كان الرئيس المصري الجديد محمد مرسي يواجه صعوبات جمة تضع علامات استفهام على قدرته على قيادة البلاد إلى أن وقع الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته 16 من جنود حرس الحدود المصريين بمدينة رفح على الحدود الإسرائيلية، عندها تغير كل شيء. استغل الرئيس الحادث لتبرير قراراته بإقالة كبار قادة المجلس العسكري والمخابرات العامة الذين كانوا يتحكمون في شئون البلاد. وبعد أن كان هناك شكوك في صلاحيات الرئيس الجديد أصبح ينظر له على أنه فرعونا جديدا يمتلك صلاحيات لم يمتلكها الرئيس السابق حسني مبارك، خاصة بعد أن ألغي الإعلان الدستوري المكمل وأصدر إعلانا جديدا، دون الرجوع للشعب، منح فيه لنفسه حق التشريع. ذهب البعض إلى أن قرارات مرسي جاءت في إطار الصراع بين المجلس العسكري والرئيس الإخواني على حكم البلاد، لكن في اعتقادي أن الصراع كان في الأساس داخل مؤسسات الجيش التي كان بعضها يدعم وصول الفريق أحمد شفيق للرئاسة بينما كان البعض الآخر يدعم وصول الإخوان لنزع فتيل الاحتجاجات الشعبية المحتملة في حالة وصول عسكري للحكم، وهو ما كان من الممكن أن يعيد الثورة لمسارها الصحيح بعد أن تمكن العسكريين من الالتفاف حوله، ويهدد بمحاكمة قادة المجلس العسكري. وقد كان الإخوان مجرد رأس حربه في هذا الصراع. كانت تصريحات اللواء مراد؟؟ منير موافي، مدير المخابرات العامة، عقب الحادث مؤشرا على هذا الصراع فقد صرح بأنه اطلع السلطات المختصة في الجيش على المعلومات التي كانت متوافرة بوجود مخطط لتنفيذ هجوم إرهابي، وهو اتهام مبطن لها بالتقاعس عن القيام بدورها، وبالرغم من ذلك أصدر مرسي قرارا بإحالته للتقاعد. تلاه بقرر آخر في 12 أغسطس بإحالة عدد من كبار قادة المجلس العسكري للتقاعد، وعلى رأسهم المشير طنطاوي، وزير الدفاع، والفريق سامي عنان، رئيس الأركان، لكن بعد تكريمهم ومنحهم وظائف مدنية. وبالرغم من المؤشرات على وجود صراع داخل مؤسسات النظام إلا أن قرار إزاحة كبار قادة المجلس العسكري كان ضروريا لغلق صفحة المرحلة الانتقالية العشوائية التي شهدتها البلاد، وكان بقائهم سيؤدي إلى تذكير المصريين بالتلاعب الذي حدث لثورتهم والمذابح التي ارتكبت على يد هؤلاء القادة. عقب "ثورة" يناير كان هناك اتجاه شعبي رافض لتولي رئيس عسكري حكم البلاد. كانت المعضلة التي تواجه حكام البلاد من العسكريين تتمثل في كيفية الحفاظ على مصالحهم في ظل وجود رئيس مدني منتخب. ابدت جماعة الإخوان المسلمين مرونة مع العسكريين وساعدتهم على اجهاض مطالب القوة الثورية المدنية التي كانت تضمن تحول ديمقراطي حقيقي يحقق تغييرا في موازين القوة، بداية برفض اقتراح المجلس الرئاسي، ثم دعم التعديلات الدستورية واجراء الانتخابات قبل وضع الدستور، ومن جانبه غض المجلس العسكري الطرف عن تقنين وضع الجماعة ومن ثم اخضاع مصادر تمويلها للرقابة، كما غض الطرف عن استخدامها لشعارات دينية مجرمة بحكم الدستور خلال الانتخابات. هناك احتمالين لما حدث، الأول، هو أن الجماعة انقلبت على المجلس العسكري وانفردت بالحكم، والثاني هو أن التغيرات تمت بالتنسيق ما بين المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين لتجديد دماء الحكم، واضفاء شرعية على حكم الرئيس الجديد، وفي نفس الوقت تستمر مصالح ونفوذ الجيش المتغلغل في حكم البلاد مع إدخال تعديلات شكلية لاقتسام السلطة بين الطرفيين، وعودة العسكريين للعب من خلف الستار. أنا أرجح الاحتمال الثاني، ولا أتوقع حدوث تغيرات جوهرية في الخطوط العريضة لسياسات النظام المصري سواء على المستوى الداخلي، أو على المستوى الخارجي، وخاصة في علاقة التبعية مع الولاياتالمتحدة، وأري أن توجه مرسي للتقارب مع إيران والصين هو مجرد غسيل وجه للجماعة، ولا استبعد أن تتبعه بسياسات شعبوية أخرى لكن مع بقاء التعاون الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة، والالتزام بمعاهدة السلام مع اسرائيل. التصريحات التي تلت قرارات مرسي تؤكد الاحتمال الثاني، وأن هناك عملية ترتيب أوراق جرى الاتفاق عليها بين الأطراف الفاعلة في شكل تآمري، فالقادة المُحالين للتقاعد لم يكن لديهم علم بالقرارات، كما صرح اللواء مهاب مميش، قائد البحرية المحال إلى التقاعد. في حين صرح أحد أعضاء المجلس العسكري الذي تربطه علاقة وثيقة بالولاياتالمتحدة، وهو اللواء محمد العصار، إن قرارات إحالة القادة للتقاعد تمت بالتشاور مع المجلس العسكري، وهو ما يعني أن بعض أعضاء المجلس كانوا على علم بالقرارات، وإذا أضفنا إلى ذلك أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كانت على اطلاع بالتغيرات المزمع إجرائها خلال زيارتها لمصر في وقت سابق، كما صرحت المتحدثه بإسم الخارحية الأمريكية فيكتوريا نولاند، فإننا نكون ازاء مؤامرة اشترك فيها بعض أعضاء المجلس العسكري، والإدارة الأمريكية، وأن هذه المشاورات كانت الضوء الأخضر لمرسي لاتخاذ تلك القرارات. قبل ثلاث أسابيع من قرار الرئيس بإقالة عدد من كبار قادة المجلس العسكري كتبت مقالا بعنوان: "متى ينقلب الإخوان على المجلس العسكري؟" توقعت فيه أن يتم هذا الأمر، وقلت أن الصيغة الحاكمة للبلاد بوجود رأسين متناطحين لا يمكن أن تستمر هكذا طويلا، فاستمرار مصالح الطرفين يتوجب احداث تغيرات. حينما قالت وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون جملتها الشهيرة في أوج الثورة المصرية: "النظام المصري مستقرا" كانت تعبر عن تطلعاتها وليس عن الحقيقة على أرض الواقع، وبمرور الوقت ساهمت السياسات الأمريكية بالإشتراك مع حلفائها في الخليج وإسرائيل في إعادة الاستقرار إلى النظام المصري بصيغة يتولي فيها الإخوان المسلمون القيام بدور مبارك. لكن استقرار الأمور في أيدي الرئيس الإخواني تواجهه عقبة الإقتصاد الذي يواجه متاعب جمة وتجعل منه استقرارا هشا، وحالة الغضب الإجتماعي بسبب انهيار الخدمات تتصاعد. وأمام هذا اضطرت الحكومة الإخوانية إلى أن تتخلى عن مبدأها في رفض الاستدانة من البنك الدولي باعتبار أن فوائد القرض هي "ربا" تحرمه الشريعة الإسلامية بل وزادت مبلغ القرض الذي يجري التفاوض بشأنه من 3 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار، وحتى في حالة الموافقة على القرض فالبنك الدولي يضع شروطا صعبة لعل أهمها رفع الدعم عن الطاقة وهو أمر قد لا يتحمله قطاع كبير من المصريين. وما لم تتمكن الحكومة من الخروج من عنق الزجاجة فإن استقرار الأوضاع في يد الرئيس الإخواني سيكون استقرارا هشا يجعل الجماعة في مرمى نيران الغضب الاجتماعي.