضوع المسح الرادارى لمقبرة توت عنخ آمون للبحث عن حجرات مخفية تحتوى على قبر نفرتيتى. أعلن الدكتور خالد العنانى أن الموضوع برمته يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة! فأين يقف هذا الكلام مع التصريح الأول للوزير السابق بأن الرادار اليابانى أكد بنسبة 70٪ وجود كشف أثرى خلف الجدار الشمالى لحجرة دفن توت عنخ آمون؟ ثم تصريح آخر بأنه وبنسبة 90٪ يوجد كشف مثير خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون! لقد كانت تصريحات وزير الآثار السابق جديدة وفريدة من نوعها، فللمرة الأولى نجد النسب المئوية تستخدم للدلالة على وجود كشف من عدمه؟ ففى الآثار وبالنسبة للأثريين المسائل محسومة، إما كشف وإما لا شىء. وكان المؤتمر الصحفى الذى عقده الوزير السابق قبل التعديل الوزارى أمراً لا معنى له فكيف يقف وزير ليدلى بكلام علمى متخصص لا شأن له به؟! لقد تكلم الوزير عن المسح الرادارى، وأعلن أن الرادار أثبت وجود مواد عضوية ومعدنية خلف الجدران! ولم يكن بالمؤتمر لا متخصص فى الرادار، ولا تحليل البيانات، ولا الوزير مهندس رادارات ولا هو كيميائى! المهم كان مؤتمراً للاستهلاك الإعلامى والتمسك بالقشة. المفاجأة الأخرى كانت فيما قاله الدكتور عباس محمد، الخبير المصرى فى الرادار، والذى قال إن القراءات التى يسجلها الرادار اليابانى المستعمل حالياً داخل مقبرة توت عنخ آمون لا يقرؤها غير الخبير اليابانى فقط، لأنه المالك لبرنامج السوفت وير الخاص بالجهاز، واليابانيون هم المصنعون للجهاز وهم وحدهم من يملكون المعلومات المستخرجة من الجهاز؟! ومعروف أن قراءات الرادار تمرر عبر برنامج أو أكثر ليحولها إلى معلومات، وتتنوع أجهزة الرادار ويختلف استخدامها حسب العمل المطلوب تحقيقه، وهناك رادارات تبحث فى طبقات الأرض القريبة والبعيدة على حسب المدى الذى يعمل عليه الرادار. وفى الغالب يستطيع علماء الرادار تحليل بياناته وعمل خرائط بيانية للمعلومات المستخرجة، إلا فى حالة الرادار اليابانى! فأصحاب الرادار هم وحدهم من يمتلكون كلمة السر! هل يعقل هذا فى فريق يدعى أنه فريق علمى؟ يعمل داخل أعظم اكتشاف فى البشرية؟ وهل مطلوب منا أن نقول آمين، وأن نهلل بكل نتيجة يقولونها لنا؟ عندما سألت هل الرادار الذى يعمل داخل مقبرة توت عنخ آمون يستطيع تحديد نوع المواد خلف الجدران ويصنفها بأنها عضوية، ومعدنية؟ كانت الإجابة بلا!! نعود إلى الوزير السابق لنسأل: هل بالفعل كان هناك منهج علمى متبع للكشف عن صحة نظرية ريفز؟ ومع الأسف الشديد (برطع) ريفز ورفاقه بالمقبرة ولم يجدوا من يقول لهم ماذا تفعلون؟ لقد حذرت مراراً وتكراراً من نيكولاس ريفز، فله سوابق خطيرة فى العمل الأثرى، أولها أنه ونفس فريق الرادار اليابانى قاما بالمسح أمام مقبرة توت عنخ آمون، وخرج «ريفز» معلناً وجود مقبرة جديدة بالوادى، أطلق عليها اسم KV 63، ولأنه عبقرى قراءات رادارية (غير صحيح) قام برسم خريطة للمقبرة ولمدخلها ونشرها على صفحته على الإنترنت. وعندما قامت أول بعثة حفائر مصرية بالعمل فى وادى الملوك قامت بالحفائر فى الموقع الذى حدده ريفز على خريطته، وكانت المفاجأة المتوقعة بعدم وجود مقبرة أو شىء، وإنما مجرد شروخ طبيعية بالصخر الطبيعى للهضبة ولا وجود لمقابر. الغريب، بل المضحك أن ريفز لم يستحى من التمادى فى الموضوع الذى فضح أمره، فادعى أن المقبرة التى كشفتها بعثة جامعة ممفيس برئاسة العالم الراحل أوتو سادن هى نفسها المقبرة التى كشفها راداره من قبل؟! وبالطبع لم يلتفت إليه عالم آثار واحد، فهم جميعاً يعرفون السيد نيكولاس ريفز. الآن المقبرة تعانى من دهس المصورين بكاميراتهم ومصابيحهم وفلاشاتهم، ولا أحد يقول لنا ماذا حدث للمقبرة؟ وأين فريق الترميم؟ والمطالع لما ينشر سيجد عدداً مهولاً من الصور الشخصية داخل المقبرة وباستخدام الفلاش وللأسف بعضها لمسئولين عن الآثار مع وزير الآثار! لا أريد أن أستفيض فى تفنيد حجج واهية بأن موضوع وجود مقبرة للملكة نفرتيتى على غير الحقيقة يفيد مصر ويحقق لها الدعاية المطلوبة لعودة السياحة! ولكن لا بد من أن أذكر هؤلاء بأن ريفز ليس الشخص المناسب لتحقيق هذه الدعاية المزعومة، ولكم أن تشاهدوا لقاءات الرجل الذى لم أره يوماً يدعو المشاهدين لزيارة مصر ولم يقل لهم إن مصر آمنة، كل ما يعنيه تحقيق الشهرة لنفسه فقط، وقريباً أو بعيداً سيكتشف العالم أننا بعنا له الوهم، على الرغم من أننا كنا أول من اشترى الوهم. لن يلوم أحد ريفز، فمتى لام الناس النشال؟ والآن نحن ننتظر حلقة جديدة من حلقات البحث الوهمى عن نفرتيتى، حيث سيتم عمل مسح رادارى خارج المقبرة من فوقها وحولها.. وكانت الأمانة العلمية تقتضى أن يقولوا للناس إن فريق الرادار اليابانى قام بهذا العمل من قبل من ريفز عندما كان عضواً فى البعثة الإنجليزية برئاسة جيفرى مارتن، الذى لم يعطه نيكولاس ريفز خياراً سوى أن يغلق الحفائر وينهى أعمال البعثة. كذلك قام فريق للرادار الأمريكى بالعمل بالوادى من أعوام 2008 و2009، وقام بالمسح الرادارى بالمنطقة ولم يتم الكشف عن شىء. وأخيراً فإن كل المتخصصين فى تاريخ الدولة الحديثة يعلمون أن مقبرة توت عنخ آمون أعدت منذ البداية ليست كمقبرة ملكية لتوت عنخ آمون، ولكن كمقبرة لأى الموظف الكبير ونسيب البيت المالك، والذى اعتلى عرش مصر بعد وفاة توت عنخ آمون. لقد كان أى مسئولاً عن دفن توت عنخ آمون وإعداد مقبرة على وجه السرعة لدفن توت واعتلاء العرش الذى تركه توت عنخ آمون دون وريث! ولذلك قام أي بعمل التعديلات على مقبرته ومنها غلق الامتدادات التى لم ينتهى نحتها وتصغير حجم المقبرة، لكى يتم رسمها والانتهاء منها على عجل؛ بعدها قام أى بعمل مقبرة جديدة لنفسه كملك فى وادى القرود الذى هو جزء من وادى الملوك. وهذا يفسر لنا سبب الأجزاء غير المكتملة النحت بالمقبرة، أما القول بوجود مقبرة خلفية للملكة نفرتيتى، فهذا الكلام لا يمت للعلم بصلة. لماذا لم يتم الأخذ بنصيحة العالم الفرنسى كريستيان لبلان الذى مر فى عمله بمثال يشبه حالة توت عنخ آمون؟! لقد نشر لبلان فى الصحف المصرية تجربته ونصيحته للمسئولين المصريين بعدم الانجراف وراء الأوهام، وحكى تجربته عندما وجد مقبرة بوادى الملكات وبعد فحصها جيداً وجد هناك جزءاً مخفياً من المقبرة خلف جدار تم بناؤه بأسلوب يصعب على أي أحد اكتشاف وجود جزء مخفى خلفه.. المهم أن لبلان ظل يمنى نفسه بكشف مثير وبكنوز مخبأة ومقبرة سليمة لم تمس، لكن ومع أول فتحة فى الجدار خاب ظنه واكتشف أن القصة كلها لا تعدو سوى تغيير طرأ فى حجم المقبرة، فتحولت إلى مخطط أصغر من الذى كان موضوعاً من البداية. والآن نصل إلى النهاية، وما هو مطلوب من الدكتور خالد العنانى وزير الآثار، الذى نتمنى أن يتعلم من دروس الماضى ومن أخطاء غيره. لابد من تشكيل لجنة علماء صغيرة من الأجانب والمصريين المتخصصين فى الأسرة ال18 ووادى الملوك، يتم من خلالهم عمل مسح عن طريق فريقين مختلفين للرادار، لوضع حد للتهريج والبيانات الكاذبة التى تصدر، ومن خلال هذه اللجنة فقط يتم إدارة الموضوع لكى يحترمنا العالم الذى ضحك علينا عندما صرح ريفز بأن نفرتيتى مدفونة بمقبرة توت عنخ آمون، وصرح وزير الآثار الذى كان يقف بجوار ريفز قائلاً: نعم هناك كشف مثير لكنها ليست الملكة نفرتيتى؟! هذه هى شهادتى للتاريخ.