بعد غياب سنوات يعود فى كامل شبابه وثوريته المخرج عادل الأعصر، ضاربا بقوة فى بحيرة الدراما التى كادت تجف أو أنها كادت تنعزل عن جغرافيا وتاريخ المجتمع المصرى. مسلسل «مملكة يوسف المغربى» نموذج صادق يكاد يكون من الأوائل - إن لم يكن الأول بالفعل - الذى يعالج قضايا المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير، من خلال رجل أعمال، والصراعات التى تدور حوله والدراما عقب الثورات باستمرار تنحاز للشارع المصرى البسيط وناس العشوائيات وهل تغير حالهم أم أنهم دفعوا حياتهم وأنفسهم إلى وهم ولم يحصدوا سوى وعود وخطب رنانة والحال يبقى كما هو عليه، والشباب لا يزال ينتظر مثلما كان ينتظر منذ نصف قرن، أما فى مسلسل عادل الأعصر فقد اختار عالم رجال الأعمال ولعله يلخص عن بعد خريطة المجتمع التى تتحرك فيها كل مفاصل الدولة وبسببها تعلو أو تهبط مؤشرات نمو الدولة - وهذا قدرنا - كاتب المسلسل اختار أيضا جانبا حساسا تدور حوله الصراعات هو مجال البترول وكواليسه، وقد برع حمدى يوسف كاتبا مبدعا يلقى بفكره فى قلوب المشاهدين فتنغرس إبداعاته وتؤتى ثمارها فى نفوسهم. حمدى يوسف كاتب عميق فى رؤيته يجتاز دائما صعاب المواقف ويختارها أبطالا لعمله الدرامى ورموزا لظلال المجتمع فنراه واقعيا إلى حد الوجع وكاشفا للخفايا بوضوح دون مواربة أو تراجع. الحق أننا لا نجد صفة نصف بها الحياة - اجتماعيا وفكريا وثقافيا وسياسيا - فى السنوات العشر الماضية - قبل الثورة أصدق من أنها كانت حياة تمهد لبناء جديد يقام عليه مجتمع حقيقي. مسلسل «مملكة يوسف المغربى» دعوة للإصلاح، ارتقب فيها شكل الدراما الاجتماعية التى تحمل مؤشر البلاغ للرأى العام وإشارة الخطر نحو هذا العالم المعقد - عالم رجال الأعمال - هذا الصراع فى هذا المجال متعدد الجوانب لكن الجوهرى فى طبيعته ومضمونه هو كونه صريحا يستمد حمايته من توحش الرأسمالية، مهما تغيرت ملامحها ومهما احتمت تحت مظلة الثورات. عادل الأعصر المخرج الواعى لأصول الدراما وقد صار بعد صراع سنوات فى هذا الحقل، أحد أميز مخرجينا، يتناول الأحداث فى هذا المسلسل، بأسلوب راديكالى مكثف تمكن من خلاله من استيعاب هذه القضية، وإظهار أميز ما فى النجوم الكبار الذين برعوا فى مشاعرهم. مصطفى فهمى فى حالة من الإبداع والترقى بعمله الذى ينحو فيه من تقلبات بطل الدراما الحياتية ما بين صعود وهبوط ومفاجآت صراعات سوق رجال الأعمال حوله. منذر رياحنة، فنان عربى له مقوماته وقدرته على النفاذ إلى قلوب المشاهدين فى بساطة وتعقيد معا. علا غانم، حالة خاصة من التشخيص، ذكاؤها يبدو أنها لا تقلد أحدا، ولا تكرر أدوارها. آمال رمزى فى هذا المسلسل تنطلق إلى خطوات ريادية وقد جسدت شخصية معقدة متقلبة المزاج والأحداث وفى كل مشهد كنا نتعايش معها بوعى ودقة وإبهار من أدائها المتسق مع النص. أحمد سلامة.. فنان كبير له رؤية يحافظ عليها ويلتزم بها أمام جمهوره وينجح فى أسرارها. أنوشكا.. متألقة تعرف كيف يحتفظ بها جمهورها. عبدالرحمن أبوزهرة.. فناننا الكبير أداؤه شامخ، لا يبذل جهدا فى إقناعى بدوره والاندماج فى الحوار.. فى كل عمل نراه فيه تجده يبتكر ويرتقى هو أحد علامات الدراما مثلما هو علامة راسخة فى مسرحنا المصرى. فاروق فلوكس.. يعود فى هذا المسلسل بدور مخيمر، إلا أننى أتمنى أن يستثمر المخرجون خبرته الطويلة ليستخرجوا من أعماقه إمكانيات فنان ذى طبيعة خاصة.