قامت الثورة من أجل بناء دولة وليس هدمها، فرحنا كثيرا بهذه الثورة وسقوط النظام الفاسد، أقامنا الأفراح في الشوارع وقلنا أصبحنا أحرار، لكن هل نعرف معني الحرية؟ وهل نستطيع أن نمارسها؟ فالحرية لا تعني أن الشخص يتمتع بكامل الحقوق من دون الواجبات، ولكنها تعني أن الشخص له حقوق وعليه واجبات، فكما يحصل الشحص علي حقوقه ويمارسها، فيجب أن يعلم ان عليه واجبات لابد أن يلتزم بها وإلا أصبحنا في فوضي. لقد أخذنا من الثورة عنوانها فحسب ولم نأخذ مضمونها أو معناها، فقام العديد من المواطنين بإقامة أكشاك لبيع السجائر، وقموا بلصق ملصقات لشهداء الثورة، وقام العديد من المواطنين بالتعدي علي الأرض الزراعية والبناء عليها بناءاً علي أننا في ثورة، الكل يتحدث عن مساؤي النظام السابق وأنه كان ديكتاتوريا والذي يتحدث بذلك هو نفسه لا يقبل الرأي الأخري، فهو ينادي بالديمقراطية ولا يطبقها. وبعد الثورة سمعت من الكلام الكثير عن البدء في نهضة البلد، والبدء في التعمير، ولكن لم أري سوي ضرب وعنف وسرقة وقتل بشكل لم نراه من قبل، رأيت بلطجة وغياب للأمن، وتصارع من أجل شئ واحد هو السلطة، لدرجة أنني تخيلت أننا قمنا بالثورة من أجل الثورة، ولم يكن لدينا هدف محدد، وبالفعل تأكد لدي هذا التخيل، وكم كنت أتمني أن أقابل أحد يعلم ما بداخلي من أحاسيس تجاه بلدي الحبيبة مصر، وكم كنت أتمني أن أري مسئولا قلبه علي هذا البلد لا لغرض ما سوي حبه لها، - وأنا أعلم أنهم كثر في هذه البلد ولكنهم كالكنز المدفون لا يجده إلا السعداء وكنت أود أن أكون سعيدا- وعاد إلي الأمل أخري حينما لمست ذلك بعض الشئ في اجتماع انعقد بوزارة العدل أروي لكم تفاصيله: "كان لدي اجتماع يوم الخميس الموافق 20/10/2011 بمقر وزارة العدل المصرية خاص ببعثة الحج مع السيد المستشار/ محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل، والسيد الدكتور/ علي جمعة مفتي الديار المصرية، وأثناء حديث السيد وزير العدل طلب منا وعينيه تذرف دمعا أن ندعي في الحج لجمهورية مصر العربية التي تحتاج إلي دعاءنا خاصة أن هناك العديد من المؤمرات الخارجية تحاك بدولتنا، وأن هناك العديد من الدول الخارجية تتربص بمصر، ولديها هدف واضح ووحيد وهو اسقاط مصر نهائيا. وتحدث بعد ذلك الدكتور علي جمعة باكياً راجياً منا ومستحلفنا بأغلي وأشرف خلق الله سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نخص بالدعاء بلدنا الحبيبة أن ينجياها الله من ذلك الغم الذي هي فيه، ومفتيا بأن ثلثي دعانا لابد أن يكون لبلدنا الغالية مصر، والثلث الآخر لنا وللأهل والأقارب". وكم كنت سعيد بعد هذا الاجتماع بالسيد الوزير والسيد مفتي الديار المصرية لما لمسته في نبرات صوتهما من حب لبلدنا الغالية مصر، ورجاء أن تمر البلد من هذه الأزمة مرور الكرام، ووجدت اخلاصا أعتقد أنه لابد أن يعيه كل مسئول في تلك الفترة العصيبة. وتحتاج مصر في هذا التوقيت إلي العديد من الأمور، فهي تحتاج إلي أن نغير من أخلاقنا إلي الأحسن، يحترم الواحد فينا الآخر، وإذا أخطا أحدنا يتعامل الآخر معها بمنطق الاحترام لا العراك واستخدام الأسلحة البيضاء وغيرها. كما تحتاج إعلاما قويا يقول كلمة الحق ولا يخشي في الله لومة لائم، إعلاما لا يتأثر بأحد، وكلمة حق أشهد بها أنه لا يوجد لدينا الآن هذا الإعلام، فالإعلام المصري دائما ما يكون مع النظام السائد، فقد كان قبل ذلك نصيرا لنظام مبارك، ثم انتقل ليكون نصيرا للمجلس العسكري، وفي الوقت الراهن هو نصير للثوار. وتحتاج جهازا أمنيا علي أعلي مستوي من الحرفية والتعامل بالقانون مع كافة الأحداث التي يكون فيها إخلالا بالأمن، نريد جهازا أمنيا يشعرنا بأن مصر كانت ولازالت بلدا للأمن والأمان. كما تحتاج قضاءاً مستقلا بعيدا عن أي مؤثرات، من غير تشاحن أو تنابز بين أفراده، فالهدف في النهاية هو الوصول إلي وضع قانون يضمن استقلال القضاء، من يضع هذا القانون ليس هو المهم، ولكن المهم هو أن يري هذا القانون النور. ونحتاج في بلدنا الغالية إلي الإهتمام بالمواطن المصري واحترام آدميته، فمصر لن تستطيع الوقوف على قدميها إلا إذا عرفت الاهتمام بكرامة المواطن، وأستعير هنا ما قاله أستاذي العالم الدكتور محمود شريف بسيوني من تدليل علي ما أقول حين ضرب مثالا لذلك بدولة إسرائيل، فذكر أنها فقدت فى حرب 73 إحدى غواصاتها قرب شواطئ الإسكندرية وظلت تبحث طوال 30 سنة عن رفات 3 من بحارة تلك الغواصة. عندما تكون للفرد قيمة تكون للدولة أيضاً قيمة. كما نحتاج رجالا لديهم مشاعر الحب والخوف علي مصرنا الغالية، نحتاج رجالا مخلصين لديهم عزيمة قوية، فاليابان ضربت بالنووي والإعصارات والبراكين، ومع ذلك فهي من أولي الدول الصناعية، ونحن قامت لدينا ثورة وأسقطت النظام ولا نستطيع أن نعيد الأمور إلي نصابها ثم نبدأ في الإنطلاق لبناء دولة متقدمة. في النهاية أقول أنني وإن شاء الله لن أترك يوما في رحلة الحج إلا قمت بالدعاء لبلدي الغالية بالنصرة والعودة لريادة منطقة الشرق الأوسط رغم أنف الحاقدين مثيري الفتن بين أبناء الشعب المصري، وأدعو كل من كتب الله له فريضة الحج هذا العام أن يأخذ بما أفتي به مفتي الديار المصرية من جعل ثلثي دعاؤه لبلدنا الغالية مصر، وبأن يدعو لمصر - في أول فريضة حج تأتي علينا بعد الثورة - أن يخرجها الله من هذه المحنه علي خير، وأن يعم الأمن والأمان علي جميع أنحاء مصر وأن يبعد عنا كل ظالم. اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. * الخبير في القانون الجنائي الدولي