أين الطريق لإنقاذ الثورة والأحزاب؟ بقلم : د. سهير اسكندر منذ 38 دقيقة 39 ثانية فى تاريخ مصر الحديث ثورتان شعبيتان الاولى: ثورة 1919 والثانية ثورة 25 يناير سنة 2011، ينطبق على كل ثورة منهما طابع المصرية الحقة والرحابة والمشاركة الشعبية وتكاتف القوى الوطنية والفكرية من أجل إنجاحها، أتيح لثورة 1919 قيادة عظيمة تمثلت فى سعد زغلول وصحبه الذين اتخذوا الخطوة الاولى نحو المطالبة بالاستقلال وما لبث أن اندفعت الجموع الوطنية الهادرة لتدفع القادة الى مواقف أكثر عنفواناً وتشدداً.. أبدى الشعب المصرى بكل أطيافه قدراته الأهم على مواجهة التحديات فاستجاب له القادة وأعطاهم الشعب التوكيل لينوبوا عنه فى كل القضايا الوطنية. ثورة 25 يناير الأخيرة خرجت كما هو معروف باندفاعة الشباب الذين تزودوا بعلوم الاتصال الحديثة فتواصلوا ونادوا على الجماهير «يا أهالينا انضموا لينا» فكان ما كان من استجابة الملايين باندلاع ثورة شعبية سلمية جمعت كل المصريين تحت لوائها ولاتزال موجاتها تتوالى حينا وتنكسر حينا آخر وتحيط بها مؤامرات نظام مبارك الفاسد الذى يدافع عن بقائه ومصالحه بعد أن تحقق خلع مبارك وتقديمه للمحاكمة هو وزبانيته بعد شهور من الضغط الثوري. شاعرنا عبد الرحمن الأبنودى ربما كان من أروع من قدم أشعار الثورة وتابع مسارها واستشرف بوصلتها وحذر من الانتقاص عليها بالمؤامرات والمصالح المغرضة، فى حوار له آخر قال الأبنودي: إن الموجة الاولى للثورة قد أنهيت أو تم اجتياحها وأن هذا لا يمنع أن دفعات ثورية هادرة لا محالة ربما بعد سنة أو سنوات حتما سوف تحدث.. قال الشاعر إن الشعب المصرى قد جرب الثورة وعرف أنها لا تخيف كما أن الموت نفسه لا يخيف لكن هناك أسباباً لسلبيات الموقف الحالى أهمها فى نظره لانفراط عقد الثوار هو أنهم لم يسعوا الى انشاء تنظيم كلى يتحدث باسم الثورة ويتواصل مع جماهيرها وأنه لهذا السبب لم يستطع الشباب الوصول الى القيادة ليتولوا تحقيق المطالب المشروعة لثورة مصر الكبرى. إذن ثورة 25 يناير كانت بلا قيادة وبلا تنظيم ولم تعد المظاهرات المليونية بنفس قوتها السابقة وكان لابد من اجتهادات وإبداعات جديدة من أجل الوصول بهذه الثورة التى بهرت العالم الى البدء فى السير السليم ورسم الخطط لمواجهة تحديات الواقع الراهن متمثلة فى أخطاء كثيرة يقع معظمها على الاسلوب الفوقى غير المدروس لإدارة البلاد فضلاً عن اخطاء الثورة نفسها التى عليها وحدها تصحيحها والإمساك بالمبادرة من جديد، قلنا إن ثورة 25 يناير كانت بلا قيادة وكان ذلك ما جعلها كاسحة محلقة متجردة الى أبعد حد ألقى الكل أجسادهم وأرواحهم فى حماها فحققوا نصراً لامزيد عليه أبهر العالم أيقظ هذا فى المصالح المناوئة لمصر كل وسائل الكيد المخطط خشية من ذلك العملاق الذى خرج من القمقم فانتصر بالأيادى العارية. مع هذا فإن عدم وجود قيادة موحدة للثورة وعدم الاهتمام بإيجاد تنظيم قائد لتحقيق الأهداف الوطنية أدى ذلك الى تعثر الاتصالات بين الثوار من ناحية وبين الجماهير من ناحية اخرى، أيضا أدى هذا - مع عدم سقوط النظام الفاسد بكل آلياته وملياراته الى ما بدا من تشرذم حقيقى أو مصنوع والأدهى أنه من خلال تعثر القوى الثورية القيادية قد أمكن لقيادات من الحزب الوطنى لاتزال حاكمة لهم استبدال الثوار الحقيقيين بغيرهم من الزائفين أو المزروعين عمداً فى النسيج الشعبى لاتلاف العمل الثورى كله.. هذه مسألة فى غاية الخطورة ويجب على قادة الشباب وكل المخلصين لهذا البلد تدارك الأمر المخطط من الداخل والخارج.. لقد تمكنوا فعلاً من الاستنساخ ليس فقط استنساخ النظام الفاسد ليتحرك من جديد على الأرض لكنهم نجحوا فى استنساخ قيادات شابة غير حقيقية يعقدون معها اللقاءات وهذا سهل بعد ان تم اختراق الميدان بالبلطجة وتم تضييع بطاقات الهوية الحقيقية لقادة الثورة لقد خلطوا الأوراق وشوهوا المعلومات وأشاعوا الفوضى المدبرة فصرنا لا نتحصل على معلومة أكيدة حفظتها الفضائيات العالمية عن الثوار.. إنها الرغبة الشريرة فى إخفاء كل القرائن قرائن العظمة الثورية وأدلة الاتهام الدامغة لنظام أجرم فى حق الوطن، كما لم يفعل عتاة الاستعماريين. لقد أدخلنا عن سوء قصد وسابق غرض فى مرحلة عدم التوثيق لكل شىء لكى لا نعرف من الذى يحاكم فى المحاكم العسكرية هل هم زبانية الحزب الوطنى من البلطجية أم الشباب الطاهر البرئ.. لا توثيق للأدلة ولا للآثار ولا للأموال ولا للميزانية وكيف تدار، لا توثيق لأموال الشعب المهدرة حتى ما نتابعه من محاكمات الكسب غير المشروع نعرف بالصدقة أنه ليس محل اعتبار من القضاء العالمى والجهات الدولية أى أننا صرنا نلهث منذ شهور فى طريق مسدود، هذا الواقع الأليم والمتردى والذى صار يستشعره شعبنا المعطاء فيستبد به القلق ويخرج من جديد متظاهراً معتصماً من أجل حقوقه التى لم يعد واثقاً من أن الحكام الاقتصاديين ينتوون ايصالها إليه وهو ما يهدد بثورة جياع لن تفيد أحداً حتى أصحاب المليارات من سارقي أموال الشعب والمتآمرين العتاة على هذه الثورة فى أى موقع كانوا. نحن لا نرصد هذا كله - وهو معروف - إلا لندعو الى إصلاح يقوم به الثوار الموجودون فى الميدان وفى كل ربوع مصر.. نتطلع الى أن ينشىء قادة الثورة والخائفون عليها ائتلافهم الجامع الأساس.. أيها الثوار بدون تنظيم فسيتم اختراقكم وسرقة هوياتكم واستبدالكم بما يحقق طموحات كل الراغبين فى الاستحواذ الحرام على منافع الثورة.. تنظيم الثوار وقياداتهم سيكون عليها أن تقدم نفسها بقوة وإصرار الى مواقع السلطة الحاكمة كما فعل سعد زغلول حين تقدم بنفسه للقيادة وبعدها ساندته الجماهير مخاطبة السلطة من ناحية والمواطنين فى بقاع مصر ثم بالاحزاب المصرية القائمة وهنا مربط الفرس.. لماذا؟ فى حوار مع المستشارة تهانى الجبالى فى إحدى الفضائيات تحدث محاورها عن جمود وكرتونية احزاب المعارضة القائمة فأجابته قائلة لكن هذه الاحزاب هى نتاج كفاح المصريين عبر عقود طويلة وهى ملك للشعب المصرى كله وهى قيمة تاريخية ورصيد نضالى استطاع المخلصون من خلالها أن يكافحوا ويعلنوا الرأى المعارض ومن ثم فلا يمكن أن نفرط فى أهمية دورها، نعم هذه الاحزاب المشروعة التاريخية أو الاحزاب التى نبتت فى أجواء الثورة لاتزال مكبلة لا تعطى كل المرجو منها ولكن هذا ينبغى ان يتغير بل إنه حتما سيتغير لأن الحركة الوطنية الهادرة على أرض مصر ستظل تتوالد وتتصاعد وستفرض نفسها على الجميع. لا ترف لدينا فى التفريط فيما نملك حقا وعدلاً.. إن اخطاء أو قصور الأحزاب الشرعية الحالية لا يمنعنا من الإدراك أنها تمتلك الكثير بما لا يمتلكه الشباب الثائر حالياً.. تمتلك جماهير عريضة تؤمن بالمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما تملك الصحف والمقار والتجارب التى بها تستعيد زمام المبادرة من أجل إجبار المستبدين والطامعين الجدد على الانصياع لمطالب الشعب المشروعة لماذا لا يلتحم تنظيم الثوار بالاحزاب المعارضة ولماذا لا تفتح احزاب الأمة ابوابها لآراء الثوار ومعارضاتهم وتحتضن قضاياهم الاساسية؟ إن السير فى هذا الاتجاه فيه الدفعة الحقيقية وربما النجاة لدور الاحزاب المفقود فى الشارع المصرى هذا الاتجاه لابد ان يستدعى من جديد أعز القيم النضالية فى مصر التجرد وإنكار الذات فتقديم المصلحة العامة على المصالح النفعية قصيرة النظر.. اليوم أو غداً ستفتح الاحزاب القائمة أبوابها وستعوض ما فاتها وستكون منبراً شرعياً بإذن الله لثورة الشعب.