محافظ كفر الشيخ: جاهزون لجولة الإعادة وجهزنا 527 لجنة انتخابية بالمحافظة    ضبط شخص بحوزته كشف بأسماء الناخبين ودعاية لحساب مرشح بالشرقية    سعر كرتونة البيض اليوم الأربعاء في بورصة الدواجن    رئيس الوزراء: أمل مصر في زيادة الصادرات.. والعام الأخير شهد أقل عجز تجاري    أرفع أوسمة «الفاو» للرئيس السيسى    البورصة المصرية تختتم تعاملات اليوم بتراجع جماعي    حادث مروع، لحظة تدحرج أتوبيس سياحي من أعلى جبل بالهند وسقوط عشرات الركاب (فيديو)    ماذا تريد حماس من غزة ؟    تصعيد متبادل.. أوكرانيا تضرب مصافي نفط روسية وموسكو تسقط 94 مسيّرة    منتخب مصر يخوض تدريبات استشفائية بالجيم قبل السفر للمغرب    وزير الرياضة يهنئ ألعاب القوى بحصد 12 ميدالية بدورة الألعاب الأفريقية للشباب    التصريح بدفن جثمان ضحية حادث السيارة الطائشة بكورنيش الإسكندرية    كشف ملابسات تضرر شخص من قيام جيرانه بالتعدى عليه وزوجته بالضرب بالسلام    كشف ملابسات فيديو بشأن تصوير شخص لسيارة شرطة متوقفة أمام منزله    مجهولون يلقون «ماء نار» على 3 طلاب بحقوق بنها أثناء استقلالهم توك توك بالقليوبية    مدبولي: نطالب بحلول جذرية لمشاكل ماسبيرو والصحف القومية لوقف دعم الدولة    المتحدة للخدمات الإعلامية تهنئ المخرج شريف سعيد بفوزه بجائزة نجيب محفوظ    افتتاح الدورة العاشرة لملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي.. غدًا    الصحة: تقديم 8900 خدمة طبية بمركز الأسنان بمدينة نصر    مدير تعليم سوهاج يتناول وجبة الإفطار مع طالبات مدرسة الأمل للصم (صور)    ترامب: قدمت الكثير لإسرائيل وسأظل صديقًا ومدافعًا عن الشعب اليهودي    رئيس وزراء الأردن: عمان تدعم جهود الجامعة العربية فى العمل الاجتماعى    طيران الاحتلال يشن غارة جوية بمحيط منطقة السامر في غزة وأنباء أولية عن سقوط شهيد    الداخلية تحاصر «سماسرة الانتخابات».. سقوط 17 متهمًا بشراء الأصوات | صور    الصحة: إجراء جراحة ميكروسكوبية دقيقة لطفل 3 سنوات بمستشفى زايد التخصصى    وزير الأوقاف يكرم المشاركين فى نجاح المسابقة العالمية 32 للقرآن الكريم    تضامن المنوفية: تسليم 46 مشروع إنتاجي لتمكين المرأة الريفية    كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك»؟    بوتين يؤكد تطوير القدرات العسكرية ومواصلة العملية فى أوكرانيا    زحام من طوابير الناخبين فى الخليفة والمقطم والأسمرات للتصويت بانتخابات النواب    إحالة أوراق متهم بقتل شخص فى سوهاج بسبب خلافات ثأرية إلى فضيلة المفتى    وزيرا الرى والنقل: التعامل الحازم مع أى تعديات على المجارى المائية والطرق والسكك الحديدية    قائمة ريال مدريد - غياب فالفيردي وكورتوا في مواجهة تالافيرا    الزمالك يكشف موقف آدم كايد من لقاء الزمالك وحرس الحدود    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    وزير الرياضة يعلن عودة نعمة سعيد من الاعتزال تحضيرا ل أولمبياد لوس أنجلوس    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    الأمطار وراء تأخر فتح لجنتين بالتل الكبير لمدة 20 دقيقة بالإسماعيلية    ضبط 3 أشخاص بالمطرية وبحوزتهم عدد من كروت الدعاية الانتخابية    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    مع بدء التصويت بانتخابات الاعادة للمرحلة الثانية .. حزب العدل يتقدم ب 7 شكاوي للهيئة الوطنية للانتخابات    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    "الكهرباء" توقع عقدًا جديدًا لتعزيز كفاءة الشبكة القومية الموحدة    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    إصابة سيدة وابنها صدمتهما سيارة بقرية فى أبو النمرس    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    «عسل السنيورة»... قراءة في تاريخ وروح مصرية    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آثار الاستبداد
نشر في التغيير يوم 27 - 06 - 2012

إنَّ ما تمرّ به بلادنا العربية من أحداث، ليست مُستغربة؛ بل هي أحداث طبيعية. فبعد أن نشأت أجيال عديدة فى ظلِّ الكبت وتقييد الحرِّيَّات أو إلغائها، واستبداد أفراد بمصير شعب كامل استبدادًا شموليًّا ألغى الإرادة ودمَّر الفاعليَّة وصادر الحريَّة وألغاها من واقع الناس وفكرهم وحياتهم. وبالتالى فإذا سقط الاستبداد -بقطع النظر عن البديل الذي يأتي بعده- فلا بد أن تعقبه فوضى وتفكّك، وأن تجري عليه سُنَّة: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ (الفرقان:23) فكلّ ما صنعته الديكتاتوريّات السابقة، والحاشية التي تُسمّى حزبًا يُصبح هباءً منثورًا.
لكن التخريب الذى يفعله الاستبداد فى النفوس والعقول والقلوب تبقى آثاره المدمّرة فترات طويلة؛ ولذلك لا بد للعلماء وقادة الرأي ورجال الفكر والدعوة من بذل جهود منظّمة مدروسة متواصلة لا تهدأ لإزالة الاستبداد من نفوس الناس ومن عقولهم وقلوبهم؛ حتى يطمئنوا إلى أنَّ الشَّعب قد برئ، وتمّت عمليّة تنقيته من سائر آثار الاستبداد وتدمير الإرادة والطاقة لدى أبناء الأمَّة.
ولقد حفل القرآن المجيد بقصص كثيرة من قصص المستبدِّين وآثار استبدادهم فى أممهم وشعوبهم، والتي من أقلّها فقدان الفاعليَّة وتدمير الإرادة وتحطيم الدافعيَّة، وتحويل الشعب إلى طبيعة قطيع ليتبعهم، وعقليَّة عوام ليسهل التلاعب بها، وليسلس للمستبدين قيادتها، وجعل نفسيّة الشعب نفسيّة عبيد ليسهل على الحكّام إذلاله ولتسهل قابليَّته للاستحمار والاستذلال لتكون جزءًا من حياته؛ وبذلك يحافظون على استبدادهم. وقد يكون بنو إسرائيل مثلًا لا يمكن تجاهله ولا تناسيه، فهم نموذج للتأثير المدمر للاستبداد في الأمم، فهذا الشعب -الذي عاش قرونًا فى ظل استبداد فراعنة يذبحون أبناءه ويستحيون نساءه- رغم ما منَّ الله عليه بإغراق المستبدّ وجنده، وإنقاذ بني إسرائيل منه، ونقلهم إلى الأرض المقدَّسة، وإعلان الله نفسه ربًّا وإلهًا وحاكمًا لهم في أرض مقدَّسة، رغم كل ما سبق فقد ظلّت آثار الاستبداد فيهم، وبقيت مستمرَّة، لتُصادر حاضرهم وتدمِّر مستقبلهم: ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ (الأعراف:138)، وإذ صنع السامريّ لهم عجلًا: ﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ (طه:88)، وسارعوا إلى عبادة العجل، مع علمهم أنَّه مجرَّد عجل ذهبيّ مصنوع لا يملك لهم شيئًا على الإطلاق، ولكنّ تلك طبيعة الاستبداد؛ يدمِّر كلَّ مقوّمات الإنسانيَّة.
نحن اليوم أمام ثورات، لا ثورة واحدة، علينا أن نقوم بها لإزالة آثار الاستبداد وإعادة المقوِّمات الإنسانيَّة لشعبنا، والتَّخلّص من عقليّة العوام، وطبيعة القطيع، ونفسيَّة العبيد، فى ثورات متَّصلة لا تتوقف حتى يحدث التطهّر التَّام من آثار الاستبداد فى العقول والنّفوس والوجدان. حيث إنَّ الاستبداد قد تغلغل في كلِّ شيء، وصنع لنفسه ثقافة تراكمت آثارها في النّفوس، وجعلتها تحنّ إلى الاستبداد، وأوجدت ميولًا ودوافع واتجاهات لتكريس أخلاق وسلوكيَّات الاستحمار والاستعباد -حين كان قائمًا- ولإعادته بعد سقوطه، فالتحدي الذي يواجه أمَّتنا اليوم هو كيف نطهِّر نفوسنا وعقولنا وقيمنا وأخلاقنا وأساليب حياتنا من طبائع الاستبداد المدمِّر.
ألم ترَ إلى بني إسرائيل الذين كانوا يُنزَّل عليهم المنَّ والسلوى، قال تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (البقرة:57)، لكنّهم حنُّوا إلى حياة العبوديَّة في سبيل أكلة بصل وثوم ممَّا كانوا يتناولون في أرضها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ (البقرة:61).
على النّاس أن يثوروا على الاستبداد ويقوموا لله مثنى وثلاث؛ ليُقسموا أنَّ لا عودة للاستبداد بأيِّ شكل وتحت أيِّ شعار، وأنَّ ثورتنا مستمرة حتى نُخرج العقول من السذاجة والسَّطحيَّة، ونحول بينها وبين مَنْ يعبثون بها، فلا نجعلها عقليَّة عوام، ونُخرج شعبنا من طبيعة القطيع ونفسيَّة العبيد، وذلك بترسّم خطى القرآن، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (النحل:75)، و: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق:2)، فإذا تحلَّينا بالتقوى، وأصبحت التَّقوى لنا مَلَكة، حينها يفتح الله لنا أبوابًا من الخير؛ ومن بين هذه الأبواب أبواب الرِّزق، من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب. قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف:128)، ومَنْ يدرى، فإنّ مَنْ أخرج الغاز والذهب من أرضنا، سيخرج معادن أخرى ويُبارك لهذا الشعب ويُنزل عليه بركاته، وذلك ليس من قبيل الأحلام، لكنَّه الحقيقة، فالله هو مالك الملك يؤتي الملك مَنْ يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
أمّا إزالة آثار الاستبداد فهي ضروريَّة؛ سواء كانت آثارًا صغرى أم كبرى، والحكمة ضالّة المؤمن. وقد تساءل «لينين» قائد الثورة البلشيفيّة قبل وفاته أنَّه لا يشعر بأنَّ الثورة قد حققت أهدافها؟ فأجابه أحد المفكِّرين الرُّوس بقوله: أود أن أسألك عن مُوزّعي البريد وكنّاسي الشَّوارع فى عهد القيصر، أما يزالون حيث هم؟ فأجاب «لينين»: هذه فئات لا تأثير لها، وقد قمنا بتطهير الجيش وقوَّات الأمن، فما تأثير هؤلاء؟ فأجابه: إنّ عمال النَّظافة يستطيعون أن يُفجِّروا ثورة ضد الثورة إذا جعلوا الناس يقارنون بين نظافة المدينة فى عهد القيصر ووساختها بعد الثورة، فذلك يدفع العامة لتفضّل عهد القيصر على عهد الثورة. وكذلك عمّال البريد، إذا قصّروا ولم تعد الرسائل تصل فى مواعيدها فسيقول الناس: إنَّ عهد القيصر خير من عهد الثورة وهكذا... إذن لا بد من إزالة آثار الاستبداد بأسرع ما يمكن، فهم عبء على الشعب، ووسائل مصادرة وعرقله وتدمير للثورة وأهدافها، ولن يرضى هؤلاء أن يروا الشعب قد تخلّص من تلك الأمراض وسار ليشقّ طريقه نحو التحرّر وإعادة بناء الذات على تقوى من الله وهداية من كتابه وتأسٍّ واقتداء من رسوله الكريم صلَّى الله عليه وآله وسلّم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.