«حياة البابا شنودة الثالث مثل عنقود عنب «لا يطعمه كل من يريد» فكيف لنا أن نتجاهل أصل الشجرة عندما نتعرض لحياته» بهذه الكلمات بدأ نيافة الأنبا مارتيروس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد، ورئيس لجنة المصنفات الكنسية بالكنيسة القبطية حواره مع الوفد فيما يخص أزمة قيام البعض بتسريب بعض الأخبار عن عزمهم إنتاج عمل فنى عن حياة البابا شنودة، فإلى نص الحوار: لماذا تصرون على أخذ موافقة الكنيسة فى حالة إنتاج عمل فنى عن حياة البابا شنودة؟ - أولا: هذا ليس إصراراً بل الأصح أن نقول حق الكنيسة كمثل حق أى شخصية تدور حولها أى عمل فنى أو إبداعى، فليس معقولا أن يقوم أى شخص بإنتاج عمل فنى عن شخص آخر ليست بينهم علاقة قرابة دون أخذ إذن من أسرته. ثانيا: البابا شنودة الثالث وهذا اسمه الذى نعرفه جيدا فهوا بابا الكنيسة يعنى الرجل الأول فى الكنيسة القبطية أو نقول فى الأسرة المسيحية الأرثوذكسية القبطية وحياته كلها كانت نذرا للكنيسة وبالتالى فالكنيسة هى المسئول الأول عن الإذن بنشر تفاصيل حياته لأنها هى الأعلم ببواطن الأمور فى حياته. ثالثا: البابا شنودة كان راهبا ثم راهباً متوحداً وهنا نقف لحظة ونقول إن الراهب المتوحد هو من يختار الحياة فى عزلة تامة بمعنى انه ينفرد بذاته بين الجبال فى مغارة ما يتخذها مكانا يتعبد ويتأمل فيه، فكيف لمن سوف يكتب تاريخ حياته أن يعرف شيئا عن هذه الفترة أم أننا سوف نعمل حبكة درامية عن تلك الفترة أم أننا سوف نتجاهلها تماما؟ ولكن البابا شنودة كان شخصية عامة وبابا للمسيحيين جميعاً؟ - بالطبع تلك حقيقة فهو كان شخصية محبوبة من الجميع، سواء داخل مصر أو خارجها، ولكن هذا لا يعطى لشخصيته معنى العمومية الشاملة، وأكثر أوقات حياته كان يقضيها داخل الكنيسة بل إن حياته كلها كانت للكنيسة، بل إن أصعب الأوقات التى كان يتعرض لها قداسته بحكم مكانته كبابا كانت أيضا تدور فترتها داخل الكنيسة وهنا لى سؤال: كيف يمكن لأى شخص خارج الكنيسة أن يعرف تفاصيل التحفظ بدير الانبا بيشوى التى تعرض لها البابا شنودة؟ أو الفترات التى كان البابا يعتكف خلالها فى الدير؟ ما مبررات البابا عندما يلجأ إلى قرار الاعتكاف؟ هل سوف يقوم مؤلف العمل الابداعى بعرض الموقف وكأنه لى ذراع للدولة مثلما كان يتردد من المتربصين للدولة والكنيسة، أم سوف يكون تفسيره أنه لجوء إلى الله والصلاة بالتدخل لحل الأزمة فى محبة وسلام، أم أنه سوف يعرض وجهتى النظر وهنا يكون كمثل من لا يعلم بشىء وأفتى فيه، وهذا مرفوض قطعا؟ّ! ولكن كانت مواقفه وكلماته مذاعة عن تلك الفترة؟ - البعض منها وليس كلها أو تفاصيلها وكانت كلمات عابرة، وتحديدا مثل تلك الحادثة وغيرها لى كلمة هنا، هناك فترات فى التاريخ عموما تكون فيها العلاقة إما فاترة أو حميمة بين الجميع بما فيها علاقة الدولة بالكنيسة ولذلك ففى خلال الفترات الفاترة التى مرت وانتهت وعبرناها جميعا بخير وسلام ونحمد ربنا على وضع بلدنا الحالى فما الضرورة فى أننا نفتح ما فات من فترات ربما كانت فاترة أو حميمية ولسنا جميعا نعلم بتفاصيلها كاملة فما بالك بمن هو خارج الكنيسة تماما فكيف له أن يعرف معطيات القرارات التى كانت الكنيسة تأخذها فى هذا الوقت فكيف سوف يقوم بسردها؟ أم أنه يتعرض لمثل تلك المواقف بحبكته الدرامية لزوم العمل الإبداعى ويعرض وجهتى النظر ويقول فلنترك المشاهد ويقرر هو ما يفهمه وهنا فإنه قد تدخل بشكل سلبى فى حياة شخص نكن له جميعا بكل حب واحترام، بل إنه سوف يكون كمثل من وضع السم فى العسل! ولكنكم أصبحتم متهمين بمعاداة الإبداع؟ - كان للبابا شنودة كلمة جميلة جدا كان يقول «نحن نعيش فى عالم ملىء بالثنائية الخير والشر»، تلك الكلمة هى التى تفسر لنا كيف نقرأ هذا الموقف فهو ليس ضد الإبداع نهائيا بل إن من يقول إننا ضد الإبداع فانه لا يعلم شيئا عن الكنيسة وأقولها تلك مزايدة على الكنيسة، وخذ أكثر من دليل على هذا مثلا هناك أفلام مسيحية كثيرة جدا تم إنتاجها عن قديسين وشهداء فى تاريخ الكنيسة، مثال آخر أذهب إلى المهرجانات التى تقيمها الكنائس والتى يتم من خلالها اكتشاف مواهب كثيرة جدا فى مختلف المجالات الإبداعية كلها، نأتى لقصة البابا شنودة وهو رأس الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية وحامى عقيدتها الأرثوذكسية فأعتقد أن الأمر يختلف تمام ولا يمكن أن نسمى اعتراضنا هذا موقفاً ضد الإبداع. شىء آخر لابد أن أوضحه هنا، الإبداع نابع عن المسئولية فبقدر معرفتك بمسئوليتك تجاه مجتمعك سوف يكون إبداعك، وربما يختلف قدر الإبداع من مجتمع لآخر، وخذ مثالاً، فى الغرب الإبداع لديهم تجاوز كل شىء الدين والأخلاق، فربما تكون فكرة العمل قائمة على التحرر الأخلاقى أو الدعوة للمثلية أو الإلحاد وإنكار يوم الحساب الإلهى للبشر، فهل هذا هو الإبداع الذى يطالب به البعض؟ إذا كان كذلك فلماذا ينكرونه عندما يتعرض للأمور الدينية لدينا ونكون نحن فى البداية أيضا قبلهم فى معارضته؟ كما أن الإبداع لا ينكر حق الملكية الفكرية وإذا خرج هذا العمل دون الرجوع للكنيسة فهو إنكار لأول مبادئ الإبداع. الاعتراض المباح ماذا تقصد بكلمة حامى عقيدتها الأرثوذكسية؟ - البابا شنودة عندما جلس على كرسى البطريرك ال 117 للكنيسة الأرثوذكسية المصرية فهو يعتبر رأس الكنيسة والمسئول عن حماية العقيدة مع أعضاء المجلس المقدس، وبالتالى فكل كلمة تخرج من فمه فى مواقفه فإنها تعبر أيضا عن عقيدته الأرثوذكسية المسيحية، فكيف لشخص ربما كان خارج تلك العقيدة أو ليس ملما بها يستطيع فهم أقواله وكلماته فربما يأتى بما يشبه كلمته وهنا نقع فى خطأ مهم جدا وهو التعرض للعقيدة وبالطبع سوف يكون دون قصد لعدم معرفتهم بعقيدتنا فلذلك طلبنا مراجعة أى نص عن حياته. أضف إلى هذا أن شخصية البابا شنودة تحتوى شقين الأول ديني والثانى دوره الوطنى الذى لا ينكره الجميع، ولا يمكن أن نفصل بين الشخصيتين أو أننا نقدم شخصية واحدة دون الأخرى، وهنا يبرز السؤال: من هم الذين يستطيعون أن يقدموا شخصية البابا شنودة الدينية بحقيقتها هل المبدع أم رجل الدين؟ هذا بخلاف ما تحدثنا عنه سابقا فى كيفية عرض مواقف البابا الوطنية وظروف كل مرحلة. هل نيافتكم ضد أن يقوم شخص مختلف معكم عقائديا بتجسيد شخصية دينية؟ - نحن لا نعترض على الأشخاص بل على النص، أما عن فكرة الشخص فأنا أتحدث عن رأيى الشخصى وليس رأى الكنيسة دعنا نكون صادقين مع بعضنا، كيف لشخص ينكر معتقدك أو مختلف معك فى عقيدتك أن يكون قادرا على تجسيد شخصية دينية فى قامة البابا شنودة الثالث؟ كيف يمكن أن يتكلم عقائديا عن شخص السيد المسيح طبقا لإيمان المسيحيين؟ وكيف يمكن أن يعطيك الشعور بروحانيات معتقدك بتجسيده تلك الشخصية؟ البابا شنودة يطلق عليه معلم الأجيال أو ذهبى الفم الثانى، تلك ألقاب لا تطلق اعتباطاً بل لما يمثله هذا الشخص من حكمة فى فكره تخرج فى كلمات بسيطة تعبر عن إيمان. وما موقف الدولة المتمثل فى جهاز المصنفات الفنية؟ - منذ فترة عرض علينا نص عن حياة البابا شنودة الثالث وبعد أن قمنا بمراجعة أقل من ربع النص فوجئنا بالمسئولين عنه يقومون بسحبه بحجة أن البابا شنودة شخصية عامة وهو بابا كل المسيحيين والكنيسة ليس لها دخل فى هذا النص وهنا نتوقف ونسأل أنفسنا سؤالاً مهماً: لماذا قاموا بعرض النص علينا مسبقا إذا كانت تلك حجتهم أم أن هناك سبباً آخر يسحبون النص؟ بعد ذلك قمنا بإرسال خطاب لجهاز المصنفات الفنية نطالبه فيه بعرض أى نص عن حياة البابا شنودة علينا قبل الأذن له، وفوجئنا برد الجهاز بأنه لم يصل إليهم أى نص ثم بدأ البعض خلال الفترة الماضية بترديد أقاويل عن عمل فنى عن حياة البابا. ما موقفكم تجاه ما تردد عن قيام دير الأنبا بيشوى بإنتاج عمل عن البابا شنودة باسم الراعي؟ - بالفعل علمنا بهذا وراجعنا المسئولين هناك فى الدير وكانت لنا بعض الملاحظات على العمل، ولكن هناك شىء مهم بخصوص فيلم «الراعى» فحتى لو تم إنتاجه فانه يعرض علينا أولا وهو من إنتاج دير الأنبا بيشوى بمعنى أن الدير ورهبانه مسئولون أيضا عنه، يعنى النص هيكون عليه مراجعة من داخله ومن طرفنا أيضا، فالقائمون عليه هم أبناء الدير، رهبان يعرفون جيدا العقيدة المسيحية الأرثوذكسية، أضف إلى ذلك أن هذا العمل يدخل ضمن الأعمال الدرامية المسيحية مثله مثل أفلام كثيرة جدا تم إنتاجها بمعرفة أديرة آخرى وبمعرفتنا، فهم يعرفون جيدا ما ينتجونه كما أن الجمهور المستهدف منه معروف جيدا، وهذا يختلف نهائيا عن عمل ينتجه من هو خارج الكنيسة عن شخص كان يمثل رأس الكنيسة. ما موقفكم تجاه من يقوم بإنتاج عمل دون أخذ موافقتكم؟ - أبلغنا الجهات المختصة بضرورة مراجعتنا لتلك النصوص ووجدنا تفاهما كبيرا ووعدونا بذلك، أما إذا أنتج أى من هذه الأعمال فأعتقد انه من حقنا كأسرة له أن نطالب بحقنا باعتبارنا الجهة المنوط لها بأن تعطى إذناً باستخدام البابا فى عمل فنى. كلمة أخيرة؟ - أعتقد أننا فى مصر حاليا نعيش فترة لا تسمح لنا بمثل هذه المهاترات التى ربما يتخذها البعض وسيلة لترديد أقاويل غير صحيحة أو محرفة يفهمها البعض كما يحلو له فى صورة عمل فنى ثم يتهم غيره بأنه ضد الإبداع.