أحلام عريضة طويلة داعبت مخيلاتنا بعد الموقف الذي اعتبرناه حازما جازما من أحزاب التحالف الديمقراطي؛ بإمهال المجلس العسكري عدة أيام لتنفيذ ما سموه "شروط الشعب"، ووضعوه تحت ضغط سيف الوقت باعتبار يوم الأحد هو نهاية المهلة لتنفيذ هذه الشروط من إنهاء قانون الطوارئ وعودة الأمان للشوارع وتفعيل قانون الغدر وتحديد جدول زمني واضح لانتقال السلطة، وإلا ستتفجر الثورة مرة أخرى وسيعود المواطنون للشارع وفاء لدماء الشهداء وإكمالا لمسيرة الثورة. تلاحقت الأنفاس وازدادت سرعة ضربات القلب كلما اقتربنا من تلكم اللحظة الفاصلة والتي تم تحديدها بدقة السابعة مساء، كنّا نظنها لحظة تاريخية سيسجلها التاريخ يوم الأحد 2أكتوبر 7 مساء لتكون بمثابة لحظة العبور الثاني بعد عبور 6 أكتوبر 73 الساعة 2 وخمس دقائق. كنا ننتظر لحظة توحد الصفوف من جديد وتلاحمها، لحظة اتضاح الرؤية وتوهجها، لحظة إعادة الثورة إلى مسارها الثوري التغييري التطهيري بعيدا عن تقزيمها في بضعة رتوش إصلاحية تجميلية لا أكثر. ولكن يبدو أنه لا زال مكتوب علينا الشقاء والكمد والحزن والألم، ففوجئنا يوم السبت مساء وقبيل اللحظة المرتقبة الحاسمة بأربع وعشرين ساعة ببيان عجيب، قيل إنه حصيلة اتفاق الفريق عنان مع مجموعة من رؤساء الأحزاب. ويخلص هذا البيان العظيم إلى: 1- قرارات للأمام .. تتعلق بالانتخابات وهى إلغاء المادة 5 وتغليظ عقوبات مخالفات الانتخابات والسماح لهيئات بمتابعة الانتخابات فضلا عن تقديم بسيط لا يسمن ولا يغنى من جوع في مواعيد انعقاد مجلس الشعب. 2- محلك سر .. في بنود تخبر عن مجموعة من الدراسات والمباحثات والمناوشات والمشاورات ستتم لبعض القضايا التي قامت لأجلها الثورة ابتداء، وهى إلغاء قانون الطوارئ وعزل مفسدي الحياة السياسة في الفترة الماضية عن المشهد السياسي. 3- للخلف در .. تتعلق بفرض مبادئ فوق دستورية ومواصفات للهيئة الدستورية، مخالفة لما اختاره شعب مصر في الاستفتاء بتفويض مجلس الشعب لهذه المهمة وارتدادا لكل الأصوات والشعارات التي رفعت في الفترة السابقة من بعض الجهات والهيئات والأحزاب رفضا للمبادئ فوق الدستورية. 4- إن تبد لكم تسؤكم ..لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فكان الصمت عن مطالب واستحقاقات أساسية للثورة وحفظ مسارها من عودة الأمن للشوارع وإطلاق حرية الإعلام وقطع يد أمن الدولة التي تتسلل من جديد، وتحديد جدول زمني واضح لتسليم السلطة. 5- ابصم بالعشرة .. ولم ينسى البيان أن يأخذ من الموقعين العهود والوعود بأن يعلنوا "تأييدهم الكامل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة". وأمام هذا البيان بنقاطه الخمسة المذكورة سابقا، أمامك أيها المواطن المصري "الغلبان" حل من أربعة: 1 - أن تنفجر من داخلك، ولكن لا بد أن تعلم أنك حينها لن تحسب على شهداء الثورة وبالتالي لن يهنأ أهلك بأخذ مستحقات مادية وشهادات تقديرية وما شابه، ولك أن تعلم يقينا أن وزارة الداخلية ستنفى تماما وبتاتا وحتميا ونهائيا وجود وحدة للقناص .. أقصد وحدة للتفجير الداخلي داخل جهاز الشرطة. 2 - أن تنجذب، وهى من تصريفات الفعل انجذب ينجذب فهو مجذوب، والمجذوب في اللغة هو المجنون، وبالتالي ستريح وتستريح، وأطمئنك حينها أنك لن تحول للمحاكمات العسكرية لأنك ستكون حينها فاقدا للأهلية ورفع القلم عن ثلاث، ومنهم المجنون حتى يفيق. 3 - أن ترحل، فأرض الله واسعة وركز في شغلك وحياتك واترك الاهتمام بالسياسة وسنينها، ولكن حتى تكون على علم ولا تظن أننا خدعناك، فلن يكون لك حق في التصويت في استفتاءات مصر ولا الانتخابات المقبلة ولا غيرها، فأن نرسل صاروخ لاستكشاف الفضاء عملية أسهل على الحكومة المصرية من ترتيب تصويت المصريين بالخارج والأمرين كلاهما نستطيع فعله فقط في روايات ملف المستقبل مع الرائد نور وفريقه. 4 - أما الحل الرابع، فهو أن ترفع عن نفسك العراك الداخلي الموجود في فكرك وخاطرك ووجدانك لكي يرتاح بالك وضميرك، وهذا الحل الأخير هو حل عبقري وأنصحك لكي تحققه أن تنفذ أحد آليات الدفاع النفسي التالية: 1- الإنكار .. أنكر لنفسك تماما أن لقاء قد حدث بين عنان والأحزاب، فكل ما هو منشور على الفيس بوك والجرائد والتليفزيون ما هو إلا كذبة أبريل، ومن قبيل الحيطة يمكنك أن تنكر لنفسك أصلا أن ثورة في مصر قد حدثت وهكذا يكون "يا دار ما دخلك شر".. 2- الإسقاط .. اقتنع تماما أن ما يحدث لا يحدث في مصر ولكن يحدث في بلاد الواق واق ولا علاقة لنا به. 3- المنطقة .. أكد لنفسك أن ما حدث هو منطقي وواقعي وعبقري وأن ما تم الاتفاق عليه رائع ويدل على حنكة عالية من الأحزاب وأنهم يرون ما لا نرى، وأن لديهم رؤية تسبقنا عدة سنوات ضوئية. 4- الإزاحة .. كل ما تفكر فيما حدث فرغ مشاعرك في الآخرين، فلا بأس من قليل من ضرب الأولاد، وشيء من جذب شعر الزوجة لن يضر، إلقاء الحجارة من شرفات المنزل على المارة أمر لا بأس منه. 5- الخيال .. احلم بأن هذه الوثيقة ولله الحمد ليست شرعية لأنها موقعة من طرف واحد وهى الأحزاب ولم يوقع عليها الطرف الثاني وهو عنان، إذا فهي ليست شرعية. ما سبق كان محاولة جاهدة منى للأخذ بيدك في لحظة من أصعب اللحظات التي قد تمر عليك، ولكن بعد أن أعدت قراءة سطوري أظن أنى شخصيا اخترت الحل الثالث، لذا أقول لكم وأنا لست بكامل قواي العقلية يا خسارة يا مصر.