إن الحركات الشمولية بغض النظر عن توجهاتها تعتقد أنها تحتكر الحقيقة كلّها. وغالبا مع يأتي مع احتكار الحقيقة الاعتقاد أن الغاية تبرر الوسيلة. وهي "حكمة" براغماتية سياسية لم تنشأ من الفكر الشمولي بل من "فكر الدولة" السياسي من عصر النهضة. ولكن الفكر الشمولي يستخدمها من دون وازع من ضمير لأنه يرى أنه الأحق باستخدامها. فكل وسيلة مهما بدت إجرامية لو فعلها الآخرون، ومهما ارتفعت تكلفتها الإنسانية، تهون أمام سمو الهدف الشامل. ومن هنا فهي تستخدم حتى أعداءها. من هذه الفرضية تشتق أمور عديدة، وما يهمنا هنا هو الاشتقاق التالي: إن النظام السياسي البراغماتي الذي يعتقد أنه يستخدم حركات دينية متطرفة مؤمنة بقضيتها ضد عدو مشترك ( لأسباب ودوافع مختلفة)، يجهل أن هذه الحركات تعتقد أيضا أنها تستخدمه. فهي تعتقد أن دعمه المؤقت لها، هو استخدام مؤقت له من قبلها ضد عدو تحاربه هي لأسباب مختلفة عن أسبابه، أي انها تستخدمه ليدعمها، ثم تكمل طريقها نحو أهدافها المتميزة عن أهدافه بعد أن تكون قد تمكّنت... حتى لو تطلّب ذلك الصدام مع من دعمها في الماضي. ينطبق هذا على أميركا في أفغانتسان ضد السوفييت، وعلى النظام السوري في حالتي العراق ولبنان، والنظام المصري (حالة السادات ضد اليسار والناصريين)، وعلى النظام الأردني ضد حافظ الأسد، وعلى كثيرين. وينطبق هذا على من يستخدمون مثل هذه الحركات ويفسحون لها المجال في الصراع ضد النظام السوري أيضا (ولا أقصد بذلك أي مواطن متديّن أو غير متديّن يحمل السلاح دفاعا عن حرية شعبه وكرامته، بل أقصد الحركات الشمولية تحديدًا). هذه ليست لعبة، بل مغامرة كبرى لها ثمن غال يدفعه المجتمع السوري في المستقبل، وبوادر ذلك ظاهرة مما يصلنا من أخبار أكيدة على الأرض .... وما ينطبق على الحركات الشمولية ينطبق على "منطق الدولة" من زاوية علاقاتها الدولية. والثوري الذي يعتقد أنه يستخدم دولا لمساعدته يجب أن يتذكر أنه يبرر لنفسه في حين أنه مضطر فقط في صراع حياة أو موت، وأن النظام لم يترك له خيارا سياسيا، بينما هي تحاول أن تستخدمه لأهدافها. ومن واجبه على الرغم من هذا الاضطرار أن يحارب بقوة لمنعها من تحويل الاضطرار إلى استخدام. ولا بد من التمييز بين الثوري الوطني الديمقراطي المحتاج إلى الدعم وبين السياسي المتحالف قوى أجنبية ضد قوى محلية بحكم اتفاقه مع أهداف القوى الأجنبية. الثوري الوطني الديمقراطي يحارب الاستخدام وأدواته (التي قد تتسرب إلى صفوف الثورة وقياداتها، وقد تزايد عليه في العداء للنظام، وهي فعلا معادية للنظام لأسبابها). والحل الوحيد هو أن يتصرف كدولة في كل ما يتعلق بقضايا الوطن والأمة والعلاقة مع الدول الأخرى. فالثوري الوطني الديمقراطي ليس أبلها، أو "أهبلا". وإذا قرر دخول معترك السياسة عليه أن يعرف أنه يحتاج إلى الدعم، وأن الدول تساعده لأهداف غير أهدافه، وقد تكون هذه الأهداف متناقضة مع رؤيته لذاته ولمصالح شعبه.