أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة حكماً في 23 مارس/آذار 2016، قضى بتنفيذ عقوبة السجن 40 عاماً على زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراديتش. وكاراديتش موقوف في سجن المحكمة في لاهاي منذ أن ألقيَ القبض عليه مُتخفياً بزي طبيب في حافلة ركاب بتاريخ 21-7-2008 في بلغراد. المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، أنشأت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 827 تاريخ 25-5-1993، ومهمتها محاكمة مرتكبي الجرائم التي حصلت في يوغوسلافيا السابقة بين العامين 1990 و1995. خصوصاً تلك التي أرتكبت بحق مُسلمي البوسنة. وقد حدد نظام المحكمة صلاحياتها، وقد نصَّت على ملاحقة الذين شاركوا أو ساهموا في القيام بأعمال إجرامية، أشارت إليها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقاتها في عام 1977، لاسيما أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وأعمال تهديم المُنشآت المدنية والثقافية والدينية، وبطبيعة الحال، كل الأعمال الإجرامية التي تُصنف على كونها جرائم ضد الإنسانية، خصوصاً منها الاغتصاب، وقتل الأطفال، وتجويع السكان المدنيين. كاراديتش، كان زعيماً لصرب البوسنة، قاد الأعمال العسكرية التي قام بها الصرب ضد مُسلمي البوسنة بين العامين 1992 و1995، وحاصر مدينة ساراييفو 44 شهراً، مانعاً إدخال الطعام والشراب إلى السكان الآمنين. أما الأعمال العنصرية التي ارتكبها كاراديتش، فلا تُحصى، كونه أشاع جواً من الكراهية العرقية ضد مُسلمي البلاد، ودعا إلى إبادتهم علناً. قبل صدور الحكم، قال رئيس المحكمة القاضي ادغون كون: إن كاراديتش كان الزعيم الوحيد الذي باستطاعته منع المجزرة المُروعة التي أرتكبت بحق الذكور من المُسلمين في سريبرينيتسا، وذهب ضحيتها 8 آلاف رجل أعزل من مسلمي البوسنة. الحكم على كاراديتش، أشار إلى ارتكابه جرائم ذات طابع دولي، منها إبادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. وقال الحكم: ان كاراديتش كان قادراً على منع تنفيذ جرائم بحق المُسلمين، لكنه لم يفعل، وقد أثبتت الوقائع، أنه كان قائداً ذا سلطة واسعة على الميليشيات الصربية التي كان يتزعمها؛ وبالتالي فهو مسؤول عن الكثير من الارتكابات التي قامت بها هذه الميليشيات. ولعل البارز في مُندرجات الحكم الدولي: أنه أشار إلى استخدام كاراديتش لجنود حفظ السلام الدوليين كدروع بشرية، أمام الضربات الجوية التي نفذتها طائرات حلف شمالي الأطلسي على قواته. وتلك الفعلة، تًشكلُ انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني. أهمية المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، كما المحاكم الجنائية الدولية الأخرى إنها لا تأخذ بالحصانات التي تلحظها القوانين الداخلية للشخصيات الرسمية وللرؤساء. فالقانون الدولي الجنائي - لاسيما بنود اتفاقية روما لعام 1998 - تتعامل مع ارتكابات الأشخاص الطبيعيين مهما كانت مسؤولياتهم، وهي لا تراعي أي امتيازات دبلوماسية، أو رئاسية، وهذا الموضوع، هو الذي يفرِّق القضاء الجنائي الدولي عن القضاء الجنائي المحلي في أي دولة. فالرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش توفي في سجن المحكمة الدولية في لاهاي، قبل أن تنتهي محاكمته، والرئيس الليبيري السابق شارل تايلر موقوف خلف قضبان سجن المحكمة الدولية الدائمة في عاصمة القضاء الدولي - لاهاي. الأمين العام للأُمم المُتحدة بان كي مون قال: «إن صدور الحكم على كاراديتش يعتبر يوماً تاريخياً للعدالة الدولية». وبيان الأممالمتحدة الذي رحب بقرار المحكمة، ذكر أن الحكم يحمل إشارة واضحة إلى كل الذين يرتكبون جرائم دولية، وكل الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يفلتوا من العقاب: إن يوم الحساب آتٍ. وهؤلاء لا يمكنهم تجاوز عزم وإرادة المُجتمع الدولي على تحقيق العدالة، والاقتصاص من المُجرمين مهما طال الزمن. في التأكيد الدولي على أهمية تحقيق العدالة، مجموعة من الرسائل الموجهة إلى قادة سياسيين وعسكريين في أكثر من دولة. منهم مَن سيطالهم حكم العدالة بواسطة المحكمة الدولية الخاصة بجرائم رواندا، ومن خلال المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي تنظر في جرائم سيراليون ودارفور وليبيا. صحيح أن التكاليف المالية للمحاكم الدولية باهظة جداً - وعلى سبيل المثال كلفت محاكمة كاراديتش ورفاقه ما يناهِز ال 200 مليون دولار - لكن ذلك لن يحول دون متابعة الملاحقات بحق المُرتكبين، لأن العالم بدأ يضيقُ ذرعاً بالجرائم التي يرتكبها المحميون في دولهم، أو الذين لا يمكن أن تطالهم يد العدالة المحلية. دخول دولة فلسطين في عضوية المحكمة الدولية الدائمة، لابد أن يؤدي إلى الاقتصاص من مجرمي «إسرائيل» على وحشيتهم، يوماً ما. كما أن دعوة لجنة حقوق الإنسان الدولية لإحالة الجرائم التي ترتكب في سوريا إلى المحكمة الدولية، لا بد من أن تتحقق عاجلاً أو آجلاً. نقلا عن صحيفة الخليج