«بقعة ضوء»، «Spot Light»، الفيلم الفائز بأوسكار أحسن فيلم عام 2016.. قد يرى البعض أنه فيلم غلب فيه الحوار على السيناريو، وأن هناك أعمالا كانت تستحق الأوسكار عنه، ولكن بالنسبة لى هو تحية خاصة جدا لعالم الصحافة الاستقصائية المندثرة حاليا بشكل كبير، والتى كادت أن تختنق مع انتشار صحافة الأخبار الخفيفة.. حصل فيلم (بقعة الضوء) على جائزة الأوسكار عن فئتي أفضل فيلم وأفضل سيناريو، وحصلت تحقيقات جريدة «البوسطن جلوب» التي دار حولها الفيلم على جائزة «البوليتزر» عام 2003، كلتا الجائزتين هما أكبر إنجاز قد يحققه أي عمل في مجالي السينما والصحافة عالميًا، وهذا ما جعل المؤلف يدق نقوس الخطر محذرا ومنبها: «أن الصحافة الأمريكية في وضع مُقلق هذه الأيام، فتُعاني الصُحف من استرجاع أعداد كبيرة من إصدارتها، بل ويُعاني العاملون من مشكلة التسريح من وظائفهم».. وأهم ما فى هذا العمل أنه يدور عن قصة حقيقية، ف «Spot Light» تعني «الضوء الكاشف» وهى عبارة عن وحدة تحقيق اخبارية متواجدة منذ أوائل السبعينيات تابعة ل«جلوب» العالمية. حيث يمكن أن يمضوا أشهر وربما سنوات كاملة في التحقيق في قصة واحدة ومعرفة أسرارها وخباياها. ولأهمية ما يفعلونه ليس مصرحاً لهم بالكشف عما يحققوا فيه لأي شخص حتى لو كانت زوجة أو فردا من العائلة أو حتى صديق مقرب. ولقد تم إنتاج فيلم وثائقي من قبل هذا الفيلم بعنوان «جرائم الجنس والفاتيكان» في عام 2006، من قبل ضحايا الاستغلال الجنسي من قبل رجال الدين الكاثوليك وتضمن الفيلم الادعاءات الواردة والموجهة ضد الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان بأن جميع مزاعم الاعتداءات الجنسية تم إرسالها إلى الفاتيكان بدلا من السلطات المدنية المختصة، وثبت من خلاله إن ثقافة السرية والخوف من الفضيحة هي التي أدت بالأساقفة إلى وضع مصالح الكنيسة الكاثوليكية قبل سلامة الأطفال. وثبت أن الكنيسة ليست فقط فشلت بالاقرار أن هذه مشكلة خطيرة ولكن أكثر من ذلك، كانت معرقلة لوقف الاعتداءات الجنسية التي تجري داخل الكنيسة. وبذلك فإن المجهود الذى فعله هؤلاء الصحفيون كان يجب الإشادة به من خلال دراما متميزة ظهرت فى فيلم «بقعة ضوء». خاصة أن تلك التحقيقات أدت الى استقالة الكاردينال برنارد لُوْ، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن، بعد الكشف على استغلاله الأطفال جنسيا من قبل قساوسة كاثوليك في أبرشيته. ووجهت الابراشية هناك حوالي 450 قضية قانونية تدعي استغلال أطفال جنسيا، ولقد كشف هؤلاء الصحفيون أن قسا تحرش بصبي في السابعة عشرة من عمره على مدى 21 ليلة متعاقبة بينما كانوا يتجولون في أنحاء المقاطعة، وأن الكنيسة دفعت 200 ألف دولار لأسرة شاب يدعى أن القس استغله جنسيا. ولقد جاءت نقطة الذروة فى الأحداث عندما طلب مدير تحرير جاء حديثاً للفريق بإيقاف القصة التي يعملون عليها مؤقتاً من أجل قصة فضيحة لإحدى الكنائس الكاثوليكية فى بوسطن. الآن عليهم ليس فقط الوصول للحقائق في هذه القصة واثبات ذلك في المحكمة ولكن أيضاً تحقيق أسبقية على الجرائد المحلية الأكثر انتشاراً فى بوسطن... و«Spot Light» فيلم فاضح لعملية الإخفاء المنظم من قبل الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن لعقود طويلة، على ما يقرب من مائة من الكهنة الشواذ جنسيا من خلال مجهود أصحاب الصحافة الاستقصائية المتمثلين فى أشخاص أربعة صحفيين في صحيفة «جلوب» أمضوا ما يقرب من عامين بشق الأنفس للتحقيق فى تلك القصة. وتم رسم الشخصيات والاحداث بعناية فائقة من خلالهم لكونهم يعرفون الطريقة المثلى للتنقل بين القوى المختلفة المسيطرة على القضية بمنتهى المرونة والمهنية... يضع فريق التحقيقات في الصحيفة كشف هذه القضية نصب عينيه، ويعمل أفراده على جمع المعطيات، ولكنهم سرعان ما يُواجَهون بالعقبات التي يخلقها رجالات المجتمع المرتبطين بسلطة الكنيسة، وحين تختلط العقبات ببعضها، ويمسك الصحفيون ببعض الأدلة الثابتة، يعيش هؤلاء في مواجهة قاسية بين الواجب المهني ومشقاته وتفاصيله الأخلاقية، وبين صوت الأنا المجتمعية التي ترى أن السكوت على هذه الانتهاكات المشينة بحقِّ الأطفال، يوفر على الجميع عناء خلخلة النظام السائد والذي يتواطأ الجميع على عدم المساس به، وفي الوقت الذي كان هؤلاء يعملون فيه على قضيتهم تقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001، ما يزيد من صعوبة العمل على إنجاز التحقيق، وسط بيئة تعيش اضطرابات الصدمة وترى في الدين دريئة للدفاع عن الذات والمجتمع. ولقد استطاع المخرج وكاتب السيناريو توماس مكارثي أن يخلق جوا من الحميمية بين المشاهد وأحداث الفيلم فى محاولة لمساندتهم فعليا فى تحقيق الانجازا، ليكمل بذلك سلسلة أفلامه المميزة منذ بدأ نشاطه سنة 1992. كما أنه من الفائزين بجائزة بافتا. ومن أهم أعماله «الإسكافى» وفيلم «فوز فوز الزائر».. وساعد على الإحساس بتصاعد الاحداث الموسيقى التصويرية للمؤلف الموسيقى هوارد ليزلي شور الحائز على (الأوسكار) لأفضل موسيقى تصويرية، الجولدن جلوب والجرامي. هو فنان موسيقي تصويرية كندي واختصاصي أوركسترا و«محاكي موسيقي» conductor. اشتهر كونه مؤلف نوتات الموسيقى التصويرية لأفلام من قبيل اللعبة من بطولة مايكل دوجلاس العام 1997 وثلاثية سيد الخواتم للأعوام (2001، 2002، 2003)، «صمت الحملان» من بطولة أنتوني هوبكنز 1991. كما أنه مؤلف نوتات الموسيقى التصويرية معظم أفلام المخرج الكندي ديفد كروننبرج. كما أنه مؤلف لأعمال أوبرالية مثل أوبرا «الذبابة» The Fly في 2008، والموسيقى التصويرية، فيلادلفيا، إد وود، سبعة، دوجمة، غرفة الذعر، المغادرون، الطيار والأخير منحه جائزة الجولدن جلوب. ويبقى فى النهاية أن الفيلم يعد بمثابة عمل يؤكد أن العمل الصحفى الحقيقى كاشف للفساد قادر على القفز بين النيران لتخليص العالم من الشر؛ بالجد والمثابرة وهو عمل لا يعد تحية خاصة لأشهر تغطيات فريق (بقعة الضوء)؛ للتحقيقات الاستقصائية في جريدة «بوسطن جلوب»، أصحاب تحقيقات المصحات العقلية والسجون في الولاياتالمتحدة، وإنما لكل من يقوم بهذا النوع الجاد من الصحافة الحقيقية.