في الأفلام القديمة كان الشرير هو شخص مهمته الأساسية في الحياة ممارسة الشر. يعني كان يتحدث بشكل شرير، ويضحك بشكل شرير، ويستمع للأغاني الشريرة، ويأكل بشكل شرير (في يده فخذ عجل وفي اليد الأخرى كأس خمر)، وهو يمارس الشر لأنه يحب الشر. مع مرور الوقت، بدأ صناع السينما يدركون أن هذه النظرة الأحادية لم تعد مقنعة، فشرعوا في إيجاد دافع حقيقي للشرير، يجعله يرتكب هذا الشر، وبدأ الشرير يظهر بملامح عادية، ويأكل ويشرب ويضحك بطريقة عادية ككل البشر. ثم تطور الأمر وصارت الأفلام أقرب للواقع. فكل فعل له نوايا ووجهات نظر متعددة. فقد يكون الفعل نفسه خاطئ لكن وجهات نظر المستفيدين منه أو المتضررين منه قد تبدو مقنعة للجمهور رغم تناقضها. قد يقتل البطل .. فلما تستمع لتبريره تقتنع أن له الحق في القتل .. ولما تستمع لتبرير أهل القتيل يتغير رأيك .. ولما تستمع لتفسير شاهد ثالث تجد نفسك في حيرة! هل كان له الحق في أن يقتل أم لا؟ حتى نفهم الشر، يجب أن نستمع لوجهات نظر كل الأطراف: الفاعل والمفعول به والشاهد والمتضرر والمستفيد. عندما كان الحق سبحانه وتعالى يبين لنا الشر في القرآن كان يعرض كلام إبليس كما هو، حتى تفهم كيف يفكر عدوك، وتحتاط منه أو حتى تكسبه في صفك؟! وحتى تفهم ظاهرة التحرش الجنسي بالفتيات، يجب ألا تعامل المتحرش كما كانت الأفلام القديمة تعامل الشرير. فالمتحرش شخص مهمته الأساسية في الحياة هي التحرش. يتكلم ويضحك كما يفعل المتحرشون. يأكل كما يأكل المتحرشون ويشرب مثلهم، ولا دافع لديه غير حب التحرش. عندما نأتي بعينات مختلفة من المتحرشين، لنعرف طريقة حياتهم ونفهم لماذا يتحرشون، وكيف ينظرون لأنفسهم وللمجتمع، عندها قد نستطيع أن نحتاط من الشرير أو نهديه للخير. لكن ما نراه اليوم هو مجرد اكتفاء بسب المتحرش بكل الألفاظ القبيحة، (وهو يستحقها بالطبع) لكن دون أن نسأله: أي أمر جلل أصابك وجعلك تتخلى عن آدميتك؟ هناك أسئلة مهمة يجب أن نطرحها مثل: لماذا كان بعض أمهاتنا في السبعينات يمشين بالميني جيب دون تحرش بينما الآن يتم التحرش حتى بالمنتقبات؟! هل للأمر علاقة بالزواج المبكر أم بالإعلام أم بالخطاب الديني أم ماذا؟! وهناك أيضا مقارنات يجب أن نطرحها كالمقارنة بيننا وبين الغرب، والمقارنة بين نسبة التحرش في المدن ونسبة التحرش في الأرياف، وما الذي يوجد في المدينة ولا يوجد في الريف وبسببه يزداد التحرش؟! الظاهرة تزداد وتنتشر .. ولو كان التحرش مرض نفسي، فالبلد قد أصيبت بشوطة قوية، ويجب توفير العلاج بسرعة. ولو كان التحرش بسبب تأخر سن الزواج نظرا لارتفاع تكاليفه، فيجب على المجتمع والدولة العمل على إيجاد حلول سريعة كسن قانون إيجار للشقق يوفر الأمان النفسي للمستأجر. ولو كان بسبب الإعلام فيجب عمل قانون رقابي صارم على الإعلام. ولو كان بسبب "الطفاسة"، فيجب سن قانون رادع ضد التحرش. إننا عندما نتعامل مع التحرش بنفس طريقة تعامل السينما القديمة مع الشر، فإننا نخرج بحلول سطحية ساذجة كالمسيرات أو السلاسل أو المظاهرات أو حتى توزيع الأوراق على الناس. هذا يشبه المشهد الشهير في السينما القديمة عندما يقف البطل الطيب أمام الشرير، ويسأله أسئلة ساذجة على غرار: إنت ليه شرير كدة؟ فيتعظ الشرير ويقرر أن يتوب بعدما عرف أن الله حق. وتلين ملامحه وتنزل حواجبه المرفوعة ويقول: سامحني يارب. ثم يتزوج البطل من البطلة ويعيشا في ثبات ونبات. المشاكل العميقة لا تُعالج إلا بحلول عميقة .. وهذا جرح غائر في جسد الوطن!