سيناء قبل سوق غزة بقلم: علاء عريبى منذ 1 ساعة 46 دقيقة كان عمري 14 سنة، كنا فى ميدان السيد البدوي، مجموعة كبيرة تلتف حول مذياع بمقهى، اقتربنا واستفسرنا: الحرب قامت... آراء كثيرة بعضها يغلبها الحماس والبعض الآخر اليأس، والبعض الثالث الحذر، في البيت كان والدي يجلس بجوار المذياع يترقب، قلت له: بابا الحرب قامت، قال في قلق: ربنا يستر، أيامها لم أكن اعرف خريطة مصر جيدا، ولا أسماء مدنها، سيناء في ذهني منطقة كبيرة صحراوية، قيل إنها بعد قناة السويس، قالوا إن سكانها من البدو، ليس بها صناعة ولا زراعة، صحراء لا فائدة منها، لكنها في النهاية قطعة من مصر، حكوا أن المصريين كانوا يذهبون عبرها إلى غزة، وكان في غزة سوق للبضائع الشامية، أذكر في طفولتي سفر عمى إلى هناك وعودته ببعض الهدايا، لا أتذكر جيدا سبب هذه الرحلة، فلم يكن من التجار بل كان من رجال الأزهر. أغلب الذين سكنوا بجوارنا من المهاجرين لم يكن أحد منهم يعرف سيناء جيدا، كنت اجلس وأستمع للذين هاجروا من الإسماعيلية أو بورسعيد أو السويس، لم يكن احد منهم قام بزيارتها، فى منزل عم والدى المجاور لمنزلنا سكنت أسرة من مدينة الإسماعيلية، جاءوا مع الهجرة، الأمهات حذرن الفتيات من الاختلاط بالبنات المهاجرات، أذكر أنهم كانوا يقولون إن عاداتهم غير عاداتنا، فالسواحلية تأثروا بعادات الاحتلال. كنت في الثامنة من عمرى وربما بالصف الثالث الابتدائى، عندما قالوا إن إسرائيل احتلت سيناء والجولان وغزة وجنوب لبنان وجزءاً من الأردن، شاهدت رجال قريتنا(قحافة) يبكون ونساءها اتشحوا بالسواد، بجوار محل عم شبل البقال كان رجال القرية يجتمعون بعد صلاة العشاء، وكنا نجلس بجوارهم نلعب ونسترق السمع، أحدهم قال: إسرائيل ضربت طائراتنا وهى على الأرض، أذكر أيامها أنهم كانوا يقولون اتهزمنا، وبعد أيام قالوا دى نكسة. بعد شهور من النكسة، فى فصل الصيف انتقلنا من منزلنا فى قرية قحافة إلى شقة فى عمارة جدى لأبى بشارع الصاغة فى مدينة طنطا، هناك حذرونا من التقاط اى شيء من الأرض، أكدوا أن إسرائيل تلقى من الطائرات أقلام حبر وألعاباً من يستخدمها تنفجر فيه، وحكوا بعض الوقائع: عبداللطيف صبى النجار اللى دكانه بالقرب من الجسر(السكة الحديد)، كان يعبر الجسر شاهد قلم حبر جديد لنج، مسكه وفتحه، انفجر في إيده وقطع صوابعه. تلبسنى الخوف الذي شاهدته في أعين والدي، وقفت في البلكونة أتخيل السيناريو الأسوأ، بعد لحظات من بدء السيناريو هتافات في الشارع والمقهى المجاور: الله أكبر.. عبرنا القناة.. لم أكن اعرف أن عبور القناة فى حد ذاته نصرا، أسرعت إلى والدي، وجدته يحمد الله ويشكره، ويقول بصوت مرتفع: هننتصر إن شاء الله وهنحرر سيناء، نزلت إلى الشارع بشحنة النصر، وقفت مع الشباب على الناصية، بعضهم اقترح أن نمد يد المساعدة، قال(وكان طالبا جامعيا): لازم نشارك في النصر يجب أن نتطوع، حركنا الحماس ومشينا متجهين إلى قسم الشرطة لكي نسلم أنفسنا كمتطوعين، نرتدي الزى العسكري ونحمل السلاح ونقتل الصهاينة الكفار، الذي سيموت منا سيصبح شهيدا، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. فى الطريق تذكرت والدي ووالدتي، كان يجب أن اخبرهما بأنني سوف أتطوع، هل سأذهب إلى الحرب دون أن يعرفا؟، أبى سيرسل أخى الأكبر للبحث عنى عندما يكتشف تأخري، ملت على شنودة وكان زميلي بالمدرسة وجارى بالحي وقلت له: أبوك لما يرجع ومايجدكش هتعمل ايه، قال: لا أبويا ولا أبوك هنحارب، قلت له: افرض متنا مش هنشوف أهالينا تانى، قال: بقولك إيه امشى وأنت ساكت ليقولوا علينا عيال، ضحكت وقلت له: طيب أنا لو مت هبقى شهيد وهدخل الجنة، قال: ما احنا عندنا جنة زى بتاعتكم وأحسن... شنودة ضغط على ايدى وقال بصوت خافت: بقولك إيه.. عايزين مانسبش بعض عشان لو حد منا استشهد يدفن التانى ويعرف أمه. أمام قسم الشرطة العشرات من الرجال والشباب جاءوا للتطوع، يهتفون: الله اكبر، ضباط الشرطة كانوا يهتفون مثلهم، سألنا عن التطوع، قالوا لنا ليست لدينا أوامر بقبول متطوعين، عليكم بالجيش الشعبي.