الأعلى للجامعات يمنح مركز أعضاء هيئة التدريس بجامعة الزقازيق رخصة تدريب معتمد    طارق سعدة في عيد الإعلاميين : الإعلام المصرى يلعب دورا كبيرا لتشكيل وعى المواطنين    أخبار مصر: أبرز رسائل الرئيس السيسي لكبرى الشركات الصينية.. حقيقة تقليص حصة المواطن من الخبز المدعم على البطاقات التموينية، وانطلاق امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية غدا    رغيف عيش    الدفاع المدني بغزة: انتشال عشرات الشهداء بعد انسحاب الاحتلال من جباليا    مرصد الأزهر يدين الهجوم الذي وقع صباح اليوم في ألمانيا    أنشيلوتي يحث لاعبيه على التعامل مع المخاوف والقلق في نهائي دوري أبطال أوروبا    دوري أبطال أوروبا.. اللقب الخامس عشر لريال مدريد أم الثاني ل بروسيا دورتموند ؟    أجواء شديدة الحرارة واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس السبت بالدرجات    تأثر محمود الليثي لحظة وداع والدته لمثواها الأخير    صوت بلدنا    اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    المفتي: عدم توثيق الزواج الجديد للأرامل للإبقاء على معاش المتوفى يُعد أكلاً للمال بالباطل    أسامة الأزهري: لو أخذنا الإسلام من القرآن فقط فلا وجود للإسلام    حسام موافي يوضح خطورة انسداد قناة البنكرياس    عصام خليل: الحوار الوطني يناقش غدا آليات تحويل الدعم العيني لنقدي    سماع دوي انفجارات بمناطق شمال إسرائيل بعد إطلاق 40 صاروخا من جنوب لبنان    النيابة تامر بأخذ عينة DNA من طالب التجمع الأول المتهم باغتصاب زميلته وإنجابها منه    المصرى للشؤون الخارجية: زيارة الرئيس السيسى لبكين تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون    تغطية.. نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين 2024    الصحة: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة تحت شعار 100 مليون صحة    صحة دمياط: ضبط 60 كيلو من سمكة الأرنب السامة قبل وصولها للمواطنين    780 شاحنة مساعدات في انتظار الدخول عبر رفح    19 منظمة دولية تحذر من مجاعة وشيكة في السودان    "الأونروا" تحذر من اكتظاظ مخيمات النازحين بغزة ونقص اللقاحات والأدوية    عربية النواب: تصنيف إسرائيل ل أونروا منظمة إرهابية تحد صارخ للشرعية الدولية    21 الف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    بعد علمه بمرضه... انتحار مسن شنقًا بالمرج    نمو الاقتصاد التركي بمعدل 5.7% خلال الربع الأول    حصاد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في أسبوع    إعادة افتتاح مسجد نور الإسلام في إطسا بعد صيانته    "يتضمن ملاعب فرعية وفندقا ومستشفى".. الأهلي يضع اللمسات الأخيرة لحفل توقيع عقد إنشاء الاستاد    ضبط المتهم بتسريب أسئلة الامتحانات عبر تطبيق "واتس آب"    وصول جثمان والدة المطرب محمود الليثي إلى مسجد الحصري بأكتوبر "صور"    عمرو الفقي يعلق على برومو "أم الدنيا": مصر مهد الحضارة والأديان    مرة واحدة في العمر.. ما حكم من استطاع الحج ولم يفعل؟ إمام وخطيب المسجد الحرام يُجيب    ضمن مبادرة كلنا واحد.. الداخلية توجه قوافل طبية وإنسانية إلى قرى سوهاج    وزيرة التعاون: تحقيق استقرار مستدام في أفريقيا يتطلب دعم المؤسسات الدولية    بالشماسي والكراسي.. تفعيل خدمة الحجز الإلكتروني لشواطئ الإسكندرية- صور    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    "العاصمة الإدارية" الجديدة تستقبل وفدا من جامعة قرطاج التونسية    طارق فؤاد والفرقة المصرية يقدمان روائع موسيقار الأجيال على مسرح السامر    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    اعتماد 34 مدرسة بالإسكندرية في 9 إدارات تعليمية    ماذا يقال عند ذبح الأضحية؟.. صيغة مستحبة وآداب يجب مراعاتها    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    ميرور البريطانية تكشف عن بديل نونيز في ليفربول حال رحيله    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    خالد أبو بكر يقاطع وزير التعليم: بلاش عصا إلكترونية باللجان.. هتقلق الطلاب    الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف محيط مسجد في مخيم البريج وسط قطاع غزة    تامر عبد المنعم ينعى والدة وزيرة الثقافة: «كل نفس ذائقة الموت»    اتحاد الكرة يكشف أسباب التأخر في إصدار عقوبة ضد الشيبي    منتخب مصر يخوض ثاني تدريباته استعدادًا لمواجهة بوركينا فاسو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد رجب فيلسوف السخرية وصانع البهجة
نشر في الوفد يوم 12 - 01 - 2011

أحمد رجب .. سيد الصحافة الساخرة وسلطانها .. من اشتهر بالبخل في كلماته والإسراف في معانيها، من نأتمنه كل صباح على حقنا في الضحك فيغتصب أحزاننا ويشارك بحرفية في صنع بهجتنا. هو من تخبيء له كل طلعة شمس ما يفضح أشواقنا ل (نص كلمة)، نتقاسمها فتتضاعف دهشتنا من نفوذ البساطة والتفرد في البلاغة..
أما (الفهامة) فلها فلسفة خاصة في فن الضحك، لم يستطع أحد تقليدها، أو الوقوف على سرها الذي يحتفظ به كاتبنا ولم يطلع عليه أحد.
عطاؤه المميز كان سببا في ترشيح جامعات سوهاج والفيوم والإسكندرية لكاتبنا الكبير لجائزة مبارك في الآداب لهذا العام.
وصل أحمد رجب إلي هذه المكانة عبر سنوات طويلة كان فيها صوتاً للأغلبية الصامتة من العمال والموظفين والطبقة الوسطي، لأنه كان يعبر باختصار عن آرائهم، انتقد البيروقراطية والادعاء والنفاق بكتابة ساخرة لا تهدف لإثارة الضحك، بل تنتقد بشكل لاذع ومكثف كل ما يضايقهم.
ثنائي البهجة
اخترع عدداً من الشخصيات تفوق في رسم ملامحها مع مصطفى حسين ما زالت تقوم بأدوارها في الحياة إلى اليوم، بعد أن أطلق لها العنان لتتجول في شوارعنا وتحتمي بمؤسساتنا وتجلس على مقاهينا وتنام تحت أسقف بيوتنا، ومازالت يُضرب بها المثل إذا أراد أحد التعبير عن أوضاع مقلوبة.
ومن أبرز هذه الشخصيات المنافق عباس العرسة في الحكومة والسياسية، وعبد الروتين للبيروقراطية، وعبده مشتاق لانتظار المنصب بأي ثمن، ولا يمكن أن ننسي ديالوجات عزيزبيه المليونير المنعزل مع الكحيت المدعي، وكمبورة السياسي الفاسد وجنجح البرلماني الجاهل الغبي، وعقدة واضع الامتحانات وقاهر التلاميذ.
كان عباس العرسة رمز النفاق الذي يراه أحمد رجب أكبر أعداء الإنسان يقول: عن هذه الشخصية: لوكانت الحيوانات في حدائق الحيوان تنافق الإداريين فيها لقرأنا في حركة الترقيات أن القرد رقي إلي نمر، والنمر إلي أسد، والأرنب إلي ذئب!
أما أشهر الشخصيات التي قدمها أحمد رجب فشخصية فلاح كفر الهنادوة الكاريكاتيرية الذي يعبر بدقة عن الشخصية المصرية الصامتة المسحوقة والصابرة ولكن في سكوتها بلاغة، أراد بها أن يعبر عن الفلاح المصري المطحون وعما يدور في ذهنه وما يثار من تساؤلات في المجتمع، فيظهر بطاقيته الشهيرة المائلة علي صلعة لامعة وبلسان لاهث وعيون ذكية يجلس أمام المسئولين لينقل لهم ما يحدث في كفر الهنادوة وكأنه يحكي لهم مشاكل مصر .
وقد جعل أحمد رجب هذا الفلاح يحاور الرئيس مبارك، ود. عاطف صديقي رئيس الوزراء الأسبق، ود. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري، وكل رؤساء الوزارات ووزرائها المتعاقبين.. لينقل لهم تساؤلات الشعب عن أحلامه وآماله اليومية من وجهة نظره البسيطة.
حضرة صاحب الحصانة
وعندما أراد أن يعبر عما طرأ من تغييرات علي الشارع السياسي والاجتماعي والتجاري في مصر في عصر الانفتاح اخترع شخصية حضرة صاحب الحصانة كمبورة بيه، أراد بتلك الشخصية أن يعبر عن هؤلاء الأثرياء الذين كانوا يحسبون علي الصعاليك قبل عصرالانفتاح، مما أثر بالسلب علي منظومة الأخلاق والقيم في المجتمع.
فكمبورة يتحدث بألفاظ عصر الانفتاح مثل الأرنب، الباكو، التمساحة والخنزيرة، كما أن الناس في نظره مجموعة من الكروديات والبلهاء الذيدن مكنوه من أن يتحول من مجرم صعلوك إلي مجرم وجيه ذي جاه وسلطان، وقد فات أوان محاسبته أو استعادة الحقوق منه بعد أن أصبح ذا حصانة يسعي للفوز في الانتخابات بأي ثمن وبأي وسيلة، حتي لو كان عن طريق الادعاء بانتمائه إلي أصول طيبة من والديه اللذين أطلق عليهما "سيدي مدحت والسيدة رشا. "
وعندما بحث بين ثنايا فكره عن شخصية تعبر عن فكرة التطلع الطبقي والسخرية منها اخترع شخصية الكحيت فهو يرتدي ثوباً به ثقوب، بينما يحمل بين أصابعه سيجارته باعتزاز كبير جداً وكأنه ملياردير،
فالكحيت شخصية سلبية تماماً وتصرفاته أقرب إلي أحلام اليقظة والتطلع الطبقي، غير أنه لا يبذل أي جهد إيجابي أو يخطو خطوة واحدة عملية في اتجاه تحقيق تلك الأحلام، بالإضافة إلي أن تطلعاته الكبيرة قد تدفع به إلي جريمة إذا أتيحت له فرصة تحقيق ثراء سريع.
أما شخصية مطرب الأخبار فقد اخترعها أحمد رجب للتعبير عما وصل إليه الفن الغنائي من تدهور، فهو مطرب له رأس تمساح وشعر مجعد ويقف ممسكاً بعوده، وقد أراد بتلك الشخصية الكاريكاتيرية أن يقول للمستمعين إن الغناء لم يعد يتطلب صوتاً مميزاً أو لحناً جميلاً إنما فقط قدرة المطرب علي فرض نفسه لا غير.
وشخصية عبده مشتاق أراد بها أن يعبر عن ظاهرة الأشخاص الطامحين للسلطة الذين دوما يحلمون بتقلد منصب وزاري، وعلي الرغم من استعداداتهم الدائمة كلما سرت شائعة بتغيير وزاري هم دوماً مستبعدون.
مسرحية مضروبة
وكما استطاع أحمد رجب أن يثبت تفوقه في رسم هذه الشخصيات فقد استطاع أيضا إثبات تفوقه من خلال سخريته التي لاحقت الجميع ومقالبه وقفشاته التي لا تنتهي .
ولا يزال مجتمع الأدباء والنقاد يذكرون واقعة حدثت منه نال فيها منهم، وتهكم عليهم بما يكفي ليخلصهم من عقدة الخواجة بعد أن لقنهم درساً عظيماً
استطاع أحمد رجب في أقل من ساعة واحدة جلس فيها إلي الورق أن يكتب مسرحية باسم "الهواء الأسود" دفع بها إلي مجلة الكواكب في مارس 1963 باعتبار أنها من إبداع المؤلف العالمي "داورين ماك"،
وطلب من أربعة نقاد كبار هم: عبدالفتاح البارودي، ورجاء النقاش، وسعد أردش، وعبدالقادر القط، رأيهم في قيمة العمل.. فتلاحقت تعليقاتهم تشيد بها إشادة قوية حتي إن البعض اعتبرها إضافة إلي التراث المسرحي، فيما كان من أحمد رجب إلا أن نشر تحقيقاً بعنوان "فضيحة الموسم.. أنا المؤلف الأوحد لمسرحية الهواء الأسود" وكتب عن عقدة الخواجة في العمل الأدبي .
احتوت المسرحية علي جمل وعبارات غير متناسقة وغير مترابطة ولا حتي تؤدي إلي معني مفيد، ودارت أحداثها حول 3 شخصيات بأسماء غريبة مبتكرة، سخر أحمد رجب من خلالها من تيارات العبث واللامعقول التي انتشرت في ذلك الوقت.
بينما صدق الجميع أن المسرحية تنتمي لهذا التيارا واتفقوا علي أنها تنتمي لأعمال "داورين ماك" بالفعل، فكتب سعد أردش عنها يقول: إنها رواية عالمية، وبالغ عبدالفتاح البارودي وهو يشير إليها قائلا هذه هي الدراما ، في حين وصفها د. عبدالقادر القط بأنها تعبر عن مأساة الإنسان في القرن العشرين، واتفق معه في الرأي رجاء النقاش الذي رأي أنها تشرح بوضوح أزمة الإنسان المعاصر .
وكانت الصدمة هي الشعور الطبيعي بعد إعلان أحمد رجب بأن المسرحية من بنات أفكاره ، اكتشف النقاد الكبار أنهم تعرضوا لمقلب من صناعة قلم يجيد صناعة المقالب وهو ما أثار حفيظتهم، ولكن خديعة أحمد رجب للنقاد الأربعة تثبت لنا أنه يمتلك مواهب متعددة من بينها كونه كاتباً مسرحياً عالمياً وبشهادة النقاد.
ظلت هذه الواقعة محل اهتمام عدد كبير من الأدباء ممنم علقوا عليها علي صفحات الجرائد مثل توفيق الحكيم الذي اعتعبرها مقلباً لطيفاً في حين قال إحسان عبدالقدوس: "أتمني أن يصر النقاد علي رأيهم ويرفعوا أحمد رجب إلي منزلة الكتاب العالميين".. في حين قال صلاح عبدالصبور: "إن ده أعظم عمل نقدي للنقاد"."
هكذا هو أحمد رجب.. لا يمكن تكراره.. يقلد من يشاء حتي ولو كان كاتباً عالمياً، ولكن من المستحيل أن يوجد كاتب واحد في العالم يستطيع تقليده.
نقلا عن مجلة آخر ساعة (بتصرف)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.