رغم أن كل المؤشرات والوقائع على الأرض والأحداث التي لا تهدأ تؤكد أن المواجهة بين الدولة المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين» في تصاعد، وأن التنظيم يعاني أزمة داخلية وهزيمة حقيقية رغم ما يلقاه من دعم من دول تناصب مصر العداء وجهات كانت ترى في «الإخوان» طرفاً يمكن التعامل معه إذا استمروا في حكم مصر ووسائل إعلام لم تتوقف عن بث كل ما يسيء إلى نظام ما بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، إلا أن موسم الحديث عن المصالحة عاد من جديد. وما بين مؤيد ومعارض، أو متفائل ومتشائم، بدا أن بعضهم يعتقد بأن الأزمة تكمن في طرفين هما الحكم و «الإخوان» من دون أن يقدر ردود فعل أطراف أخرى مهمة وفاعلة ومؤثرة، أهمها على الإطلاق الشعب المصري نفسه. انظر إلى الجهات التي تروج للموضوع، ولا تتوقف عن الحديث فيه، ستدرك أنها إما «إخوانية»، أو متعاطفة مع الجماعة، أو كارهة لنظام الحكم الحالي في مصر، حتى وإن أنهت الحديث في الأمر بالإيحاء بأن «الإخوان» أنفسهم يرفضون المصالحة، أو يضعون شروطاً صارمة وتعجيزية، منها أن تتم المصالحة بعد جلوس محمد مرسي مجدداً على المقعد الرئاسي. في هذا الإطار يمكن فهم صدور انتقادات من جهات «إخوانية» تجاه فكرة المصالحة ذاتها. بالنسبة إلى الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي يقود هذه المرة «حملة المصالحة»، فلا فائدة من التشكيك في نواياه أو الهجوم عليه أو البحث في ماضيه وربط بعض ما فيه بإصراره على المضي في محاولة إقناع الطرفين بالتصالح. ولا جدوى هنا من اصطياد بعض العبارات التي وردت على لسانه، في لقاءاته التلفزيونية في قنوات «إخوانية»، لمحاولة إثبات أنه مُغرض، أو يسعى من وراء الحملة إلى «تلميع الإخوان»، أو إظهار نظام الحكم بأنه متعنت أو متعالٍ، أو معادٍ لخصومه السياسيين. فالرجل لعب قبل عقدين من الزمن دوراً رئيساً في المصالحة بين «الإخوان» والأميركيين والأوروبيين، والقصة مشهورة ومعروفة وقتلت بحثاً، وهو تحدث فيها كثيراً، بل يفخر بإنجازه المهم فيها. و «الإخوان» أنفسهم أقروا بها واعتبروها تطوراً طبيعياً لحضورهم على الساحة المصرية في عقد التسعينات من القرن الماضي، والديبلوماسيون والحقوقيون الغربيون سردوا تفاصيل اللقاءات وما جرى فيها، وربما العودة إلى بداية تلك اللقاءات في النادي السويسري في القاهرة يفسر كثيراً من مواقف الأطراف الفاعلة الآن، بل يكشف حقائق حول سياسات الغرب تجاه ما جرى في مصر أثناء 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وبعدها. إذاً الأمر لا يتعلق بالنوايا وإنما بالواقع والمنطق والحقائق على الأرض، وكلها تؤكد أن الحديث الموسمي عن المصالحة لن يفضي إلى تحقيقها، لأن كل المعطيات تشير إلى أن المواجهة المتصاعدة لن تنتهي قبل أن يرفع أحد الطرفين راية الاستسلام أو الانكسار. بالنسبة إلى الرئيس المصري، فآخر تصريح له عن الأمر جاء ضمن إجابة على سؤال في حوار تلفزيوني أشار فيه إلى أن موضوعاً كهذا «يخص الشعب المصري». وطوال فترة حكمه، وحتى قبلها، يصف السيسي «الإخوان» بأنهم «أهل الشر»، ولا يفرق بينهم وبين التنظيمات الراديكالية مثل «أنصار بيت المقدس». وفي أسفاره ولقاءاته مع قادة العالم يداوم على انتقاد سلوك الغرب باعتبار «الإخوان» جماعة غير مسلحة، كما أن أجهزة الدولة تتعامل مع «الإخوان» باعتبارها جماعة إرهابية. وهنا يأتي السؤال. كيف سيواجه السيسي كل هذه الأطراف وأي خطاب سياسي سيتبناه إذا ما قَبِلَ بمصالحة مع الجماعة؟ ناهيك بالطبع عن موقفه تجاه أسر شهداء الشرطة والجيش والأهالي من المصريين الذين فقدوا ذويهم في مواجهات مع «الإخوان»، أو بسبب الحالة التي فرضها التنظيم على الساحة المصرية؟ صحيح أن المصالحة ستوقف استنزاف «الإخوان» للدولة وأجهزتها، وستهدئ الأوضاع في الشارع، وتعيد الاستقرار إلى المجتمع، ما يسهم في إنعاش الاقتصاد وتحسينه. لكن الثمن هنا سيكون باهظاً، إذ سيُمكِّن الجماعة من استعادة قوتها بسرعة، وحضورها في الشارع بكثافة، ومن ناحية أخرى سيدخل الحكم في صدامات مع جهات مؤيدة له تفوق في أعدادها وتأثيراتها أعداد «الإخوان» وتأثيرهم. نعم السياسة لا تعرف المواقف الثابتة، وتتغير فيها القرارات والإجراءات بحسب المصالح والظرف التاريخي وموازين القوى. لكن الواقع لا يشير إلى أن مصلحة ستتحقق للدولة إذا وافق الحكم على مصالحة مع «الإخوان»، كما أن الظرف التاريخي لا يصب في ذلك الاتجاه. أما موازين القوى فلا مجال لمقارنة بين دولة بثقل مصر وجماعة حكمت وفشلت... وتسعى إلى الثأر. ؤنقلا عن صحيفة الحياة