فى كتابه «عمان والعالم: بزوغ سياسة خارجية مستقلة»، لجوزيف كيشتشيان، يقول إن السياسة الخارجية العمانية تقوم بمهارة بتحقيق التوازن بين المصالح والتسامح مع الاختلاف، وتبحث بإصرار عن المنافع المتبادلة وإبقاء الأبواب مفتوحة حتى أثناء النزاعات. واعتبر أن عمان بهذا تنزع إلى مسار مستقل وخاص فى السياسة الخارجية على خلاف كثيرين من جيرانها الذين تأثروا بالأبعاد الأيديولوجية عندما صاغوا سياستهم الخارجية. ويضيف الكاتب أنه توصل من خلال كثير من المقابلات التى أجراها مع مسئولين عمانيين كبار بما فى ذلك السلطان قابوس بن سعيد، إلى أن العنصر الواضح على الدوام فى السياسة الخارجية لعمان هو براجماتية السلطان قابوس، فهو قائد لا يبالغ فى قدرات بلاده ولا فى نوايا الدول الأخرى تجاهها. كما أنه لا يستبعد الأعداء السابقون كشركاء محتملين أو المبادرات الجريئة التى تخدم الأهداف طويلة الأجل التى تؤمن الاحتياجات السياسية والاقتصادية والعسكرية لعمان. لذا فقد أرسى السلطان عدة مبادئ فى سياسته الخارجية كعدم التدخل فى شئون الدول الأخرى واحترام القانون الدولى والالتزام بسياسة عدم الانحياز، واعتماد الحلول السلمية للمشكلات. ودلل على ذلك بالقول بان السلطان قابوس لم يأخذ جانب أى طرف فى الحرب العراقية - الإيرانية، بل بذل جهودا جبارة لجلب البلدين إلى طاولة التفاوض. إذن فالحياد عملة عمانية يمكن الاستفادة بها فى حل كثير من النزاعات الإقليمية بل الدولية، وهو ما أحسنت القوى الكبرى استخدامه فى التوصل إلى اتفاق نووى مع طهران، إذ شهدت العاصمة مسقط اجتماعات سرية بين ممثلين عن مجموعة الدول الست وإيران، مهدت للتوصل إلى حل نهائى. ولعل الحياد الذى أبدته «مسقط» فى التعامل مع الأزمة اليمنية التى اندلعت بسيطرة المتمردين الحوثيين شكل من أشكال الحياد السياسى الذى تتبناه سلطنة عمان، حتى تعطى لنفسها فرصة فى أن تلعب دور الوسيط المقبول من جانب جميع الأطراف عندما تحين ساعة الحقيقة ويقبل الجميع بالجلوس إلى مفاوضات سلام. وتعول دوائر سياسية فى المنطقة دورا كبيرا على السلطنة فى لعب دور فعال وإيجابى فى حل للأزمة السورية خاصة مع علاقاتها القوية بإيران والسعودية اللتين لا حل للأزمة بدون التوافق بينهما. وربما بدت إشارات لهذا الدور فى زيارة قام بها يوسف بن علوى وزير الخارجية العمانى لدمشق فى شهر أكتوبر الماضى، وكانت الأولى من نوعها لمسؤول خليجى رفيع المستوى لسوريا منذ بدء الأزمة فى 2011، وكان قد سبقتها قبل شهرين زيارة وزير الخارجية السورى وليد المعلم لمسقط، وهى الأولى لبلد عربى منذ تجميد عضوية سوريا فى جامعة الدول العربية. وأكد وزير خارجية سلطنة عمان خلال الزيارة حرص بلاده على وحدة سوريا واستقرارها، مشيرا إلى أن بلاده مستمرة فى بذل كل مسعى ممكن للمساعدة فى إيجاد حل ينهى الأزمة. وفى هذا الشأن، قال نائب رئيس جمعية الصحفيين العمانيين سالم بن حمد الجهورى، فى تصريح لموقع قناة «الحرة»، إن هذه الزيارة تأكيد على ثقة الدول الخليجية والغربية فى عمان وإمكانية لعبها دور الوساطة لحل الأزمة. وأشار الجهورى إلى أن عمان قد تلعب دورا شبيها بالدور الذى لعبته خلال المحادثات بشأن الملف النووى الإيرانى، لأنها على حياد تام فيما يخص الحرب فى سوريا. ومع رغبة القوى الدولية فى إيجاد حل للازمة السورية، يتوقع أن تكون هناك زيارات سرية وعلنية إلى مسقط للاستفادة من الثقة والمصداقية التى تتمتع بها كوسيط محايدة لحل الأزمة.