هل تعاملت مصر مع النانو تكنولوجى بالصورة المناسبة التى تغير من الواقع الزراعى المؤلم الذى تعيشه؟ فتلك الحبيبات السحرية التى تختزن بداخلها مبيدات حشرية وأغذية للنبات، قادرة على مكافحة الآفات الزراعية ورصد أماكن تواجدها داخل الحقول الزراعية، لتقلل الفاقد فى المحاصيل وتنقى التربة من العناصر التى تعيق امتصاص النبات للعناصر الغذائية وتعزز دفاعاته أمام الأمراض والتغيرات الجوية والجفاف. فتكنولوچيا «النانو» ستحدد فى السنوات القادمة تقدم الدول فى خارطة النمو الاقتصادى، خاصة فى مجال البحوث الزراعية والغذاء، فمصر هبة النيل وسلة الغذاء قديما باتت صاحبة المركز الأول فى استيراد القمح، رقعتها الزراعية تتقلص، تعتمد على أساليب قديمة فى الزراعة ورغم أن كل شىء قابل للتغير بمختلف مراحل الحياة، فإن أساليب إنتاج المحاصيل كما هي لا تطرأ عليها تغيرات. فمركز البحوث الزراعية لم يقف كغيره من المؤسسات فى صفوف المتفرجين بل مازال مستمرا فى إعداد الدراسات الخاصة بتكنولوجيا «النانو» الأخضر لإنتاج أفضل المحاصيل الزراعية الخالية من الأضرار الكيماوية أو المواد الحافظة وأقل تكلفة وثمناً. عندما أعلن «فاينمان» عن تنبئه بتقنية «النانو تكنولوچى» بدأت الدول الكبرى فى ضخ ملايين الدولارات من أجل تطوير أبحاثها فى هذا المجال حيث وصل تمويل اليابان لدعم بحوث «النانو تكنولوچى» الى بليون دولار ووصل عدد علماء الولاياتالمتحدة الى 40 ألف عالم لديهم القدرة على العمل فى هذا المجال. وقد ظهرت فى الآونة الأخيرة الكثير من الدراسات والأبحاث التى تناولت إدخال «النانو» فى المجال الزراعى حيث ظهرت إيجابيات مبشرة، حيث أمكن استخدام الأسمدة فى التسميد الزراعى كبديل للأسمدة التقليدية وبأسعار تنافسية تسهم فى تطوير القطاع الزراعى خاصة أنها تقنيات آمنة وتتميز بالسلامة البيئية. «نانو» الأسمدة تحتل مصر المرتبة السادسة عالميا فى إنتاج الفوسفات باحتياطى يبلغ 3 ملايين طن حيث تنتج 6 ملايين طن سنويا، تتعرض مصر الى خسائر فادحة نتيجة تصديره فى صورة خام، وباعتبار الفوسفات أحد أهم الأسمدة الزراعية استطاع مركز البحوث الزراعية من إنتاج «النانو مترى» من الفوسفات حيث يعد ثورة علمية كبرى فى المجال الزراعى، فرقعة مصر الزراعية والبالغ حجمها 8٫5 مليون فدان تحتاج الى ملايين الأطنان من الفوسفات، فالفدان الواحد يستهلك من 150 الى 600 كيلو فوسفات يتراوح سعر الشيكارة من 50 الى 60 جنيها وهو ما يعنى أن فاتورة استهلاك الفوسفات فى العام الواحد 2 مليار ونصف المليار، وبدخول تقنية «النانو» فنحن فى مواجهة قوية مع مافيا الأسمدة المستفيدة من اعتماد الفلاح على الزراعة التقليدية وعدم انحيازها الى التطور العلمى، حيث يحتاج الفدان الواحد من 2- 10 كيلو فوسفات فقط يتراوح سعر الكيلو من 12-15 جنيها فقط وهو خسارة لاصحاب مصانع الأسمدة. دكتور طاهر صلاح الدين مدير مركز «النانو تكنولوچي» بمركز البحوث الزراعية يرى أن تكنولوچيا «النانو» فى الزراعة لن تنحصر فى إنتاج المحاصيل فقط بل تبدأ من مياه الصرف الزراعى وإعادة معالجتها لاستخدامها مرة أخرى الى جانب مياه الآبار خاصة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان فنحن نسابق الزمن لاستخدام التكنولوچيا الحديثة فى زراعة الأراضى الجديدة، وإنتاج سلالات قادرة على مواجهة ارتفاع درجات الحرارة والعطش. ويكمل طاهر حديثه قائلا: ونحن فى المركز استطعنا إنتاج «نانو» فوسفات وتجرى الأبحاث على اليوريا والبوتاسيوم حاليا حيث أثبتت الأبحاث الأثر المدمر للأسمدة على التربة وهنا تجدر الإشارة الى استخدام «النانو» فوسفات بنسبة قليلة ولن تؤثر على التربة بل ترش على النباتات الى جانب مساهمتها فى زيادة صادرات مصر من الخضراوات التى يرفضها الخارج بسبب زيادة نسبة الفوسفات بها وعلى صعيد المبيدات فنتجه لإنتاج مبيدات تعمل على المكافحة الطبيعية باستخدام مركبات الكربون والسليكا والجرافيين والزنك. ويؤكد «طاهر» أهمية تنفيذ ما تم الانتهاء منه من أسمدة داخل المصانع فهو الإحلال الطبيعى لتطور التكنولوچيا، حتى نظل فى منافسة مع الصينوالهند فى صناعة «النانو» فوسفات. نحو العالمية رغم جهود الدولة فى تقديم المساعدات للبحث العلمى لوضع مصر على طريق النمو الاقتصادى نتساءل: هل ستحظى ابتكارات معمل «النانو تكنولوچى» بمركز البحوث الزراعية بالاهتمام والتنفيذ على أرض الواقع أم أنها قترة قصيرة قبل عودتها الى مربع صفر، ولنا فى تجربة الدكتور أحمد مستجير استاذ الوراثة الأسبق بجامعة القاهرة أسوة حسنة حينما توصل بعد 15 عاما من التجربة والبحث العلمى الى زراعة الأرز والقمح والذرة بمياه البحر المالحة فى أرض قاحلة صحراوية، حينها أعلنت القيادة السياسية أن مصر ستوفر 4 ملايين فدان لزراعة أصناف أخرى ونقل زراعة الأصناف الأخرى الى أراض مالحة وتخصيص الأراضى الخصبة لزراعات اكثر ربحية وتوفير 9 مليارات متر مكعب من مياه النيل والأهم من ذلك هو الاكتفاء الذاتى من القمح والذرة، خاصة العملاقة المقاومة للملوحة واستخدامها كمراع شاسعة لزيادة الإنتاج الحيوانى. كان من أبرز النتائج التى تم إعلانها هو الحصول على سلالات عديدة من الأرز تتحمل نسبة مرتفعة من الملوحة بالإضافة إلى نجاحها فى النمو تحت مستويات ملوحة مرتفعة وانتاجية مرتفعة أيضا. وكباقى إنجازات مصر تبتكر للغير استفادت الهند من أبحاث «مستجير» حول زراعة القمح بواسطة مياه البحر دون تحليتها وسرعان ما تحولت من دولة مستوردة للقمح حتى منتصف التسعينيات الى مصدر عام 2004. «نانو» أسمدة مع زيادة التغيرات المناخية وظهور العديد من الأمراض، ظهرت الحاجة الى الاعتماد على التقنيات الحديثة فى الزراعة بالاعتماد على تكنولوچيا «النانو»، حيث أثبتت الدراسات أن استخدام المواد الكيميائية فى رش النباتات فنسبة قليلة تصل الى الأماكن المستهدفة فى النبات بسبب مشاكل التحلل الضوئى والمائى والميكروبى أو انحرافها بفعل الرياح والأمطار وهنا كان استخدام كبسولات «النانو» المغلفة ذات قدرة عالية على الذوبان داخل النبات والاستقرار والثبات داخل حيز التطبيق باستخدام كميات قليلة من المواد الكيمائية، وهو ما أثبت فاعلية فى إنبات القمح بصورة وصلت الى 99%. دكتور محمد نوفل رئيس قسم خصوبة الأراضى وتغذية النبات الأسبق يقول ان كميات الأسمدة المستنزفة فى صورة «النانو» أقل كثيرا من تلك الكميات المستنزفة فى الصورة المعدنية بالإضافة الى ان فرصة تثبيتها بالتربة قليلة جدا، فالتقارير الصادرة عن بعض الجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية فى شهر مارس 2015 تشير الى وجود أكثر من 800 منتج سمادى يسهم فى زيادة نشاط عمليات التخليق الضوئى، وزيادة مقاومة المحاصيل للأمراض الى جانب المحافظة على الصفقات الچينية المطلوبة للمحاصيل الزراعية. ويؤكد دكتور نوفل أن مشروع المليون ونصف مليون فدان الأولى ضمن استراتيجية الدولة لاستصلاح واستزراع 4 ملايين فدان، يتطلب بالضرورة القصوى الاهتمام بالتسميد بالعناصر الغذائية الصغرى والمحدد لجودة الحاصلات الزراعية وكمياتها.. كما يتطلب الامر تدقيق النظر فى كيفية الاستفادة من الخبرات العالمية فى مجال تكنولوجيا «النانو» الخضراء.