سأل لينين -مؤسّس الاتحاد السوفيتي الذي انتهى على يد جورباتشوف- بعض كبار المفكرين من حزبه قبيل وفاته بأسابيع، قائلًا: "لقد قمنا بالثورة منذ سبع سنوات تقريبًا، وانتصرت بكل المقاييس، وكنت أظن أنَّنا سننجح في تغيير البلاد، ونفسيَّات المواطنين خلال السنة الأولى من الثورة، خاصَّة وأنَّ تاريخ النضال الحزبي تاريخ طويل، وبرامجه التربويَّة كنَّا نظن أنَّها قد نجحت في إيجاد شيوعيين صادقين شرفاء، فإذا سقط القيصر ونظامه فإنَّ التغيير يصبح عمليَّة سهلة لا تحتاج إلى وقت طويل، ولكن ها نحن قد أمضينا كل هذا الوقت -سبع سنوات- ولا أشعر أنَّنا قد غيَّرنا الكثير! فهل تستطيعون أيها الرفاق أن تقدّموا لي تفسيرًا لذلك؟". فانبرى أحدهم -قيل تروتسكي أوسواه- وقال: "أيُّها الرفيق، أود أن أسألك عن شريحتين من الناس؛ هما: كناسوا الشوارع، وموزعوا البريد، هل ما يزالون هم أنفسهم الذين كانوا في عهد القيصر، أم تم تغييرهم؟". فتضاحك لينين، وقال: "وما تأثير هؤلاء..! لقد غيَّرنا قادة الجيش، ومسؤولي الأمن، وجميع القيادات العليا، وأصحاب القرار، فما قيمة هؤلاء؟". قال له: "أيُّها الرفيق، هؤلاء يستطيعون أن يقودوا ثورة مضادة من مواقعهم التي تستهين بها، فموزعوا البريد إذا لم يتغيَّروا ويغيِّروا أسالبيهم فإنَّهم يستطيعون أن يقوموا بثورة مضادة من خلال التلاعب في علميَّات توزيع البريد، وخلق أجواء تذمر لدى الناس، تحملهم على المفاضلة بين عهدنا وعهد القيصر، وأنذاك يستطيعون أن يقولوا بأنَّ عهد القيصر كان أفضل؛ لأنَّ الاتصالات بين الناس كانت تتم بشكل أفضل وأدق، وعليه فإنَّ هذا النظام قد أساء للناس، ونظام القيصر أفضل منه، وكنَّاسوا الشوارع يستطيعون أن يجعلوا حياة الناس جحيمًا من خلال تراكم القمامة والأتربة والأوساخ في الشوارع والبيوت، مما يجعل الناس يتمنَّون لو سقط هذا النظام، وعاد نظام القيصر الذي كانت شوارعنا فيه أنظف، ولم نكن نعاني من تراكم تلال القمامة والحشرات والروائح الكريهة فيه كما تحيط الآن بنا من كل جانب". وقد حاول لينين أن يناقش ذلك المنطق، لكنَّه في النهاية سلَّم بأنَّ الثورة المضادة يمكن أن تحدث بهؤلاء وبسواهم.