هذه دراسة تُناقش ما ذكره الدكتور يوسف زيدان الباحث والمفكر المعروف بخصوص تاريخ المسجد الأقصى وكذلك قدسيته التي يقول عنها إنها قد أقحمت علي الفكر الإسلامي في عام 73 هجرياً. لقد ذكر الرجل أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان قام ببناء المسجد كمناورة سياسية لصرف الناس عن السفر إلي الحجاز.. وقال نصاً: إن المسجد الأقصي الموجود حالياً في بيت المقدس لم يكن له وجود وقت أن نزلت آية «سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير»، لأن المسجد ببساطة بُني عام 73 هجرياً أي بعد نزول الآية بستة عقود. ثم استدل الكاتب علي رأيه برواية ذكرها أبو عبدالله الواقدي - وهو مؤرخ عاش في القرن الثاني الهجري - تتحدث عن مسجد آخر اسمه المسجد الأقصي موجود في مدينة تسمي بالجعرانة تقع علي بعد ستين كيلومتراً من المدينةالمنورة، ثم ربط الكاتب في بين هذا المسجد والمسجد الأقصي المذكور في آية سورة الإسراء ليدلل علي رأيه. والحقيقة أن الكاتب استدل استدلالاً خاطئاً وغير مفهوم علي رأيه بالحديث المرفوع عن الواقدي.. فالواقدي لم يشر من قريب أو بعيد إلي أن مسجد الجعرانة هو المسجد المقصود في سورة الإسراء. وكل ما ذكره الرجل أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أحرم في عمرته الثالثة من مسجد أقامه في منطقة الجعرانة عند العدوة القصوي سماه الناس باسم المسجد الأقصي تمييزاً له عن مسجد بني لاحقاً عند العدوة الدنيا وبناه رجل من قريش اسمه عبدالله بن خالد الخزاعي وأطلق عليه الناس اسم المسجد الأدني. وكل ما ذكره الواقدي عن هذين المسجدين - الأقصي والأدنى - إنما كان يتعلق بتحديد مكان الإحرام الذي أحرم منه النبي صلي الله عليه وسلم في تلك العمرة.. وهذا هو نص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي – تحقيق مارسدن جونس – مكتبة الإسكندرية – الطبعة الثالثة: «انتهى رسول الله إلى الجعرانة ليلة الخميس فأقام فى الجعرانة ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج من الجعرانة ليلاً فأحرم من المسجد الأقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى، وكان مصلى رسول الله إذا كان بالجعرانة (أي كان الرسول يصلي فيه إذا نزل بالجعرانة)، وأما المسجد الأدنى فقد بناه رجل من قريش اسمه عبدالله بن خالد الخزاعى». هذا نص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي. وكما نري لم يذكر فيه الرجل من قريب أو بعيد قصة الإسراء، فمن أين أتي الدكتور يوسف زيدان بهذا الاستدلال؟ وماذا وجد في هذا النص كي يفترض أن الرسول قد أسري به إلي الجعرانة بدلاً من بيت المقدس؟. وأعود إلي لب الحوار والفرضية التي يفترضها الكاتب عن تاريخ المسجد الأقصي وقدسيته التي يقول إنهما لم يكن لهما وجود قبل عام 73 هجرياً. وهنا أقف متحيراً مرة أخري أمام استنتاج الدكتور يوسف زيدان. فلو كان المقصود بالمسجد الأقصي تلك الجدران التي أقامها عبدالملك بن مروان والقبة الصفراء التي تزين مسجد الصخرة لاعتبرنا أن فرضيته صحيحة. ولكنه يعلم جيداً أن قدسية هذا المسجد مرتبطة بقدسية المكان الذي بني عليه وليس لجدران بن مروان شأن في ذلك. ولا أدل علي ذلك من القياس علي الكعبة المشرفة والمسجد الحرام. فجدران الكعبة المشرفة قد تهدمت وبنيت أكثر من مرة علي مدار تاريخها والمسجد الحرام تتغير معالمه عاماً بعد عام، ولكن تبقي قدسيتهما مرتبطة بقدسية الأرض التي تحمل البناء. والحق أن ما ردده الكاتب بخصوص استغلال بني أمية لقدسية المسجد كي يصرف الناس عن الحج إلي أرض الحجاز هو اتهام روجه المؤرخون العباسيون ضد بني أمية. وهو كلام يؤخذ منه ويرد.. فقد ذكر المؤرخ عارف باشا العارف المولود في القدس عام 1892 في كتابه «تاريخ القدس»: أن أول من ردد هذا الاتهام هو المؤرخ العباسي أبوالعباس أحمد بن اسحق المعروف باليعقوبي والمتوفي عام 874 م وردده من بعده مؤرخون آخرون. ومعروف العداء التاريخي بين العباسيين وبني أمية. ولو افترضنا جدلاً بأن بني أمية قد روجوا لفكرة قدسية المكان لتدعيم ملكهم ضد خصومهم، فإنما يعد هذا دليلاً علي أن للمكان قيمة روحانية ودينية موجودة سلفاً عند الرعية من قبل بني أمية. وقبل أن أتحدث عن تاريخ المسجد الذي بناه عبدالملك بن مروان وما سبقه من مقدسات بنيت علي نفس البقعة من الأرض قبل أن يحل محلها البناء الحالي، سوف أقوم في النقاط التالية بسرد جزء يسير من تاريخ مدينة القدس منذ نشأتها وحتي الفتح الإسلامي لها. ولهذا السرد أهمية في فهم بعض ما جاء علي لسان الدكتور يوسف زيدان بخصوص أسماء المدينة التي تغيرت علي مر العصور. 1- يعود تاريخ القدس إلي عام 3000 قبل الميلاد. وأول اسم عرفت به المدينة هو «أور سالم» أو «مدينة سالم» وسالم هو إله الكنعانيين حامي المدينة الذي يعني اسمه بالعربية «السلام» ولهذا عرفت المدينة في الأدبيات القديمة والوثائق المصرية القديمة باسم «مدينة السلام» وهذا ما أثبتته رسائل تل العمارنة. ومن هذا الاسم اشتق الاسم العبري «أور شاليم». وللمدينة طابع خاص يتسم بالقدسية منذ نشأتها وقد يستشفه الإنسان من الاسم الكنعاني القديم لها. فهلا يثير الدهشة أن تسمي مدينة باسم «مدينة السلام» منذ أكثر من خمسة آلاف عام؟! 2- تقول التوراة إن إبراهيم عليه السلام قد بني بيتاً للرب في هذه المدينة وكذلك فعل يعقوب عليه السلام. ولما هاجر بنو إسرائيل إلي مصر في زمن يوسف عليه السلام وظلوا بها طوال حكم الرعاة (الهكسوس) وبدايات حكم الرعامسة لم يكن لهم بيت يقيمون فيه شعائرهم. فلما خرج بهم موسي عليه السلام في الرحلة إلي الأرض المقدسة أنزل عليه الرب تشريعاً جديداً فأمره أن يقيم هيكلاً متنقلاً اسمه «خيمة الاجتماع» أو «خيمة الشهادة»، تنقلت معهم طوال سنوات التيه. وفي أرض موآب توفي موسي عليه السلام بعد أن أوصي فتاه يشوع بن نون بأن يقيم بيت للرب فوق جبل أورشليم. 3- تذكر المصادر التاريخية أن اسم المدينة قبل الفتح العبراني مباشرة كان «يبوس» ولهذا عرف سكان هذه المدينة من الكنعانيين باليبوسيين. وهو اسم نجده أيضاً في الوثائق والرسائل المصرية القديمة. وقد حاول «يشوع بن نون» دخول يبوس بعد أن عبر ببني إسرائيل نهر الأردن ولكنه لم يستطع دخولها لشدة تحصين المدينة. وتكررت محاولات بني إسرائيل لاحتلالها إلي أن ُمسِح «داود» عليه السلام ملكاً علي بني إسرائيل في عام 1049 ق.م. حينها سقطت المدينة في يد بني إسرائيل واتخذها داود عليه السلام عاصمة لملكه. 4- حينما تولي «سليمان بن داود» عليه السلام الملك، ازدهرت المدينة في عهده أكثر وأقام معاهدات مع جيرانه من الفينيقيين والفراعنة وتوسعت المملكة في عهده وازدهرت وبني فيها القصور والمحاريب. وأهم هذه المحاريب كان الهيكل المقدس الذي بدأ بنائه في عهد داود عليه السلام واكتمل في عهد سليمان عليه السلام. 5- لما مات «سليمان» عليه السلام عام 975 ق.م. تقسمت المملكة إلي مملكتين، مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم، ومملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها «شكيم». وظل النزاع علي أشده بين المملكتين لعقود، ضعفت خلالها قوة المملكتين، كما ضعفت عقيدة بني إسرائيل وتسللت العبادات الوثنية الفينيقية إلي عبادتهم اليومية حتي أنهم أقاموا معبداً للاله «بعل» إله الفينيقيين في قلب أورشليم. إلي أن دمرت المملكة الشمالية تماما علي يد «سنحريب بن شلمنصر» في عام 713 ق.م. ووقع السبي الآشوري. ثم دمرت المملكة الجنوبية وعاصمتها أورشليم علي يد الملك البابلي نبوخذ نصر عام 586 ق.م ووقع السبي البابلي. وفي هذه المرة دُمّر الهيكل تماما وفقد اليهود تابوت العهد والألواح إلي غير رجعة. 6- سمح كورش العظيم «Cyrus the great» لليهود بالعودة إلي أورشليم وبناء الهيكل الثاني علي أنقاض الهيكل الأول. وبالفعل عاد اليهود إلي أورشليم مرة أخري وقاموا ببناء الهيكل الثاني وتم ذلك في عام 515 ق.م. ثم تعاقب علي حكم المدينة الإغريق والبطالمة وتخللت تلك الفترة الكثيرة اضطرابات وثورات لعل أكبرها الثورة علي بطليموس في عام 320 ق.م حيث تعاون اليهود مع أعداء بطليموس من أجل الانفصال. فأرسل إليهم بطليموس جيشاً كبيراً دك حصون أورشليم وبطش بأهلها بطشاً شديداً وأسر ما يزيد علي مائة ألف يهودي حملهم معه أسرى إلي مصر. 7- سقطت أورشليم تحت الاحتلال الروماني علي يد القائد بومبي عام 63 ق.م. وظلت علاقة اليهود بالرومان تتأرجح ما بين الهدوء والاضطراب. وكانت أشد الفترات توترا هي عام 138 م، حينما تولي الامبراطور أدريانوس (Hadrian) عرش روما. فحظر علي اليهود الاختتان أو قراءة التوراة أو احترام يوم السبت كنوع من الاستفزاز. فقام اليهود بثورة دموية علي تلك الاحكام الجائرة عام 135 فأرسل إليهم أدريانوس جيشاً بقيادة يوليوس سيفيروس احتل المدينة وقهر الثوار وقتل مئات الألوف منهم وحظر علي اليهود دخول المدينة مرة أخري. ثم أمر بتحطيم الهيكل الثاني وحرقه وردمه بالتراب والحجارة وأمر بمحو كل أثر لليهود في المدينة وتغيير اسمها من أورشليم إلي «إيلياء كابتولينا» حتي ينزع ذكراها من القلوب. وقد ظل اسم المدينة «إيلياء» هو الاسم المتداول منذ أن أطلقه أدريانوس عام 135 حتي دخول عمر بن الخطاب إليها في عام 636 م (أي لمدة خمسمائة عام كاملة) 8- حينما اعتنق البلاط الروماني الديانة المسيحية وتولي الإمبراطور قسطنطين عرش الأباطرة عام 313 م، ازدهر الوجود المسيحي في القدس وزارت هيلانة والدة قسطنطين مدينة إيلياء وأزالت عن قبر المسيح الحجارة والبناء الذي أقامه أدريانوس. ثم قامت ببناء كنيسة القيامة محل الكنيسة القديمة. ولكن الأمر لم يتحسن بالنسبة لليهود فقد خير قسطنطين اليهود بين العودة إلي المدينة مع اعتناق المسيحية أو البقاء خارجها إلي الأبد. 9- في عام 360 م تولي الحكم الإمبراطور «جوليان فلافيوس» والمعروف ب «جوليان المرتد» (Julian the Apostate) الذي تتهمه الكتابات المسيحية بالردة ومحاولة إحياء الوثنية بينما يصفه اليهود بالحاكم العادل حيث ألغي جوليان جميع الأحكام التي صدرت ضد اليهود وسمح لهم بالعودة إلي المدينة مرة أخري. 10- مع بدايات ظهور الدعوة الإسلامية وبعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم كانت دولة الروم في أشد درجات الضعف بسبب الخلافات المذهبية و انقسام الكنيسة، مما منح الفرس فرصة الهجوم علي إيلياء بقيادة كسري ملك الفرس عام 614 م وكان ذلك في عهد هرقل ملك الروم. وكان دخول الفرس كاسحاً مدمراً. فقد ذُبِح فيه تسعون ألف مسيحي بنصل السيف وهدمت فيه كنيسة القيامة. واستولي الفرس علي الصليب الخشبي المقدس وحملوه إلي بلادهم ومعه البطريرك زخرياً أسيراً. وجدير بالذكر أن المؤرخين المسيحيين يشيرون في كتبهم بأصابع الاتهام إلي يهود إيلياء وينصون صراحة علي أن اليهود قد شاركوا في أعمال التخريب والتدمير التي وقعت بالمدينة. وعموما فلقد استجمع هرقل قواه وانتصر علي الفرس مرة أخري عام 627 م وأعاد الصليب المقدس وبني الكنيسة التي تهدمت مرة أخري. ولكن الضعف كان قد حل بمملكته فلم يستطع أن يصد الفتح الإسلامي الذي أسقط مدنه الواحدة تلو الأخري حتي فتحت إيلياء عام 636 ميلادياً علي يد القائد المسلم أبوعبيدة بن الجراح. وقبل أن أتحدث عن الفتح الإسلامي لإيلياء أود منك عزيزي القارئ أن تتأمل معي هذه المفارقات التي تستطيع أن تقرأها بين السطور في النقاط العشرة السابقة: أولاً: أن المدينة التي كانت تسمي بمدينة السلام أو «أور-سالم» قبل الفتح اليهودي لم تنعم بالسلام قط علي مدار التاريخ اليهودي باستثناء فترة وجيزة هي فترة حكم الملك سليمان عليه السلام، التي لا تزيد علي 44 عاماً طبقاً لنصوص التوراة. وفيما عدا تلك الفترة فإن أديم هذه الأرض قد صنع من دماء وأجساد ملايين البشر والأبرياء. ثانياً: أن المدينة المقدسة التي وصفها القرآن الكريم بالأرض المقدسة وأمر اليهود بأن يقيموا فيها بيتاً للرب قد انتهكت قدسيتها علي مدار التاريخ اليهودي. تارة بالوثنية وعبادة الاله «بعل» داخل الأرض المقدسة، وتارة بالانقسام والتعاون مع الأعداء وانتهي الأمر ببيت مُقدّس دنسه الغزاة من الآشوريين والبابليين والبطالمة والرومان والفرس وتركوه خراباً يباباً لعشرات القرون. ثالثاً: لم تشفع العقيدة المسيحية - التي تعتبر العهد القديم جزءاً أساسياً من الكتاب المقدس - في السماح لليهود بإعادة بناء بيت الرب. وظل مكان البيت خراباً مطموراً بالحجارة و مدنساً بروث الخيل طيلة الحكم المسيحي للمدينة المقدسة. 4- لم تسلم المقدسات المسيحية من الاعتداء والتدمير ولم يسلم المسيحيون أنفسهم من القتل والتعذيب علي أيدي الرومان في بادئ الأمر، ثم الفرس لاحقاً. ولم يكن اليهود ببعيد عن إلحاق الأذي بالمسيحيين في جميع الأحوال حتي أن أذاهم قد طال المسيح عيسي بن مريم عليه السلام نفسه. وجدير بمن يتأمل هذه النقاط أن يشعر بحتمية ظهور طرف آخر بعيد عن أطراف الصراع يمكنه أن يعيد الأمور إلي نصابها. فيعيد السلام إلي أرض السلام ويعيد القدسية إلي الأماكن المقدسة ولا تستباح في عهده كنيسة ولا معبد. وكان هذا الطرف هو الفاتحين المسلمين. وأعود إلي الفتح الإسلامي لبيت المقدس وإلي الدكتور يوسف زيدان، الذي تلا علينا نص العهدة العمرية، ليدلل فقط علي أن اسم المدينة في زمن الفتح الإسلامي كان «إيلياء»، رغم أنها قضية معروفة لم ينازعه فيها أحد. وليت الدكتور يوسف زيدان أكمل الرواية التي قرأها التي تتحدث عن دخول عمر بن الخطاب إلي إيلياء. وهي رواية ذكرها الواقدي في كتاب فتوح الشام والطبري في تاريخه وابن كثير في البداية والنهاية ولم يخل منها كتاب من الكتب الحديثة التي تتحدث عن تاريخ القدس. والرواية المكتملة تنقض كل ما جاء به الدكتور يوسف زيدان وتنفي أن المسلمين الأوائل - ومنهم عمر بن الخطاب - كانوا يعتقدون أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أسري به إلي الجعرانة، كما تنفي أن المسجد الأقصي الموجود في بيت المقدس كان شيئا مجهولا بالنسبة للمسلمين الأوائل. ومختصر الرواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن دخل بيت المقدس كان أول ما قام به أن أعطي عهد الأمان لأهل إيلياء. في وثيقة عرفت بالعهدة العمرية.. ثم زار عمر كنيسة القيامه فلما حان وقت صلاة العصر أشار عليه البطريرك صفرونيوس «Sophronius» أن يصلي في الكنيسة فأبي عمر بن الخطاب خشية أن يتخذها المسلمون من بعده مسجداً. فخرج عمر وصلي العصر هو وأصحابه في أرض فضاء تبعد حوالي خمسمائة متر عن الكنيسة. ولقد جاء المسلمون من بعده فبنوا في هذا المكان مسجداً تم تجديده وتوسعته حتي وصل إلي شكله الحالي في عهد الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي. ولا يزال المسجد حتي الآن موجوداً في الفناء الخلفي لكنيسة القيامة في حارة النصاري واسمه مسجد عمر. ولا علاقة له بالمسجد الأقصي. واتفقت الروايات التي تتحدث عن فتح بيت المقدس علي أن عمر رضي الله عنه سأل عن مكان المسجد الأقصي. واختلفت الروايات فيمن سأله عمر. فذكر بعضهم اسم اليهودي المسلم «كعب الأحبار» وذكر آخرون أنه سأل البطريرك صفرونيوس، المهم أن الناس قد أشاروا إلي الموقع الذي كان يقدسه اليهود. فذهب عمر إلي ذلك المكان فوجده في حالة خراب ودمار شديدين وتجمعت فيه الأحجار والأقذار بفعل الرومان. فراح عمر يزيل التراب والقاذورات عن أرض المكان هو وأصحابه. وكشف عن صخرة في وسط المكان أعتقد أنها الصخرة التي عرج منها النبي إلي السماء فأقام حولها مسجداً خشبياً بدائياً، وكان هدفه رضي الله عنه أن يعيد إلي المكان قدسيته وهيبته حتي لا يتجرأ عليه أهل إيلياء بموجب عهد الأمان الذي أعطاه لهم. وظل هذا البناء الخشبي قائماً حتي زمن معاوية بن أبي سفيان. وفي عام 41 هجرياً قام معاوية بن سفيان بتغيير هذا البناء الخشبي الذي كان يتسع لألف مصل إلي بناء حجري وقام بتوسعته كي يستوعب ثلاثة آلاف مصلي. ولا يزال مسجد معاوية الذي أقامه علي آثار مسجد عمر قائماً حتي الآن ضمن أسوار المسجد الأقصي ويسمي بالمسجد القبلي. ويذكر المؤرخ الشهير «المقدسي» أن أكبر التوسعات التي حدثت في المسجد حتي وصلت إلي شكلها الحالي كانت في عهد عبدالملك بن مروان والذي بدأ في مشروع التوسعة عام 65 هجرياً أي في السنة الأولي من حكمه. ولربما أراد الرجل المخضرم أن يبدأ حكمه بمشروع عملاق يجتذب حوله قلوب الرعية خاصة أن حكمه كان مزعزعاً في الجنوب بثورة عبدالله بن الزبير وفي الشام بمحاولة انقلاب عمرو بن سعيد الأشدق الذي كان يري نفسه أحق بالخلافة. ولكي يبدأ بن مروان مشروعه نذر له خراج مصر سبع سنين وعهد بإدارة العمل فيه الي أحد أعلام العصر في ذلك الوقت وهو رجاء بن حياة بن جود الكندي. وبدأ بقبة الصخرة المذهبة وبعدها بقبة السلسلة حتي اكتمل البناء وصار أقرب إلي الشكل الحالي. وجدير بالذكر أن المسجد الأقصي تهدمت بعض أجزائه مرتين بفعل الزلازل. الأولي في بدايات حكم الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور وقام بتجديده مرة أخري والثانية في عهد الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله والذي قام أيضاً بتجديده. وهذا يوضح أن للمسجد قيمة كبيرة عند العباسيين والفاطميين رغم اختلاف المذاهب والمطامح السياسية. وبعد: فإنه يتضح مما سبق أن الفتح الإسلامي لبيت المقدس قد حقق ما لم يحققه التواجد اليهودي والمسيحي لتلك المدينة المقدسة على مدار عشرات القرون منذ نشأتها عام 3000 ق.م. وحتي عام 636 م . فقد صد عنها بطش الفرس والرومان وأعطي الأمان لأهل إيلياء وأعاد الي المقدسات قدسيتها. المراجع: 1- القرآن الكريم 2- الواقدي: كتاب المغازي – تحقيق مارسدن جونس – مكتبة الإسكندرية – الطبعة الثالثة 3- تاريخ القدس عارف باشا العارف الناشر: دار المعارف - القاهرة الطبعة الثانية 1994 5- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: عبدالوهاب المسيري – المجلد الثاني - طبعة دار الشروق 6- موسوعة قصص الأنبياء والتاريخ – الجزء الخامس - أنبياء بني إسرائيل – د. رشدي البدراوي 7- أحسن التقاسيم في أخبار الأقاليم للمقدسي 8- تاريخ الأمم والملوك المعروف بتاريخ الطبري 9- البداية والنهاية لابن كثير مراجع أجنبية: 1- Jerusalem, the Holy City ، Stephen J. Binz, 2005 2- E. Mary Smallwood The Jews under Roman rule: from Pompey to Diocletian : a study in political relations, p. 460, at Google Books . BRILL, 1981, p. 460 3- Joechim Jeremias: Jeurasalem at the time of Jesus. First print 1969.