لا أعتقد أن ما يواجهه مرسى حاليا سوف يواجهه أي رئيس لاحق له. فالرجل جاء من عباءة الإخوان المسلمين ومحملا بسوء أدائهم السياسى خلال الستة عشر شهرا الماضية. جاء الرجل مواجها ناموسا سياسيا مختلفا عما يحدث فى العالم الديمقراطى الحر، كالمطالبة بالتخلى عن حزبه وعدم تشكيل وزارة من الأغلبية. جاء الرجل مواجها ظروفا غير مواتية بالمرة، لما يمكن أن يواجهه رئيس منتخب فى عالم من المفترض أن يكون محترما. يواجه الرجل مياها ورياحا معاكسة تنم عن غرض فى نفس صانعيها وأزمة ثقة صنعها الإخوان أنفسهم. فالمجلس العسكرى وإن شئت الدقة مجلس رجال الأعمال المتخفى تحت الزى الرسمى للمؤسسة العسكرية والمكاسب المحققة طوال السنوات الماضية لن يتم التخلى عنها بسهولة فلا بد من وضع العراقيل وافتعال الأزمة تلو الأزمة لإفشال الرجل. الداخلية والتاريخ الأسود لرجالها تخشى على نفسها من انحسار سيادتها وتمكنها من رقاب هذا الشعب المسكين. قلقة على كلمة "باشا" التى كانت تقال من أكبر رتبة لأصغر أمين شرطة لا يساوى جناح بعوضة. محتمون وراء أسلحتهم ودروعهم ووراء السلطة التى امتلكوها طوال سنوات، فأفرغوا فيها سوء طويتهم وعقدهم على رؤوس الغلابة. لم تنس بعد الدروس التى تلقتها الواحد تلو الآخر، بداية من الثورة التى قامت من الأساس ضدها، قبل أن تتصاعد الأحداث، وانتهاء بأحداث محمد محمود. أتذكر سؤال استنكارى طرحه صديق المانى بعد صدور الحكم بتبرئة مساعدى وزير الداخلية فى قضية قتل المتظاهرين متعجبا من القضاء المصرى كيف يبرأ القتلة؟ وكان ردى ببساطة مغلفا بمرارة أن المخلوع لم يكن ليظل على عرشه طوال ثلاثون عاما دون أن يفسد مؤسسات الدولة وأن يخترقها الفاسدون ويكونون هم أصحاب القرار فيها. الزحف المقدس للفاشلين فى كلية الحقوق ليحتلوا مواقع العمل النيابى والقضائى لمجرد أنهم أبناء القضاة! فكيف يتوقع من القضاء أن يكون نزيها شريفا .. يعلى قيمة العدل؟! محكمة دستورية أعضاؤها معينون من قبل المخلوع وزوجته .. كيف يتوقع منها ولاء لغير النظام الذى عينهم وأعطاهم مكاسبهم؟! المحكمة التى أرجعت للرئيس الحق فى حل البرلمان في 1990 هي نفس المحكمة التى منعت مرسى من نفس الحق فى 2012. الغرض مرض! التيارات السياسية الأخرى والنخبة، وينضم إليهم الإعلام، فى مجملها ضد الإخوان. لكن هناك فرق بين النقد الإيجابى لتحسين وتطوير الأداء وبين التصيد والتربص والرغبة فى أن يفشل الرئيس رغبة فى إثبات وجهة النظر! لا يهم تأخر البلد .. لا يهم خسائرها .. المهم ألا أبدو كخبير مخطئ! العمل على الأرض غائب عن عقل أغلب التيارات. هم أضعف وبلا خبرة تقريبا فى العمل بين الناس وفى الشارع والمتشابهون منهم للأسف لا اتفاق بينهم. التجمع والكرامة والناصرى والاشتراكيين الثوريين واليسار المصرى كل منهم يغرد بعيدا عن الآخر. الإعلام لا يرى سوى إعلانات "السبوبة" فلا بأس من أن تشتعل البرامج باستضافة مثيرى القلق والمشكلات والفتاوى التى ما أنزل الله بها من سلطان، ويتوارى العقلاء وأصحاب الفكر الحقيقى أو علماء الدين المستنيرين. النظام السابق القابع فى كل مواقع اتخاذ القرار حتى تاريخه ولا أدرى سببا لتأخر إعلان الوزارة لتطهير البلاد منهم. الشارع المثقل بالهموم والمحمل بآمال وأحلام جسام وأمل أن يأتى الصباح بجديد مبهج. الحل الوحيد أمام الرئيس الشفافية والصراحة وعرض ما تم إنجازه بين الوقت والآخر، وتوضيح المشكلات والعقبات، وطلب العون من الشعب، والاحتماء بالشعب هو الطريق فقط لو صدقت النية.