منذ بداية الثورة وكل عيد أم يمر علينا نذهب لنقابل أمهات الشهداء اعتقاداً منا أن هؤلاء آخر أمهات الشهداء وأنهن من سنعيد عليهن كل عيد أم، إلا أن كل عام تتغير الأسماء وتختلف الوجوه والأسباب ويبقى المشترك الوحيد ناراً تحرق قلوبهن على فلذات أكبادهن اللاتى سهرن عليهم وعملن بكل جهد لديهن ليوفرن لهم كل سبل الراحة والأمان.. ويعلمنهم أحسن تعليم ويستثمرن فيهم كل تعب السنين.. وفى غمضة عين ينقلب حلم العمر وفرحته للألم المر وحسرته.. لكن كان هناك دائما شىء مشترك يجمع بينهن...فعندما كنا نذهب لأم الشهيد نجدها هادئة صامتة تمسح دموعها برضا وابتسامة.. فنقول إنها الصدمة.. وسيليها الانهيار.. لكنهن يبقين صامتات، صابرات وراضيات بقضاء الله وقدره.. ولكن لسن مستسلمات بل العكس.. قويات.. يتحولن من أم البطل لبطلات يرفعن الراية التى كان يحملها أبناؤهن ليكملن الطريق ويصلن لهدف حلم به ابن العشرين الذى جعلته بطموحها يظن أنه قادر على تحقيق آماله بأن يصبح وطنه كباقى بلدان العالم المتحضر وأن يصبح شعبه دائما عالى الرأس. شهداء الوطن يرحلون عنا جسدا، ولكن يبقى شذا شهادتهم يفوح في أرجاء الوطن، وتبقى وجوههم الملائكية في ذاكرتنا أينما ذهبنا.. هذا ما شعرنا به عند لقائنا مع الحاجة سعاد والدة «محمد أبو شقرة» شهيد الأمن الوطنى وكان ضابطا متخصصا في عمليات الإرهاب الدولي والحاصل على أعلي الاوسمة والتدريبات القتالية واستطاع أن يتفوق على أكثر من 120 ضابط صاعقة في مسابقة أقيمت في الاردن وفاز فيها الشهيد بالمركز الأول. فالضابط الذي لقي مصرعه في مواجهة أمنية مع عناصر خطرة، في مدينة العريش، هو الذى أطلق الشرارة الأولى للاعتراض على حكم الإخوان، محمد أبو شقرة كان من اكفأ 10 ضباط مقاتلة في وزارة الداخلية، كان دائم الصلاة ومحباً للأطفال ولم يكن الشهيد متزوجا ولكنه تكفل بطفل يتيم اسمه عبد الله ووعده بأن يكون في المستقبل ضابط شرطة. بكلمات تقطر حزنا وألما تروى الحاجة «سعاد» والدة الشهيد محمد عن مواقفه وأعماله فكان الشهيد رحيما بكبار السن والمحتاجين ويوزع بنفسه في رمضان الشنط الرمضانية على الفقراء وكان يجلس على الارض مع كبار السن في دار المسنين ويأكل معهم في خلق وادب وتواضع....وكان عندما يأتى عيد الأم يقبل يدى ويأخذنى الى أفخم المحلات لشراء الهدية وكان يشترى لى الحقيبة والحذاء ويعطينى مبلغ 500 جنيه أيضا فى حالة رغبتى فى شراء شيء آخر. وأضافت والدة الشهيد: كان دائما يتصل بى تليفونياً من العمل للاطمئنان على والتأكد من اننى تناولت طعامى...كان ابنا حنونا وشديد الوطنية وكان يخفى على دائما أمر المأموريات التى يذهب اليها حتى لا أقلق عليه...وبالرغم من ان مرتبه كان ضعيفا الا أنه لم يكن يبخل على أبدا ويقول لى: يا ماما كله من خيرك...كان يتمتع بطيبة القلب التى ليس لها مثيل والعيد من غيره ليس له طعم، وتختم والدة الشهيد حديثها قائلة: الله يرحمك يا محمد ويصبرنى على فراقك. جيكا فى القلب والتقينا بالحاجة فاطمة والدة «جيكا» مؤسس صفحة «معا ضد الاخوان المسلمين»، والذى نزل للميدان ليحتفل بفوز محمد مرسى فى انتخابات اعادة رئاسة الجمهورية فى شارع محمد محمود لكنه لم يكن يدرى ان دقات قلبه التى نبضت بفرح زائف بانتصار الثورة يوما ستنتهى فى نفس الشارع وفى عصر نفس الرئيس الذى احتفل بفوزه. تقول والدة «جيكا» الذى استشهد وهو فى السابعة عشرة من عمره: فى مثل هذا اليوم كان ابنى عندما يستيقظ يأتى الى مباشرة ليأخذنى فى حضنه ويكون هو أول من يقول لى: كل سنة وانتى طيبة يا ماما...ويسألنى نفسى فى ايه كى يشتريه لى، ويلح على فى السؤال حتى أخبره بما أريد. كان يفتكرنى دائما فى كل المناسبات...ولا يتحمل أبدا غضبى منه. ابنى كان أغلى حاجة فى حياتى وستظل ذكراه دائماً خالدة فى قلبى. ذكرى خالدة والتقينا بالحاجة نجوى والدة الشهيد الرائد طارق أسامة – وهى تقول: إن طلقة رصاصة غادرة خرجت لتستقر في قلب ابنى وجعلته يرحل عن دنيانا، لكن روحه ستظل باقية بيننا لتذكرنا بمدي التضحية التي قدمها من أجل الوطن.. لقد أصر علي البقاء في قسم شرطة شبرا الخيمة وهو يحترق دفاعاً عنه مهما كلفه الأمر وربما كانت حياته قصيرة لكنها تركت أثراً كبيراً. وتحكى والدة الشهيد عن ابنها قائلة: كان نموذجاً لضابط الشرطة الشريف الذي كان يواجه الفساد وقد سبق أن تم تكريمه بعد أن كشف كثيراً من قضايا الفساد، كانت حياته سلسلة من الكفاح من أجل الوطن لقد اغتالته الأيدي الآثمة وهو يدافع عن قسم الشرطة لآخر لحظة في حياته. كان عطوفا ومحبا للحياة وكان دائما يتذكرنى فى الأعياد ويشترى لى أغلى الهدايا ويصطحبنى فى عيد الأم الى أفخم الفنادق ومازلت محتفظة بالهدايا التى اشتراها لى....ربنا يصبرنى على فراقه، وتختم حديثها بقولها: لن أنساك أبدا يا «طارق» حتى أفارق الحياة وألحق بك». إحساس بالرضا وختمنا لقاءنا بأم الشهيد الملازم محمد عبد العزيز الضابط بقطاع الأمن المركزي، الذى استشهد متأثرا بإصابته بطلقات نارية بالصدر، خلال تعامله في فض اعتصام ميدان النهضة. وتقول: إن إبنى ظل يعالج في لندن لمدة شهر تقريبا، ولكنه فارق الحياة، ونال الشهادة كما تمناها...لم يكن ينسانى أبدا فى عيد الأم وبالرغم من ضعف مرتبه الا أن كان حريصا على شراء الهدايا لى منذ صغره، وكان عندما يأخذ أية حوافز من العمل يصر على اعطائى مبلغا من المال وكان اذا شعر بتعبى أثناء غيابه فى العمل يقوم بالاتصال بأخته تليفونيا ويحثها على أن تأخذنى للطبيب. كان «محمد» مرتبطا جدا بعائلته ويقضى معظم إجازته معنا فى البيت، ان قلبى راضٍ عنه ليوم الدين...حسبى الله ونعم الوكيل فيمن حرمنى منه.